«J’accuse» «إني أتهم»

29 ديسمبر 2019 - 07:00

اختار المخرج البولوني/الفرنسي، رومان بولانسكي، المحاصر بتهمتي التحرش والاغتصاب، في عمله السينمائيالأخير الموسوم بـ«إني أتهم»، أن يستعيد فضيحة محاكمة «ألفريد دريفوس». ينطلق الفيلم من مقالة الكاتبالفرنسي «إميل زولا»، لكنه يغوص في ثنايا القضية التي أثارت جدلا واسعا في فرنسا أواخر القرن التاسع عشر.

«إني أتهم» هو عنوان الفيلم الأخير للمخرج المشهور «رومان بولانسكي». ورغم أن الفيلم يتعرض لقضية جوهريةفي تاريخ القضاء الفرنسي، تلك المتعلقة بمحاكمة «ألفريد دريفوس»، فإنه لا يلقى الترحيب الذي تعامل به جمهورالمشاهدين مع أفلامه السابقة. ذلك أن الفيلم يواجه معارضة جمعيات نسائية تطالب بمنع عرضه في القاعاتالسينمائية، سعيا منها إلى الضغط من أجل البت في اتهامات الاغتصاب التي توجهها إليه الممثلة والمصورةالفرنسية «فالنتين مونيي».

وموازاة مع عرض الفيلم، أسست جمعية أطلق عليها اسم «إني أتهم بولانسكي»، حيث أخذت على عاتقها الضغطعلى «أكاديمية سيزار»، بل صارت تتهمها بالتواطؤ مع المخرج. في هذا السياق، أصدرت عريضة تحمل أكثر من4000 توقيع، تطالب بمنع الفيلم من العرض. إذ جاء في هذه العريضة ما يلي: «آن الأوان أن تسألوا أنفسكم عنالجهة التاريخية التي ستقفون إلى جانبها؟»، وقد تجاوبت العديد من الجهات مع مضامين هذه العريضة، حيث ألغتمدن «بواتيي» و«رين» و«مونبوليي» والعديد من مدن منطقة «سين سان دوني» عروض الفيلم، خلال الفترةالممتدة بين 11 و17 دجنبر الجاري. غير أن هذا لم يحل دون أن يواصل القائمون على الفيلم عروضه في القاعاتالسينمائية، ناهيك عن أن الأكاديمية المذكورة ستعلن، يوم 9 يناير المقبل، لائحة المهرجانات التي سيشارك فيها خلالالسنة المقبلة.

في المقابل، يستعيد هذا الفيلم القصة التاريخية التي شهدتها فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر، تلك المتعلقةبمحاكمة اليهودي «ألفريد دريفوس». إذ ينطلق هذا العمل من رسالة الكاتب الروائي الفرنسي «إميل زولا» الموسومة بـ«إني أتهم»، التي نشرتها اليومية الباريسية «لورور»، موجهة إلى الرئيس الفرنسي آنذاك «فيليكسفاور». وكانت هذه القضية تقسم فرنسا إلى قطبين متواجهين، بعدما فشلت العدالة الفرنسية في إنصاف المتهماليهودي «ألفريد دريفوس»، الذي كان ضابطا في الجيش الفرنسي.

وقد حرر الروائي «روبرت هاريس» سيناريو فيلم «أنا أتهم»، فيما يلعب دور البطولة فيه الممثل «لويس غاريل» فيدور دريفوس، وجان دوجاردين الحائز جائزة الأوسكار في دور العقيد بيكوارت، رئيس الاستخبارات الذي قاد محاولةالعثور على الجاني الحقيقي. إذ يقدم الفيلم الضابط دريفوس باعتباره شخصا مؤمنا بعدالة قضيته، حيث ظلمصرا على براءته. وانطلاقا من هذا الإيمان، ستعمل عائلته وأصدقاؤه، في سنة 1896، على تجنيد شخصياتمرموقة من عالم الفكر والأدب في فرنسا للمطالبة بإعادة محاكمته، من أمثال «إميل زولا» و«مارسيل بروست» و«أناتول فرانس» و«ليون بلوم» و«لوسيان هير». وقد مثل دريفوس أمام أنظار محاكمة أخرى سنة 1899، فأدينمرة ثانية بالسجن مدة عشر سنوات، قضى منها عدة أيام فقط، حيث أفرج عنه بعفو من الرئيس «إميل لوبي».

من خلال هذه القصة المعروفة، يسعى الفيلم إلى الانتصار لقيم العدالة والنزاهة، والتنديد بتهم الشك والتنكيلوالأحكام المسبقة. هكذا، فالفيلم يدين، في المقام الأول، فساد المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الفرنسية. يظهر هذاالأمر منذ المشاهد الأولى، التي تقودنا عبر أروقة الاستخبارات العسكرية الفرنسية، كما تفهم إيحاء من خلال الرائحةالكريهة المنبعثة من المجارير القريبة من مبناها، والتي تزكم الأنوف وتخنق الأنفاس. فضلا عن ذلك، اعتبر كثير منالنقاد السينمائيين أن بولانسكي لم ينظر إلى قضية تاريخية فحسب، وإنما إلى الحاضر، إلى العسف والخرق الذييمارس في استعمال المعلومات الخاصة ضد الأشخاص، وإلى الفساد الذي ينخر اليوم عظام الجيشوالاستخبارات، انطلاقا من دور «بيكار» (دوجاردان)، الذي اعتبر أحد أفضل أدواره منذ دوره في فيلم «الفنان» سنة 2011. فالأدلة التي جمعتها الاستخبارات عن دريفوس لا تزيد على قصاصات ممزقة من خطابات بخط اليد،بخط قد يشبه خطه، لكنه قد يشبه عشرات الخطوط الأخرى. وجرى إلصاق التهمة بدريفوس لأن اتهامه يوافق هوىأحدهم، ويوائم انحيازات البعض. جدير بالإشارة إلى أن الفيلم يعيد إلى الأذهان الفساد المؤسساتي الذي عالجهالمخرج نفسه في فيلمه السابق الموسوم بـ«تشاينا تاون» (1975).

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي