عبد الحق بلشكر يكتب: تمثلات المغاربة حول الفساد

28 يناير 2020 - 18:00

ضمن استطلاعها حول الفساد في المغرب، سألت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة «ترنسبارنسي»، مواطنين مغاربة، عن رأيهم في جهود الحكومة لمحاربة الفساد، فكان جواب 74 في المائة من المستجوبين أن الحكومة تقوم بـ«عمل سيئ» في هذا المجال. هذه النتيجة الصادمة تجعلنا أمام مفارقة، فالحكومة تقول إنها تتخذ إجراءات لمحاربة الفساد والرشوة، لكن المواطنين لا يشعرون بأثر ذلك في حياتهم اليومية، وفي علاقتهم مع الإدارة والمؤسسات، ولا تغير تمثلاتهم وتصوراتهم عن الفساد المستشري. الحكومة تقول إنها وضعت استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد منذ 2015، وتمكن الخط الأخضر للتبليغ عن الرشوة، الذي تدبره النيابة العامة، من اعتقال العديد من المسؤولين، وأطلقت الحكومة خطة لرقمنة الإدارة لتسهيل الحصول على الوثائق والحد من الرشوة، لكن، مع ذلك، فإن المواطن المغربي لا يشعر بأثر ذلك، بل إن 53 في المائة من المغاربة يعتقدون أن الفساد عرف ارتفاعاً خلال الاثني عشر شهرا الماضية. فكلما اتخذت الحكومة إجراءات لمحاربة الفساد، ازداد شعور الناس بارتفاع منسوب الفساد.. يا لها من مفارقة عجيبة. فأين يكمن المشكل إذن؟ هذا السؤال مطروح بحدة. قد يقول البعض إن المغاربة عدميون، لا يشعرون بجهود بلادهم في مجال دعم الشفافية ومحاربة الرشوة والفساد، ويتجاهلون النظر إلى مختلف الإجراءات الإيجابية في مجال دعم الشفافية، لأن النظرة التشاؤمية تتملكهم في كل شيء، على حد قول الشاعر إيليا أبوماضي: «ويرى الشوك في الورود ويعمى أن يرى فوقها الندى إكليلا». قد يكون هناك شيء من ذلك، يمكن تفسيره بالقلق العام السائد وانعدام الثقة في الإصلاحات وفي المؤسسات، لكن جهود الحكومة أيضا تبقى سطحية، ولا تعالج إشكالية الفساد والرشوة بما ينبغي من الحزم والانسجام، وبما يجعل المواطنين يشعرون فعلا بأن هناك تغييرا حقيقيا. مؤشر إدراك الرشوة، الذي تعتمده ترنسبارنسي، لا يهتم بإجراءات الحكومة، بل يركز فقط على تمثلات الناس، فالمواطن الذي يذهب إلى المستشفى العمومي أو إلى الإدارة أو أي مرفق لقضاء مصالحه، تتكون لديه صورة عن مدى الشفافية في المرفق، وقد صرح 53 في المائة من المستجوبين بأنهم اضطروا إلى إعطاء رشوة لقضاء أغراضهم. صحيح أن الحكومة تتخذ إجراءات، لكن أثرها يبقى محدودا على أرض الواقع، وهذا هو المشكل. لنأخذ، مثلا، قرار الحكومة السابقة إلزام الإدارة بإعلان مباريات التوظيف العمومي عبر موقع إلكتروني، واحترام مسطرة الترشيحات. فهذا إجراء إيجابي، بلا شك، لكن هل يضمن شفافية المباريات؟ سمعت من خريجين يتقدمون للمباريات أنهم يعتقدون أن نسبة مهمة من المناصب محسومة لمن يدفعون مبالغ مالية باهظة أو للعلاقات الزبونية. الأمر نفسه يقال بخصوص الإجراءات المتخذة لضمان شفافية الصفقات العمومية، فهل هي كافية لمنع التلاعبات ووضع دفاتر تحملات على المقاس؟ وإذا انتقلنا إلى النقاش العمومي حول محاربة الفساد والرشوة، فإننا نلاحظ أنه يبعث رسائل سلبية إلى المواطن. ما معنى أن تقوم أحزاب بدفع أشخاص فاسدين إلى الواجهة ليتحدثوا عن محاربة الفساد تارة، ويدبروا مؤسسات منتخبة تارة أخرى؟ وما هي الرسائل التي يرسلها البرلمان إلى المواطن حين يتوجس من جريمة «الإثراء غير المشروع» التي أتى بها مشروع القانون الجنائي؟ ألا يعزز ذلك تمثلات الناس السلبية عن البرلمان ودوره في محاربة الفساد؟

حسب استطلاع «ترنسبارنسي»، فإن غالبية المؤسسات سجلت مُعدلات مرتفعة في ما يخص الفساد، ففي 2015، كان 36 في المائة فقط من المواطنين يرون أن الفساد منتشر في البرلمان، لكن، في 2019، ارتفعت النسبة إلى 41 في المائة. وبخصوص رئاسة الحكومة، انتقلت نسبة الذين يرون أن هناك فسادا فيها من 20 في المائة إلى 39 في المائة، خلال الفترة نفسها. هذه النتائج السلبية تكشف أن إجراءات وخطط الحكومة غير كافية وحدها لمحاربة الفساد، في غياب إرادة سياسية حقيقية لتعزيز الشفافية واستعادة ثقة المواطن.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي