إسماعيل حمودي يكتب: أبعد من الانتقام

10 يناير 2020 - 18:00

بين إيران وأمريكا من المستبعد أن تحدث حرب مباشرة، إلا نتيجة خطأ من أحد الطرفين، أو بتدخل من طرف ثالث. كلاهما معروف بحساباته العقلانية الدقيقة، كما أن وضعهما، معا، لا يسمح بأية حرب شاملة. 

يواجه ترامب محاكمة تطعن في شرعيته، وهي وضعية شجعت الديمقراطيين على التحرك لتقييد يده عن اتخاذ أي قرار بشأن الحرب. أما النظام الإيراني، فهو محاصر اقتصاديا وسياسيا، ويواجه ضغطا شعبيا جراء العقوبات الاقتصادية، ما يجعله يشعر بالاختناق، ويتصرف بانفعال تجاه الطرف الأضعف. 

الدليل على ذلك مئات القتلى من مواطنيه خلال احتجاجات غلاء الأسعار، واحتضان صريح لخيار العنف والقمع في العراق ضد الاحتجاجات الرافضة للطائفية، كما نلحظ ذلك في الاستفزازات المتزايدة ضد الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، وضد دول المنطقة. لكن عقل النظام الإيراني يدرك تماما أن أي مغامرة بالحرب ضد أمريكا ستكون سببا في نهايته.

ما الذي وقع حتى قررت أمريكا قتل سليماني؟ المعلومات التي برّرت قرار القتل وتنفيذه فجر 4 يناير 2020 ضئيلة حتى الآن، مقابل كثرة التحليلات والتأويلات. لكن ما هو متاح، حتى الآن، أن مناوشات حصلت بين الطرفين فوق أرض العراق (الهجوم على قاعدة أمريكية، قتل مقاول أمريكي/عراقي، محاصرة السفارة الأمريكية وحرقها، وقصف أمريكا مواقع حزب الله العراقي ثم قتلها الجنرال سليماني…)، في ضربات متبادلة، لكنها موجعة أكثر للطرف الإيراني، وهي مناوشات رافقت خطابا سياسيا إيرانيا يدفع في اتجاه إخراج أمريكا من العراق، أو تقليص وجودها العسكري فيه إلى الحد الذي لا يعيق النفوذ الإيراني وتمدده في المنطقة.

أمريكا، من جهتها، تتحدث عن «مهمة غير دبلوماسية»، على حد قول وزير خارجيتها بومبيو، جاء من أجلها سليماني إلى العراق، وتشير كذلك إلى أنه كان المسؤول الأول عن محاصرة المليشيات المسلحة الشيعية الموالية لإيران السفارة الأمريكية في بغداد وحرق جوانب منها، وأنها قتلت سليماني دفاعا عن النفس (المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة)، لكنها لم تفصح عن المعلومات التي دفعتها إلى تنفيذ قرار قتل سليماني، وما إذا هذا الأخير كان بصدد التحضير لخطوة أعنف ضد المصالح الأمريكية فعلا، أم إن تنفيذ قرار القتل كان مجرد ردع أمريكي للتغول الإيراني في العراق والمنطقة، من خلال قطع اليد التي يبطش بها، أي سليماني.

ما يمكن استنتاجه، من خلال مؤشرات التغول الإيراني في العراق والمنطقة، وجرأة المليشيات المسلحة على الدولة العراقية الهشة، وعلى دول الجوار، فرضيتان؛ الأولى، تحاجج بأن إيران ربما أساءت تقدير وضعية ترامب، واعتقدت أنه رئيس ضعيف ومحاصر من لدن الديمقراطيين الذين يسعون إلى الإطاحة به، ونسيت أن هناك مؤسسات في أمريكا معنية بحماية مصالحها الاستراتيجية في أي منطقة في العالم، ولعل تلك هي الرسالة الأساسية التي وجهها ترامب في خطابه أول أمس، محاطا بالعسكريين والأمنيين. 

تفيد القراءة الثانية بأن مناوشات إيران، من خلال مليشياتها في العراق وسوريا، تعكس حالة الاختناق التي وصلت إليها، جرّاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وأن ضرباتها هنا وهناك الغرض منها إيذاء أمريكا دون الدخول معها في حرب، بغرض جرّها إلى التفاوض، وفق شروط تخفف من وطأة العقوبات على الشعب الإيراني، وتضمن استمرارية النظام الملالي هناك. بمعنى آخر، فإن عقوبات «الحد الأقصى» تحقق نتائج فعلية، وهو ما رجحه خطاب ترامب قبل يومين، بتأكيده استمرار العقوبات والرفع منها.

من الآن فصاعدا سيكون الرهان على سلاح الوقت؛ بالنسبة إلى إيران ستحاول إلحاق الأذى دون الوصول إلى حرب مع أمريكا، غايتها من ذلك مزيد من إضعاف ترامب، حتى لا يُنتخب رئيسا لأمريكا لولاية ثانية، لكنها تعلم الآن، بمقتل سليماني، أن المبالغة في الأذى يمكن أن تكلفها غاليا، أما ترامب فهو يريد «مفاوضات جادة» تمنحه ورقة رابحة يعضد بها سباقه الانتخابي، ويعزز من خلالها النفوذ الأمريكي في المنطقة في مواجهة القوى الأخرى، وأساسا روسيا والصين. وهو هدف يضع إيران في مأزق أمام شعبها ومليشياتها المسلحة، وأمام وظيفتها الطائفية في المنطقة. 

يبقى القول إن الغائب الأكبر هم العرب. لقد مرّ أسبوع على قتل سليماني في العراق، ولم نسمع ركزا لأي من الدول المسماة عربية، ولا لجامعتهم المسلوبة، التي لم نسمع منها ولو الدعوة إلى اجتماع استعراضي للتضامن مع العراق، هذا البلد الذي قيل لنا ونحن صغار إنه بوابة الأمة العصية أمام الفارسي، ورأينا ونحن كبار كيف سلموا البوابة نفسها بكل مفاتيحها إلى هذا الفارسي ليحرسها منهم. كان الله في عون العراق.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي