يونس مسكين يكتب: خسرنا الاقتصاد فلننقذ الأرواح

06 أبريل 2020 - 19:00

ندخل هذا الأسبوع مرحلة حسم معركتنا الجماعية ضد فيروس «كورونا». تفيد جلّ القراءات التحليلية لقواعد البيانات المتوفرة عالميا، حول طريقة تطور هذا الوباء، بأننا مقبلون على مرحلة الذروة الوبائية، حيث يجري الحديث بشكل خاص عن الفترة ما بين 8 و10 أبريل موعدا لبلوغ هذه الذروة. ومؤشرات هذا الصعود بدأت مع الأرقام الرسمية التي صدرت نهاية الأسبوع الماضي، حين سجّلنا لأول مرة أكثر من 120 حالة إصابة مؤكدة خلال 24 ساعة.

أكدت التحضيرات، التي قامت بها السلطات خلال الأسبوع الماضي، بدورها، انتظار لحظة الذروة هذه، فمن جهة، جاء الإعلان الرسمي عن نشر مجموعة من المستشفيات العسكرية الميدانية، المستعدة لاستقبال فائض أعداد المرضى المحتمل تدفقهم على المستشفيات خلال هذه الفترة؛ ومن جهة أخرى، كانت البلاغات اليومية لمدير الأوبئة في وزارة الصحة، محمد اليوبي، تحمل بين سطورها رسائل التحضير لهذه الطفرة.

فمنذ منتصف الأسبوع الماضي، ظل هذا المسؤول يختم بلاغاته بالدعوة إلى عدم التسرع في قراءة المعطيات الرقمية التي كان يعلنها، والتي كانت تتخذ منحى الانخفاض في أعداد الحالات المصابة. وفي شبه تلقيح يحد من وقع مرحلة الذروة، كان الخطاب الرسمي يبشر بقرب إعلان عدد أكبر من حالات الشفاء، مؤكدا صرامة المغرب في إعلان التعافي الكامل للمصابين.

تجد هذه الطفرة المرتقبة في أرقام المصابين تفسيرها، إلى جانب منحنى التطور الطبيعي لهذا الوباء، كما أظهرته حالات الدول التي سبقتنا إلى استقبال هذا الضيف الثقيل؛ في الارتفاع الواضح في عدد عمليات الكشف التي تقوم بها السلطات الصحية. فمنذ بداية شهر أبريل الجاري، تضاعف إيقاع الكشف، مع افتتاح مراكز مخبرية جديدة، سواء مركزيا، في مدينة الدار البيضاء، أو على الصعيد الجهوي.

لا نعلم تحديدا هل شرعت المنظومة الصحية الوطنية في استخدام وسائل الكشف السريع التي اقتُنيت من كوريا، أم إن المختبرات مازالت تعتمد تقنية الكشف عن الحمض النووي للفيروس. لكن الأكيد أن عدد الاختبارات تضاعف خلال الأسبوع الماضي فقط، حيث انتقلنا من حوالي 1700 حالة مستبعدة، إلى أكثر من 3400 حالة مستبعدة، كما تضاعف عدد الحالات المؤكدة، وهو ما يؤكد ارتفاع وتيرة الكشف بشكل استثنائي.

هل علينا أن نطمئن، بناء على هذه القراءة التي تعني أن ما نعيشه كان متوقعا؟ ليس بالضرورة. صحيح أن إجراءات الطوارئ الصحية التي أقدمت عليها السلطات منذ 20 مارس الماضي، جنّبتنا السيناريوهات الإسبانية والفرنسية والإيطالية، حتى لا نقول الأمريكية، إلا أن طريقة تنزيلنا أسلوب التباعد الاجتماعي، الذي يعتبر الخيار الأفضل والأكثر نجاعة لتجنب الكارثة، تخللتها بعض الثغرات. فقد نجحنا عموما في إخلاء الشوارع، وخفض مستوى الاتصال بين أفراد المجتمع بشكل حال دون تفشي الوباء بالطريقة التي تؤدي إلى سقوط مئات الضحايا في دول مجاورة، لكننا أغفلنا نمط العيش داخل البيوت المغربية وبين أفراد الأسرة الواحدة.

فالطابع الممتد لبعض العائلات، وهيمنة تصور جماعي حول الفيروس باعتباره خطرا قدما من الشارع، تسبب في ظهور ما سماه محمد اليوبي في ندوته لمساء أول أمس السبت، بالبؤر العائلية. لقد تعاملنا مع الفضاءات الداخلية للبيوت والإقامات السكنية، خاصة منها التي تضم بضع أو عشرات الأسر داخل الإقامة الواحدة، كما لو كانت بيئة آمنة يكفي الحد من وتيرة التنقل بينها وبين الفضاء الخارجي.

والواقع أن أرباب بعض الأسر، الذين تفرض عليهم التزاماتهم المهنية مغادرة بيت الأسرة باستمرار، أو الأفراد الذين يتولون مهمة التبضع وقضاء الأغراض الطارئة خارج البيوت، تحولوا إلى ناقلين محتملين للفيروس إلى أفراد أسرهم وجيرانهم، وهو ما يفسّر الأنباء، التي تابعناها في اليومين الماضيين، عن اكتشاف إصابة أفراد عائلات وإقامات سكنية بالكامل.

ليس من باب جلد الذات أن نقول إن الجهد الذي بذل على المستوى الرسمي، والتعبئة الكبيرة التي أبانت عنها السلطات وأفراد القوات العمومية، لم يواكبهما الجهد الكافي في التوعية والتحسيس. نعم، جعلنا المغاربة يدركون أن عليهم أن يكفوا مؤقتا عن المصافحة، وأن يحترموا «مسافة أمان» بين بعضهم البعض داخل أماكن التبضع والصيدليات والوكالات البنكية… لكننا صوّرنا الأمر كما لو كان خاصا بالشارع والفضاءات العامة، ولم نحثهم كفاية على اعتماد إجراءات التباعد والوقاية داخل الفضاءات الأسرية والسكنية. لم ننبه كفاية إلى أن الشخص الذي يضطره عمله إلى مغادرة بيته يوميا، أو الذي يتولى مهمة التبضع، يجب أن يفرض على نفسه ما يشبه الحجر الإرادي داخل بيته وبين أفراد أسرته. والواقع أنه خلف أبواب العمارات السكنية والإقامات الجماعية، تستمر حياة اجتماعية طبيعية، بما تعنيه من تحلّق جماعي حول أطباق الطعام، وجلسات السمر الليلي لتزجية الوقت، وتبادل الزيارات بين الجيران…

إن أكبر خطأ يمكننا ارتكابه في هذه المرحلة، هو الرهان على ربح معركتنا ضد الوباء كما نربح مواجهة بوليسية ضد مجرم خطير، يكفي أن تنزل القوات لتعقبه في الشوارع، ونخيف الناس من احتمال مصادفته في حال مغادرتهم لبيوتهم، لكي نتمكن منه. لا شك في أن الإجراءات التي قامت بها السلطات ضرورية وفعالة، وأن أفراد القوات العمومية يقومون بتضحية سيسجّلها لهم التاريخ بمداد الفخر، لأنهم يواجهون الفيروس القاتل في الشارع، في الوقت الذي التحق فيه أغلب موظفي الدولة ببيوتهم الدافئة؛ لكننا، دون انخراط واع لأكبر كتلة ممكنة من المواطنين، لن نربح المعركة.

قد تستهوينا، في بعض الأوقات، لعبة التأرجح بين التخويف والطمأنة، لكنها تنطوي على مخاطر قد تجعلنا نسقط في ما حذّر منه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإن كان ذلك في سياق وبخلفية مختلفين. فلا يمكن أن يوافق عاقل على ما استبطنه خطاب ترامب وبعض رموز معسكره السياسي من مقارنة بين الخسائر المحتملة في الأرواح، في حال عدم القيام بأي شيء للحد من الوباء، وبين الكلفة الاقتصادية الكبيرة لمحاصرته؛ إلا أننا ونحن اخترنا بكل مسؤولية وانتصار للحياة أن نضحي باقتصادنا، علينا تجنّب جعل كلفة العلاج مضاعفة مقارنة بكلفة الداء، فنخسر الاقتصاد ونخسر الأرواح.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

bassou منذ 3 سنوات

نركز دائما على لوم الفرد حتى داخل سكنه و أسرته و نصر على تحميل المواطن فشل ااستراتيجية الدولة لمواجهة جائحة كورونا.. أحزن كثيرا حينما أرى سينما صولات رجال السلطة في الأحياء الشعبية في حين أن ما يجري في القطار المكوكي السريع و الطرام و الحافلات العمومية و الأسواق الممتازة أخطر بكثير مما يجري في الأحياء الشعبية. اما المصانع التي مازالت تشتغل فهي كوارث وبائية. نسمح بكل هذه الفظاعات ليس من أجل الاقتصاد و لكن ليستمر تدفق الأرباح على الأغنياء المدللين

إلهام عمراوي منذ 3 سنوات

بقاتلكم غ فالاقتصاد نعيش ايام شبه نهايةالعالم وتكلمو على الاقتصادالحمد الأهالي لقينا ملكنا حدانا كون مشينا كاملين دقةوحدة

التالي