ربيع الحياة..

23 أكتوبر 2019 - 12:21

يخوض معتقل حراك الريف ربيع الأبلق إضرابا عن الطعام منذ سادس شتنبر، إضرابا يشارف الخمسين يوما..

وكما اختلفت الأشكال الاحتجاجية منذ تطور الحركات الاجتماعية نحو تعبيرات تنحو منحى الراديكالية (حرق الذات نموذجا..)، فكذلك الأمر مع الإضرابات عن الطعام بالنسبة إلى المعتقلين السياسيين، فقد كان من المألوف أن المعتقل السياسي لا يلجأ إلى هذه الوسيلة إلا بغاية تحسين شروط الاعتقال، وعادة يقترن الإضراب عن الطعام بلائحة من المطالب، لكن راهنا بدأت تتنامى تعبيرات احتجاجية بالمعتقلات من قبيل تخييط الفم أو غيره من حالات الإيذاء الجسدي التي تحمل رسالتين: اليأس من إحقاق العدل من جهة، والتعبير عدم الخوف من الاعتقال، من جهة أخرى.

لذا، لا يستقيم اتخاذ موقف من الأشكال الاحتجاجية الجديدة بناء على تقاليد نضالية سابقة، بل يجب الاشتغال اليوم على «سيكولوجية المحتج»، هذا المحتج منقطع الصلة بالتنظيمات الحزبية والنقابية الكلاسيكية، والذي يعرف هويته الاحتجاجية بشكل مغاير، والذي قد تظهر له الأعراف النضالية متصالحة مع الواقع الذي تدعي رفضه.

في بعض من شعارات الحراكات الجديدة (يتنحاو گاع / كلن يعني كلن..) بعض عناصر الفهم لما هو جنيني عندنا، هل هي عدمية جديدة أم دعوة للانتفاض على قواعد اللعبة؟

حين يخوض ربيع الأبلق إضرابا مفتوحا عن الطعام دون ملف مطلبي مرتبط بشروط احتجازه، بل بنقطة مطلبية واحدة: الحرية، فهو ينتمي بذلك إلى هذا الأفق الجديد، الذي لم نستوعبه، يستوي في عدم الاستيعاب: الجهات الرسمية والطيف الحقوقي والسياسي.

حين تسأل ربيع الأبلق عمّا يريده من معركة الأمعاء الفارغة، يجيب في رمزية دالة: «أريد العودة سريعا إلى الريف، ومتيقن من العودة السريعة»، بمعنى العودة حرا، أو العودة شهيدا ليدفن هناك..

عاش ربيع تراجيديا مقتل صديقه كريم لشقر، وكان مرافقا له وشاهدا على تعرضه للضرب من قبل عناصر الأمن، مما يمكن أن يكون سببا في وفاته، كان ذلك قبل حراك الريف، فتشكل وعيه بميكانيزمات السلطة بعد هذا الاصطدام المأساوي، وأثناء عرض ربيع أمام القاضي بعد اعتقاله في ملف الحراك حكى أمورا خطيرة، كانت تتطلب فتح تحقيقات عاجلة، كحديثه الموثق بالأسماء والأماكن عن تورط رجل ينتمي إلى جهاز أمني في الضغط عليه من أجل توريط ناصر الزفزافي، عبر مده بأموال على أساس أنها قادمة من الخارج، وإلقاء القبض عليه متلبسا،، لقد قدم ربيع حتى الرقم الهاتفي لرجل الأمن هذا، وكذا رقم لوحة سيارته باعتبار أنه كان يزوره في محل إصلاح السيارات حيث كان يشتغل، كما صرح بالتهديدات التي توصل بها بسبب رفضه التعاون، وعن صنوف التعذيب التي تعرض لها منذ لحظة اعتقاله.

عبر الحوادث التالية تشكل وعي ربيع بالسلطة: معاينة مقتل صديق العمر من طرف رجال الأمن قبل الحراك، ومحاولة إرشائه لتوريط ناصر الزفزافي في جريمة تلقي أموال من الخارج للمس بأمن الدولة، والتعذيب في مخافر الشرطة، والمحاكمة الظالمة، وأخيرا نقض العهود التي قدمت بعد إضرابات عن الطعام متعددة.

هذا غيض من فيض لفهم سيكولوجية ربيع في رفضه لواقع الاحتجاز.. هذا الاحتجاز الذي، ربما، يدمره نفسيا ويرهقه ذهنيا، وما عاد يطيق التكيف معه.. هو يعتبر التكيف مع واقع الاعتقال تصالحا وقبولا بالظلم..

في السجن، سيطلع ربيع على تجربة المهاتما غاندي، والتي تعلق بها، ويطلب دائما كتبا عنه.. هو لا يقرأ عن غاندي فقط، بل يتمثله، يعيش في جلبابه.. طبعا بفهمه الخاص المنبثق من تجربته الخاصة.. لذلك أصبح مسكونا بفكرة أن الموت يمكن أن تكون بداية حياة للآخرين..

وختاما، لن أمل من الدعوة إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، فما ينتظر البلد من تحديات وسط محيط إقليمي مضطرب، لا يسمح البتة بالتأخر في انفراج حقوقي وسياسي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي