منير أبو المعالي يكتُب: TASK FORCE

19 مارس 2020 - 22:37

الكوارث فرصة نادرة لقياس مستوى حضارة الشعوب. لا شك في ذلك. وهي، أيضا، فرصة لتقييم السياسات العامة. في وضع منذر بالسوء مثل تفشي وباء كورونا، فإن ترك الحظ يلعب دوره، مثل شخص يلعب بالنار بالقرب من الوقود. ولقد كان الدفع بالسلطات الحكومية إلى واجهة التدبير الفوري لهذه الأزمة خطأ غير محتمل. لا يمتلك رئيس الحكومة شعبية كبيرة، وحكومته تنقصها المصداقية الضرورية لإقناع الناس بالإجراءات المتخذة، ولسوف يتحدث مرارا بطريقة تخلو من الدعم العلمي، فيما وزيره في الصحة تنقصه مهارة التواصل، تاركا مدير قسم الأوبئة يحاول وحيدا أن يظهر أن لا شيء يدعو إلى القلق، وهو يعرض الإحصائيات المتعلقة بالحالات القليلة المؤكدة للإصابة بـ«كورونا». وكما تقول العبارة السينمائية، عندما تسمع مسؤولا يخبركم بأن لا شيء يدعو إلى الهلع، فإن ذلك معناه أن تستعد للهرب.

وحتى وقت متأخر، كنت على ثقة بأن الناس يجب أن يحموا أنفسهم من عجز السلطات الحكومية قبل أي شيء آخر، لا أن ينصتوا إلى جمل الاطمئنان وهي تخلو من أي تناسق. لقد كتبت يوم 27 فبراير الفائت، ولم تكن هناك أي حالة إصابة بفيروس «كورونا» بالمغرب: «باطمئنان، يمكن القول إن السلطات الحكومية غير قادرة على تنفيذ أي خطة طوارئ صحية دون أن تستند إلى موارد الجيش. لا يستطيع وزير الصحة فعل أي شيء إضافي على كل حال، ويمكننا ببساطة أن نتفهم عجزه. إن ما يملكه من موارد ووسائل غير كافٍ لمعالجة حالة طوارئ في البلاد، ومستشفياته بالكاد تسع ضحايا حادث مروري كبير». لم تعجب هذه العبارة مسؤولين حكوميين لديهم حساسية مفرطة إزاء الانتقاص من أعمالهم، لكن الوقائع عصية على التغيير. وكما قلت آنذاك، من الواضح أن أي حالة طوارئ يجب ألا يترك أمر الاضطلاع بها لهذه السلطات. وعلى ما يبدو، فإن تحليل صحافي مراقب ليس مسألة شاردة.

إننا، في الوقت الحالي، في وضع مربك. لم يعد مدير قسم الأوبئة قادرا على التقدم وحيدا وعرض إحصائياته ونصائحه غير المسموعة، فيما رئيس الحكومة مازال متمسكا بالمزاعم غير المفيدة عن وضع ترتيبات «مرحلة جديدة» لمواجهة وباء قاس. لا تدار الكوارث بالتواصل السيئ، فهو يقود إلى مزيد من الإرباك. لذلك، من الضروري فهم -ثم تفهم- الكيفية التي تتحول بها كارثة من أزمة صحة إلى أزمة دولة. ورئيس الحكومة، وهو يظهر منتشيا ببضع مئات من الأسرّة المخصصة لمرضى كورونا في البلاد برمتها، هو، في حقيقة الأمر، يبدي جهلا بما قد تتحول إليه الأوضاع مستقبلا عندما توجه اللائمة بالدرجة الرئيسة إلى السلطات الحكومية، لا إلى سطوة الفيروس نفسه، في ما سيحدث من انزلاق.

كان من الضروري، إذن، أن يزاح رئيس الحكومة من الواجهة. ليست هناك مشكلة كبيرة على كل حال. وأن نطالب بالوقوف خلف السلطات هذه المرة، ليس معناه أن نمنح شيكا على بياض لطريقتها في إدارة الأزمة. إن العجز لا يمكن أن يدار بأشخاص عاجزين. ولكي نكون منصفين أكثر؛ إن النظام السياسي لهذه البلاد لديه ميراث ثقيل بشأن الكيفية التي يعمل بها في إدارة أزماته، ورئيس الدولة، كما هو الحال دوما، يقع عليه كل العبء.

لا يمكن الاستمرار في إدارة كارثة وشيكة برجل واحد برتبة متوسطة في النظام الوظيفي لوزارة الصحة، يقف في مواجهة رأي عام متشكك، ولا بوزير بالكاد يقف عاجزا وهو يتفحص أوراق طلبيات مستشفياته ناقصة التجهيز، ولا برئيس حكومة عادة ما يبدو عاجزا حتى قبل أن يفعل أي شيء.

يجب ألا نغفل النظر عن الحقيقة التاريخية لنظامنا السياسي. وعندما تحدث كارثة، فإن المطلوب من الناس هو التقيد بإجراءات راديكالية، ويجب أن يشعروا بالولاء لمصدرها أولا. لقد تُرك للسلطات الحكومية المجال لتدير بطريقتها مرحلة صفراء من الأزمة، وهي تتفاقم بشكل تدريجي وسريع أيضا، لكن، ليس بالوسع أن تُترك لتسقط رهينة لبيروقراطية واختلاط السلطات، وضحية لطبقات غير متجانسة لإنتاج السلطة وتوزيعها.

جلسة عمل الملك هي المهدئ البيروقراطي للأشخاص المتشككين في الصرامة المطلوبة في إدارة كارثة. المائدة المستديرة، وقد تحلق حولها كبار قادة الجيش والشرطة، تنطوي على التعريف الصحيح لمفهوم إدارة الأزمات.

إذا كنا في حاجة إلى تفادي سيناريو مماثل لما يحدث في أوروبا، فإنه يجب على الناس أن يعوا أن التنازل المؤقت عن حريتهم، في العمل والمرور، ليس سوى تضحية جزئية في مواجهة عدو غير رحيم. والوعي بذلك لدى الطبقات السفلى –حيث يمكن أن يكون الوباء أشد فتكا- قد لا يتشكل دون إرادة قوية.

ربما أضعنا بعض الوقت في التملي بالنظرة التفاؤلية لرئيس الحكومة، وربما كنا ساذجين بقدر سذاجته -أو بقدر ما كان يطلب منه أن يقول- لكن لدينا فرصة ثمينة لتدارك الوقت الآن. إن الدرس الصيني حاسم: الحجر هو أكثر طرق مواجهة «كورونا» فعالية. ومن الآن فصاعدا، ليس لدينا ما نفعله غير ذلك.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enseignant Casablancais منذ 4 سنوات

une analyse crédible , juste et claire, avec des phrases simples, courtes et précises. Bravo

التالي