منير أبو المعالي يكتب: يسار كئيب

26 ديسمبر 2019 - 18:00

«اليسار تاريخ من الإخفاق»، كما كتب Enzo Traverso، وهو مُدرس مرموق، في مؤلفه «كآبة اليسار». وقد أضاف بسخرية: «حتى عندما تمكن الثوار من الإطاحة بالسلطاتالقائمة، كانت الأمور تسير دائمًا بشكل سيئولهذا السبب، فإن الكآبة بُعد أساسي في الثقافة اليسارية».

لا يشطب اليسار على ذاكرته، كما ينبغي عليه أن يفعل. فهو مازال مؤمنا بأن عليه أن يستفيد من قوته الكامنة، وهي قوة لإعادة ابتكار نفسه. كيف يفعل ذلك؟ بعدم التخلص منعقده.

دعونا لا نتحدث بشكل عام، ولننظر إلى اليساريين المغاربة؛ لا يريد اليسار أن يعترف بأن إخفاقه الرئيس يتجلى في فشل خططه في الإطاحة بنظام الحكم. حميد برادة قدمشهادة صلبة حول الأيادي الممدودة بين اليساريين المتلهفين إلى الحكم، والعسكريين القساة. كانت دعوته بسيطة: على اليسار أن يعترف بما فعل. ماذا لقي؟ التهمة الجاهزة عندأدعياء اليسار دوما: «اشنقوا هذا الوغد فهو عميل»! لا يحب اليساريون المغاربة حكايات الفشل، حتى وإن كانوا عاجزين عن تقديم قصة نجاح واحدة.

لقد صدق سفير تونس سابقافي المغرب، صالح البكاري، حينما قال إن عبد الرحمان اليوسفي لم يكن يتجرأ على رفع بصره إلى أحد، وعندما فعل ذلك، أغلق ثلاث صحف دفعة واحدة. تلك الصحف نفسها لم ترتكب مخالفة سوى منح الجمهور شهادة رجل شارك في صنع تاريخ اليسار بشأن تلك «الأيادي الممدودة».

في الواقع، فإن من الصعب تحديد ما إن كانت ستحدث خسائر إن جرى الإقرار بأن سياسيا مثل المهدي بنبركة كان مهيأ لقبول خطة للعسكريين للإطاحة بنظام الحكم. مر نصفقرن على ذلك، ويكاد الشهود ينقرضون. لكن اليسار لن يقبل بذلك.

بدلا عن ذلك، يصنع لنا اليساريون تاريخا منحرفا؛ أبطال بمجد، وآخرون دونه. وهم عادة لا يقولون الحقائق كما هي، لأن التضحية كانت هائلة، ويجب ألا تمُسها شائبة. لا ضير،إذن، في أن تُختم قوائم الرجال بطابع المقدس. بالنسبة إلى اليساريين، فإن من اليسير أن يقال إن الملك الحسن الثاني كان ديكتاتورا، وفقا لتحليل الوقائع كما يرسمونه هم. فهم،بشكل محدد، يكتبون التاريخ القابل للتصديق، في مواجهة التاريخ المزور. معركة إيديولوجية لا يربح فيها أي شيء جيل بالكامل ليست لمستقبله صلة بتلك «الحرب».

لم يكتب المهدي بنبركة أي مذكرات. فقد غدر به قتلة مأجورون في باريس. ولم يخط عمر بنجلون كتابا حول ذاكرته، لأن قتلة هواة اعترضوا طريقه. لم يكتب اليساريونأو على الأقلأولئك الذين كانت لديهم القوة الرئيسةشيئا وهم في حالة حرب. لم يفعلوا ذلك إلا بعدما أبرم اتفاق الهدنة، وأكل الجميع تقريبا من الموائد. ما الذي حصلنا عليه؟ دفاتر ذكريات. لجأعبد الرحمان اليوسفي إلى تقنية «الكاتب الشبح» في مؤلف «التناوب الديمقراطي المجهض»، وترك لصحافي اسمه محمد الطائع عبء الإثبات. في هذا الكتاب، نشعر بحنقسياسي يساري لم تتركه البيروقراطية يعمل. لكن، وبعد بضع سنين، عاد اليوسفي إلى وضعه الطبيعي في سرد التاريخ، وقدم شهادة أخيرة. ماذا تتضمن؟ لا شيء بالطبع. لا يحب اليساريون قول الأسرار علانية.

عبد الواحد الراضي، مثلا، وهو سياسي يساري مخضرم، كتب مجلدين سميكين بالكاد تستطيع التمييز بين كونهما تأريخا لمسار سياسي متقلب، وبين أن صدورهما ليس سوى شهادة تصديق على عمل أقدم نائب في البرلمان بالمغرب. أراد محمد اليازغي، أيضا، أن يقول أشياء مثيرة للاهتمام، لكن الحقيقة، على ما يبدو، يجبأن تكون أكثر تنميقا. وحتى اليساريون الذين لم يأكلوا من المائدة، يحدث فجأة أن يفقدوا الذاكرة. محمد بنسعيد آيت إيدر، الذي قاد جناحا مسلحا في حرب التحرير، قرر أن يبقي تركيزه أكثر على تلك المرحلة. ليس هناك داع لإزعاج أحد مازال حيا. هل كنا ضحايا عملية منتظمة للتضليل؟ إلى حد ما نعم.

في الحالة المغربية، لم يكتب المنتصرون تاريخا، لا، بل كتبه المتخاذلون، وهم يطلبون منا ألا نفرض عليهم قول الحقيقة. وإذا حدث أن لمح أحد إلى وقائع مربكة، فإن المشانق تعلق دوناستحياء. ليس هناك شك في أن اليسار المغربي يشعر بالكآبة، وهو يعرف أن الناس، وقد تفرقوا من حوله، لم يفعلوا ذلك لأن تاريخه «مشين»، كلا. ما حدث لليسار، بشكل عام في1997، هو ما كان سيحدث قبل 50 عاما؛ أعطونا حكومة، نعطيكم كل شيء آخر. لم نقرأ في كتب النظام شيئا عن «المؤامرات»، ولم نطلع في مذكرات اليساريين على شيء يوحيبالتآمر. لقد تلاعب اليسار بجماهيره، وعليه أن يحصد الخيبات.

لم يحدد لنا اليسار يوما من هو العدو، لكنه سعى مرارا إلى اغتيال الملك. يقول برادة: «لم يكن الحسن الثاني ديكتاتورا، بل سعينا إلى ضربه فضربنا». يكره اليساريون مفردةواحدة في تاريخهم السياسي: المؤامرة. تجعلهم هذه الكلمة مثل قتلة محترفين لكنهم مكشوفون. لم يسأل اليسار جمهوره: هل كان يرغب في تنحية الملك؟ وما نفع ذلك؟ هناك من يفكربدل الجماهير. لقد ألصقت بالفقيه البصري كل الآثام، فهو التغطية المناسبة لكل الإخفاقات. كم هو سهل أن تفعل ذلك إزاء شخص واحد معزول عن بلاده.

في الواقع، يُكتب التاريخ السياسي للبلاد بالنسيان، والتجزيء، والتواطؤ. الحقيقة يجب أن تظل حبيسة النفوس، فالحرب لم تضع أوزارها بعد، كما يتخيل يساريون حالمون.6

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

الدكتور الحسن المريني ـ باريز منذ 4 سنوات

في انتظار كتاب مذكرات بن كيران ..و أنا أقترح عليه العنوان التالي " ماذا تفعل ب100 مليون سنتيم في سنة لم تتعب في جمعها"

التالي