كُمونةَ «تلا رواق»

03 يوليو 2019 - 12:42

كنت مدعوا نهاية الأسبوع الماضي إلى المساهمة في تخليد الذكرى الثالثة لانطلاق معتصم فلاحي « تلا رواق » بمنطقة « إساگن ». ولم تمنعني سوى انشغالات مهنية، فقد كنت متحمسا للحضور مع هؤلاء الفلاحين، الذين يشبهون كثيرا فلاحي المنطقة التي أنحدر منها.

فقد ولدت قريبا من قمة جبل تدغين، صحيح أني لا أذكر شيئا عن بداياتي بمنطقة تمروت، فقد هاجرت الأسرة باكرا نحو مدينة طنجة، لكني أتذكر أنه خلال العطل الصيفية حين كنا نسافر « للجبل »، أن العديد من ساكنة مدشرنا كانت تحضر السوق الأسبوعي: « خميس إساگن ».. كنا ولازلنا قريبين من تلا رواق، الفرق بيننا هو الانعطاف يمينا أو يسارا، بحسب هل القدوم من الحسيمة أم من طنجة..

تبدأ مأساة فلاحي « تلا رواق » مع حكم صدر في ثلاثينيات القرن الماضي يفيد أحقيتهم في أرض للجموع تصل مساحتها إلى نحو 500 هكتار،
هذه الأرض ظلت محل أطماع نافذين منذ الاستقلال، وحتى يومنا هذا، 
بسبب موقعها الاستراتيجي، إذ هي عبارة عن منبسط بانورامي تحيط 
به أشجار الأرز، ويتوفر على منابع مائية مهمة، موقع يغري باستثمارات
سواء فلاحية أو سياحية.

في ستينيات القرن الماضي أنشأت الدولة في إطار مشروع « ديرو » تعاونية الفتح على هكتارين من مساحة هذه الأرض الجماعية، وقد أقنعت 
الدولة الساكنة بالمنافع التي يمكن أن تجنيها من هذا المشروع، الذي يهم 
خلق تعاونية نموذجية، ستساهم في تطوير الأبحاث حول أفضل السبل الممكنة لتجويد فلاحة المنطقة.

لكن أطماع المتنفذين ستكبر، كانت التعاونية فقط، طعما للاستيلاء على أراضي الفلاحين البسطاء، وفي عمل لا يمكن وصفه سوى بالنذالة، سيستغل هؤلاء غياب أغلب فلاحي المنطقة للمشاركة في المسيرة الخضراء، ليستولوا على مساحات شاسعة أخرى تحت حماية السلطات، في تلك السنوات التي كان فيها مجرد الاحتجاج على أبسط مسؤول يكلفك غاليا.

كبرت مأساة الفلاحين، وانطلق نضالهم، سواء الميداني من احتجاجات ومسيرات ووقفات، أو عبر اللجوء للقضاء.

لكن هؤلاء النافذين سيستغلون مرة أخرى أحداث 1984 ليزجوا بمتزعمي الاحتجاجات في السجن، عبر محاضر مفبركة، تجعل من المعتقلين محرضين على العصيان والتخريب. أما خلال التسعينيات، فستصدر مذكرات بحث في حق عدد كبير من فلاحي المنطقة، انطلاقا من شكايات كيدية تفيد متاجرتهم في المخدرات، فيما انتقلت ملكية الأرض في ظروف غامضة من يد ليد، حتى أصبحت في ملكية شركة إماراتية، كما نجد في تقرير أنجزه جابر الخطيب، أحد الذين اهتموا بهذا الموضوع.

انتقال ملكية الأرض في ظروف غامضة للشركة الإماراتية، سيؤجج الوضع أكثر، وسيبرز هنا دور الطالب اليساري صالح لشخم، الذي قام بدور كبير في تنظيم صفوف الفلاحين، وقيادة الاعتصام، الذي انطلق سنة 2016 قبل حَراك الريف..

كانت نضالات صالح لشخم ورفاقه الفلاحين تعاني من تهميش على مستوى الإعلام، رغم أنها تجربة رائدة في نضال الفلاحين، ولم تستفد من دعم أحزاب اليسار، حتى الراديكالي منه، سوى ما تعلق ببيانات تضامن يتيمة.

عند انطلاق الحَراك الشعبي بالريف، سيوظف صالح لشخم تجربته الطلابية، وسيجعل من نضالات « تلا رواق » جزءا من نضالات حَراك الريف، رغم أن منطقة إساگن تنتمي إلى قبائل صنهاجة أسراير المختلفة، من حيث الأصول واللغة عن باقي مناطق الريف الأوسط المتجانسة إثنيا ولغويا.

هذا الربط بين اعتصام فلاحي « تلا رواق » والحراك الشعبي بالريف، جعل قضية « تلا رواق » تعود بقوة، وتحظى باهتمام أقوى، لعل كثيرين يتذكرون اعتصام صالح ورفاقه أمام طائرة حلت بالمنطقة لتقل مسؤولين سامين، احتجاجا على استثنائهم من الحوار في موضوع يهم منطقتهم ومستقبل أرضهم.

بعدها، سيتلقى صالح لشخم دعوة إلى حضور اجتماع مع وزير الثقافة الذي هو ابن المنطقة في الحسيمة، لم يكن الأمر سوى طعم لاعتقاله، والحكم عليه بعدها بعشر سنوات.. وعلى خلاف ما وقع في مناطق أخرى، استمر نضال فلاحي « تلا رواق » من أجل الأرض، ومن أجل إطلاق سراح صالح ورفاقه.

استطاع صالح طيلة فترة قيادته لمعتصم فلاحي بمنطقته، نشر وعي نضالي بخلفية يسارية جذرية واضحة، واستطاع أن يخلق تقاليد نضالية هي التي ساهمت في تواصل الاحتجاجات بعد اعتقاله، يمكن أن نقول إن تجربة « تلا رواق » قريبة من تجربة « تماسينت ».

في نهاية الأسبوع الماضي تم تخليد الذكرى الثالثة للمعتصم، بحضور الفلاحين وعائلات معتقلي الحراك ورفاق صالح، من مواقع جامعية مختلفة ومناضلين مستقلين من مناطق عدة.. وحدها تنظيمات اليسار كانت غائبة تناقش في ندوات مغلقة بالمركز أزمة اليسار.

كان جميلا عرض مسرحي غنائي تعبيري قدمه أطفال الفلاحين ذكورا وإناثا، مما يدل على أن أشياء كثيرة تتغير في الهوامش، لا ندركها نحن المصابون ببلادة المركز وكسله.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي