عبد الإله الحمدوشي يكتب: كن نحلة ولا تكن ذبابة!

28 نوفمبر 2019 - 10:58

ما نعيشه في السنوات الأخيرة من استهداف إعلامي وسياسي، لمؤسسات وتنظيمات وشخصيات وطنية بارزة، عنطريق نشر الإشاعة حولهم، وفبركة صورهم، وكتابة المقالات المعنونة بالأسئلة والشكوك، يُظهر لنا بجلاء كيف أنالإعلام المهني اليوم، أصبح ضرورة وجودية لا بد منها، للوقوف في وجه «تسونامي» الإعلام المُغالِط والمتنوع، فيعالم لا ينقل الواقع كما هو، بل ينقل صناعة الواقع فحسب.. الصناعة التي تتقنها أجهزة «إعلامية» توجه رغباتالمواطنين، وتعيد صياغة أفكارهم وتغيير زوايا نظرهم حول قضايا راهنة، أو صناعة قضايا أخرى، ليست بالضرورةموجودة على أرض الواقع، ثم الانتصار لها بالكلمات والصور.

الإعلام اليوم، لم يعد فقط سلطة رابعة، بعد السلط: التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل يمكن القول، إن الإعلامأصبح ذراعا من أذرع سلطة خامسة تسمى «الإشاعة»، التي هي حالة غير بريئة، تنبني على خطط معدة مسبقة،وبشكل متقن، وباحترافية عالية جدا، تقوم بصياغتها جهات لها أهداف معينة، لخلق واقع جديد، يصب في مصلحتهافي النهاية.

ويمكن للمتابع الذكي، أن يلحظ بالعين المجردة عدد الصفحات «الفيسبوكية» الممولة، التي تروج لنفس الفكرة،ولنفس «الخبر الكاذب»، مرفوقا بسيل جارف من التعليقات الصادرة عن حسابات «الذباب الإلكتروني»، الحديثةالإنشاء، والمجهولة هوية أصحابها، والتي تحظى برعاية مواقع إلكترونية مشبوهة ومشهورة، باختصاصها الذائعالصيت في صناعة الفضائح، والاتهام الأخلاقي للشخصيات الوطنية المزعجة.

مثلا، نجد أن عدد الصفحات «الفيسبوكية»، والمواقع الإلكترونية، والقنوات على موقع «يوتوب»، المجندة لاستهدافالحقوقيين البارزين، والصحافيين المزعجين، تناسلت حتى أصبحت بالمئات، بل قل بالآلاف. ولنا أن نتذكر ما تعرضله الصحافي توفيق بوعشرين من انتهاك لقرينة البراءة خلال فترة اعتقاله ومحاكمته، حيث لم تدخر مجموعة من«الأبواق» جهدا في التشهير به، و»إدانته» بما نُسب إليه من تهم «غريبة»، حتى قبل أن يقول القضاء كلمته فيالملف، في أولى مراحل التقاضي.

الأمر عينه طالولازالالدكتور عبدالعلي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، المتابع في قضيةوفاة طالب يساري بجامعة فاس قبل ربع قرن من الزمن، بحيث لا تكاد تنتهي من قراءة «أكذوبة» حول الموضوع،حتى تواجه بـ»خيالات» أوسع لكتاب مقالات تحت الطلب.

التشهير بالسياسية البارزة آمنة ماء العينين.. بالصحافية هاجر الريسوني.. مهاجمة الصحافي سليمانالريسوني.. وغيرهم من الحقوقيين والسياسيين والصحافيين كثير.

كل هذا، الغرض منه أولا وأخيرا، هو «الاغتيال الرمزي» لهذه الشخصيات، وزعزعة ثقة المواطنين فيها، وفيمصداقيتها، مع العمل على إعادة تشكيل وعي الناس بما يتناسب وصناعة الواقع المراد فرضه، عن طريق استخدامالإشاعة والنكات، و»الفوطوشوب»، أو استخدام ماضي الأشخاص، وفبركة دراسات وتقارير وصور، والتلاعب فيترجمة مقاطع فيديو في بعض الأحيان لبتر الحقائق.

ومنه، فقد صار واجبا اليوم، على كل إنسان يتمتع بعافية نفسية، أن لا يساهم في نشر الإشاعة الرخيصة، من أجلتشويه سمعة الآخر مهما كانت الظروف، ومهما كانت الملابسات، ومهما كان حجم الاختلاف، فحبل الإشاعة والبهتانقصير، حتى وإن ساهمتأتحدث عن الإشاعةفي تشكيل رؤى محدودة في لحظات حقد إيديولوجي، لأنه عاجلا أمآجلا، ستنتهي الإشاعة بعد أن تفتر همّة مرويجها، وسيكون حصادها الحسرة والندم والخسران.

ختاما، يقول الكاتب السوداني ياسر محمد محمود البشر، في مقال له بعنوان: «الجندي الخفي»: «لن تقنع الذباببأن الزهر أفضل من القاذورات، وبأن النظر إلى الأشياء بعين النحل ليس من طباع الذباب، فالنحلة تمتص الرحيق،وتقدم عسلا سائغا شرابه، فيه شفاء للناس وراحة للأنفس، أما الذباب، فإنه يعرف أين يعيش، ومن أين يستمد قوةتواجده، والفرق ما بين الذبابة والنحلة، كالفرق ما بين الحقيقة والإشاعة، والنفوس الكبيرة هي التي لا تلتفت كثيراللشائعات».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي