عيد الحب .. عيدنا الجديد

15 فبراير 2020 - 23:00

مع قدوم شهر فبراير من كل سنة، تقرع أجراس الاحتفال حول العالم، وتلوَّن الواجهات التجارية بالأحمر، فيما تتسابق الماركات والمحلات والمواقع الإلكترونية للإعلان عن تخفيضات مغرية وغير مسبوقة في سبيل « الحب »؛ مشهد مألوف قد لا نحتاج وصفه كثيرا، فالمغرب واحد من الدول حيث تشيع هذه المظاهر.

هنا الرباط، حيثما وليت وجهك في العاصمة، يأسرك اللون الأحمر والقلوب المرسومة بعناية، لا يمكنك على أية حال أن تنسى أو حتى أن تحاول تناسي هذا الموعد الأممي الهام جدا، نعم لعيد الحب، أو « السان فالنتياين » الذي يصادف الـ 14 فبراير من كل سنة، هبة كبيرة، فهو العيد الذي بدأ الاحتفال به لأول مرة منذ منتصف القرن التاسع عشر، حينما حوَّل التجار الأمريكيون تقليداً دينياً شعبياً يحيي ذكرى القديس فالنتاين إلى حدث معاصر يتجند الجميع له للاحتفال كاحتفالهم برأس السنة الميلادية أو النويل أو غيرها من الأعياد، التي نزحت إلينا من غرب المملكة قبل سنوات قليلة.

هل تطبع المغاربة مع عيد الحب؟ كان هذا هو السؤال الذي انطلقت منه « أخبار اليوم » في إنجازها هذا الربورتاج الذي بدأ بجولة في شارع محمد الخامس القلب النابض للعاصمة، حيث تتوزع بعض المحلات التجارية التي بدأت سلفا في عرض منتجاتها الخاصة بـ »عيد الحب » مع تخفيضات كبيرة وعروض مغرية جدا تهم العطور والشوكولا والملابس، وحتى الدببة الصغيرة الحمراء التي تخلت عن براءتها الطفولية، لتصير واحدة من أهم رموز هذا العيد إرضاء للأطفال الكبار البالغين.

ورود ودببة

تعتبر الشوكولا من رموز عيد الحب الأساسية والمرتبطة أبديا بالعشق، ولا بد أن هذه الاعتبارات تسربت إلينا عن هنود المايا الذين يعتبرونها « طعام آلهة الحب »، فيما تقول الثقافة الأمريكية واللاتينية إن « من يحبك حبا صادقا يقدم لك الشوكولا »، وهذه العبارة الشهيرة التي تتفق معها سناء، صاحبة محل الشوكولا في العاصمة.

تقول سناء، وهي ترينا ما حضرته من صناديق الشوكولا التي تتراوح أثمنتها ما بين درهم و130 فما فوق والتي اتخذت القلب شكلا لها من كافة الأحجام، إن محلها يعرف إقبالا كبيرا من طرف المغاربة بمناسبة عيد الحب، على اعتبار أن « الشوكولا هي من الهدايا الأكثر تداولا، والأعمق تعبيرا عن المشاعر التي تختلج الإنسان »، مشيرة إلى أن زبناءها عادة يكونون من مختلف الأعمار ليس فقط الشباب، وإنما أيضا رجال ونساء بالغون في العمر، فـ »الجميع في حاجة للتعبير عن الحب وفي أي وقت »، تقول سناء.

خلال حديثنا الطريف مع سناء ليلة الاحتفال بـ »السان فالنتان »، توافد إلى محلها عشرات الزبائن الذين طلبوا بشكل خاص « شوكولا سوداء على شكل قلب أو تمر بالشوكولا »، ومن بينهم الحاج أحمد الذي أخد علبة متوسطة بعناية كبيرة من أجل زوجته.

يقول الرجل الأربعيني ممازحا، « هذه هدية لزوجتي أمينة وسأرفقها أكيد بورود حمراء أيضا، أنتم النساء تحبون هذه الأمور، تأمرون ونحن ننفذ »، مضيفا: « ابنتي البعيدة تترصدني عبر الهاتف وتلزمني كل سنة بإحضار شوكولا التمر والشوكولا السوداء الممتازة لوالدتها في عيد ميلادها وعيد الحب ورأس السنة أيضا، وأنا لا أخلف الموعد أبدا، قد يبدو أننا كبرنا عن هذه التصرفات، لكن من يحب لا يشيخ وزوجتي تستحق الأفضل ».

الحاج أحمد وفي حديثه أكد لنا أن عادة الاحتفال بعيد الحب جلبها معه من فرنسا حيث كان يقيم رفقة زوجته في العشرية الأولى من زواجهما، ويراها الحاج الذي يشتغل في أحد أكشاك التحويلات المالية أنها « عادة محمودة لا ضرر ولا ضرار فيها، يجب على المجتمع كله أن يحتفل بها ولما لا أن تكون يوما وطنيا وعطلة مؤدى عنها في يوم من الأيام »، على حد تعبيره.

إلى جانب الشوكولا عرف الورد أيضا كرمز للحب والرومانسية على طول تاريخ البشر، ففي عهد الرومان ارتبط بالحب والتضحية، خاصة أن الوردة الحمراء كانت الوردة المفضلة لـ »فينوس »، رمز الحب والجمال، كما تناولت الأساطير أيضًا قصة الوردة الحمراء التي نبتت حين بكت « أفروديت » بعد مقتل عشيقها « أدونيس »، فامتزجت دموعها بدمه، وانبثقت من التراب وردة حمراء جميلة.. نعم إنها أساطير أكسبت الورد شعبية كبيرة توارثتها الأجيال إلى اليوم، لهذا انتقلنا إلى بائع هذه الأساطير « مارشي النوار »، حيث تستوقفك الروائح العطرة التي تنبعث من هذه الأكشاك الساحرة لبائعي الورود، وتأسرك مزهريات وباقات ورود جميلة منتظمة بشكل رائع..

« نحن على أتم استعداد لاستقبال عيد الحب، ففيه تروج الحركة قليلا، نبيع بشكل أوفر في هذه المناسبات سواء عيد الحب أو عيد المرأة.. فكما تعلمون نكون في حالة كساد ما بين شهر أكتوبر وفبراير، لهذا قمنا أيضا بخدمات أخرى للتوصيل المنزلي وغيرها هذه السنة، وكما تلاحظين حضرنا باقات جميلة ومتنوعة، بين الورود الحمراء، البيضاء، الأوركيد، وكل أنواع الورود والأزهار استعدادا للسان فالنتان »، يقول سعيد بائع الورود.

وبخصوص مدى إقبال المغاربة على اقتناء الورود في عيد الحب يقول سعيد: « الحقيقة أن هذه المناسبات التي ذكرتها بما فيها عيد الحب هي التي تحبب المغاربة في الورود، وتذكرهم بمارشي النوار، هم يحبون ونحن نحب أن يحب المغاربة ليشتروا الورود وننتفع نحن »، يقول سعيد ممازحا قبل أن يستدرك فورا: « زبناؤنا من كافة الأعمار والفئات الاجتماعية، منهم من يأتي بسيارة فارهة ويقتني باقات كبيرة، ومنهم من يأتي سائرا على قدميه ليقتني باقة صغيرة أو وردة واحدة حمراء، ومنهم أيضا من يتصل لنوصل باقة مرفوقة بكلمات حب أو اعتذار لزوجته أو خطيبته أو حبيبته، نحن كمرسول الحب في هذا العيد، وممتنون لذلك فاللهم كثر أعيادنا ».

الاستعدادات في المركز التجاري « الرباط سانتر »، ثاني أكبر مركز تجاري بالمغرب، على قدم وساق لاستقبال هذا العيد الأممي، الذي بدأت معالمه منذ أسبوعين على واجهات المحلات والمطاعم التي وحدت لونها للأحمر، في محل العطور التقينا حسام شاب في مقتبل العمر كان بصدد اقتناء واحدة من أزكى وأغلى العطور العالمية لخطيبته رواء، التي سيلتقيها في عشاء رومانسي هذا المساء، أي ليلة عيد الحب.

يقول حسام إن عيد الحب بالنسبة له موعد سنوي خاصا يقضيه مع حبيبته كل سنة، حيث يحجز طاولة في أحد المطاعم الفاخرة بحي الرياض التي تنظم حفلات رومانسية راقصة؛ « المطلوب في هذا العيد هو أن تفصح عن مشاعرك، أن تتهادى مع حبيبتك، أن تتمايلا على أنغام الموسيقى الهادئة، وقبل كل هذا أن تحجز طاولتك باكرا، لأنه يكون إقبال كبير على المطاعم والحانات والمحلات التي تحتفل بهذا اليوم، كل واحدة حسب برنامجها الذي حضرته »، يقول حسام مضيفا: « لا بأس بالاحتفال بعيد الحب فكم نحن في حاجة ماسة للحب، والتعبير عن الحب، والهتاف باسم الحب، في وقت العالم يسوده التكدر والقتل والبؤس، لا بأس في أن تتسرب إلى مجتمعنا هذه الثقافة ».

يقر حسام بأنها ثقافة غربية دخيلة على المجتمع المغربي، لكنها « محمودة وجيدة جدا، ووجب تشجيعها، فلا بأس أن يصدر لنا العالم الغربي شيئا من الإيجابية أو الكثير منها، الشباب المغربي رومانسي فعلا لكنه يهاب الحرج، يخاف أن يكون مادة للسخرية بسبب حبه، والحقيقة أن الجميع في حاجة ماسة للحب، لا عيب في ذلك أبدا ».

من جهته قال كمال، وهو صديق حسام الذي رافقه لاختيار الهدية المناسبة: « أنا شخصيا أحتفل مع صديقتي وأيضا مع والدتي، حتى إنني اقتنيت هديتين؛ الأولى لحبيبتي والثانية لأمي الحبيبة، ليس المهم من نحب بل الأهم أن نقول أحبك حتى وإن لم يكن لفظا، فكما تعلمين من الصعب جدا أن يتلفظ المغربي بهذه الكلمة لأمه، تعودنا أن نكون خشنين، الثقافة التي يجب أن نتخلى عنها اليوم هي اعتبار الاعتراف بالحب طابو، أو ضعف أو حتى الاحتفال بالحب غريب، هو ليس بالغريب بل المستحب والواجب ».

بمقابل هذا الترحيب الذي يجده عيد الحب لدى فئة مهمة من المجتمع المغربي، توجد فئة أخرى لا تزال مؤمنة بأنه احتفال « دخيل على المجتمع، والقيم والثقافة المغربية، ولا يجوز الاحتفال به »، يقول أكرم الشاب العشريني في حديثه لـ »أخبار اليوم ».

الشاب الذي يعمل إطارا في أحد أبناك العاصمة، يعتبر « السان فالنتاين » من الناحية الشرعية « حرام لأنه مرتبط بعقيدة عند النصارى، ومجتمعنا للأسف بدأت قيمه تتلاشى، علما أن مظاهر الاحتفال من ورود وألوان وشوكولا وخروج مع الحبيبة وانتشار الفاحشة أمام الملأ لا تمت لتقاليدنا بصلة، لذلك يمكن اعتبار المشارك في الاحتفال بهذا اليوم آثم، هذا من الناحية الدينية التي يفترض أن تؤطر حياتنا كأفراد ومجتمع »، مضيفا: « ومن ناحية مجتمعية، أعتقد أن الحب أسمى من الاحتفال به في يوم واحد، ولا يجب أن يقتصر على الهدايا وما هو مادي، بل هو سلوك ومعاملات مؤطرة بتشريعات دينية وقيم مجتمعية تتنافى ومظاهر الاحتفال بهذا العيد ».

تحريم عيد الحب

موقف أكرم من عيد الحب ليس بالشاذ، ففي كل سنة يتجدد النقاش حول مدى مشروعية الاحتفال بهذا العيد، ليس فقط في المغرب بل أيضا على مستوى الدول العربية والإسلامية، ولعل آخر ما جاء في هذا الشق رأي أفتى به أحمد ممدوح، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، ردا على سؤال حكم الاحتفال بعيد الحب عندما اعتبر أنه: « لا مانع أبدا في الشرع أن يتفق الناس على أيام معينة يجعلونها خاصة لبعض المناسبات الاجتماعية طالما أنها لا تختلف مع الشريعة، مثل يوم تكريم الأم، فلا مانع منه، ولا مانع أن نتخذ يوما من الأيام كي يظهر كل شخص للآخر مشاعره نحوه وأنه يحبه »، مضيفا: » بعض الناس قد يعترض ويقول إن هذه المناسبات التي اعتاد الناس تحديدها للاحتفال ببعض الأمور الاجتماعية أصولها ليست إسلامية، وإنها من ابتكار غير المسلمين، وإن هذا من باب التشبه بغير المسلمين، وفي الحقيقة أن هذا الاعتراض ليس صحيحا؛ لأنه حتى يكون الإنسان متشبها لا بد عليه أن يقصد التشبه ».

إدريس الكنبوري: لا بأس في تطبيع المغاربة مع عيد الحب

موقف دار الإفتاء المفاجئ يتبناه أيضا إدريس الكنبوري الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، الذي أكد في تصريحه لـ »أخبار اليوم »، أنه لا يوجد إشكال في الاحتفال بهذه المناسبة، وإن كانت ليست عيدا، نظرا لما يحمله هذا المصطلح من مدلول خاص في المعجم العربي، والذي ينافي la fête بالفرنسية.

الكنبوري قال إن أي احتفال قادم من عند شعوب أخرى ويحمل قيما إيجابية « لا بأس في تطبيع مجتمعنا معه أو أن ننقله، على اعتبار أن العديد من المجتمعات الغربية الأخرى نقلت عنا أيضا احتفالات ومناسبات خاصة، وهذا يساهم في تقريب الثقافات بين الشعوب »، مضيفا « عيد الحب مناسبة مهمة طبعا لأنه حتى وإن لم يكن متوفرا، يجب علينا أن نخلقه لأن الظواهر الاجتماعية جميعها التي نعايشها أصبحت نقيضا لقيم الحب والعاطفة والإحساس بالآخرين ».

وأردف المتحدث: « الحب لا يمكن أن يقتصر فقط على شكله المراهق، وإنما هو حب الآخرين عموما، فقد كان منح الحب بشكل كبير في تاريخ الإسلام بدليل أن عمر بن الخطاب في إحدى المرات تكلم بخصوص ما تفعله قريش، فأجابهم اقتلوهم بالحب، بما معناه إذا عمل فيك أحدكم الشر رد عليه بالخير حتى يغلب خيرك شره، الحب تسامح وعطاء، ونحن في عصر ارتفعت فيه حالات الطلاق في المحاكم ويتم التستر عليها، وحتى المتزوجون في حالة صراع دائم ».

احمد متمسك: المغاربة يحتفلون من أجل التميز وتشدق الحداثة

أمام المعطيات السابقة، يؤكد احمد متمسك، الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع، على أن ظاهرة الاحتفال بعيد الحب ليست عامة، بل تقتصر على فئة مجتمعية معينة أعطت أهمية لهذا العيد ذي الأصول المسيحية، وإن كان في عمقه إيجابيا.

متمسك وفي حديثه لـ »أخبار اليوم » شدد على أن الشباب هم من ساعدوا بشكل كبير في بروز الظاهرة أكثر وتسربها إلى مجتمعنا عن طريق العولمة، مضيفا « بشكل عام لا يحتفل جميع المغاربة بعيد الحب، فقط نوع من الشباب الميسور ممن يتوفرون على مستوى فكري ومجتمعي معين، إلى جانب أن يكون ذا مدخول مادي نظرا لما يتطلب هذا الاحتفال من طقوس ».

وتساءل متمسك عن سبب احتفال المغارب بهذا العيد بالضبط؟ ليجيب مباشرة: « في مجتمعنا العلاقات التي تربط الناس ببعضها تلاشت خاصة في هذه الطبقات المجتمعية الميسورة، وبالتالي ولترميم هذه العلاقات خلقت طقوس أخرى كشأن عيد الحب، حيث يمارسون طقوس تبادل الهدايا والخروج للاحتفال في المطاعم والمقاهي، بما معناه أن العلاقات القديمة لم تعد وبالتالي هذه الفئات الاجتماعية أصبحت تبني علاقاتها على مستوى آخر، وتجعلها تعطي لهذه الطقوس قوة، بغرض تعزيز وتمتين العلاقات الجديدة التي ظهرت الآن ».

وما عزز هذا الاحتفال في المغرب أكثر، هو البعد التجاري لعيد الحب، عن طريق الماركوتينغ، الذي تنهجه المحلات التجارية والأسواق الكبرى والماركات العالمية التي أصبحت تنتظر هذا اليوم لتسوق لمنتوجاتها من أجل البيع ».

وأوضح السوسيولوجي في حديثه أن المغاربة اليوم يربطون عيد الحب بـ »الحداثة والرقي، ويحاولون من خلال الاحتفال الابتعاد عن النمطية، وهذا ما ساهم في تمركز هذا الاحتفال في المجتمع، إذ يحاولون تحقيق « التميز »، كما يقول السوسيولوجي الفرنسي الشهير « بوردير »، وهذا التميز المجتمعي أو بالمركز الاجتماعي، عن طريق طريقة الاحتفال في مطاعم فاخرة معينة أو تقديم هدايا من محلات معينة، أو طريقة اللباس وغيرها، متواجد فقط في بعض مدن المركز والمدن السياحية وليس في باقي المدن ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي