يونس مسكين يكتب: الصحافة الورقية تحت الحجر

24 أبريل 2020 - 06:00

وجد الصحافي المشتغل بالجريدة الورقية نفسه فجأة وقد خسر أمد الخمس أو الست سنوات الذي كانت تجود به توقعات المختصين كبقية باقية في عمر الصحافة الورقية، وقد مُنع بقوة القانون أو قهر الواقع، من اقتراف النشر المعتاد. إن هو لم يمنع بأمر من السلطات التي قضت في بعض الحالات بالتفريق بين المادة الصحافية وبعدها الورقي كانت الشوارع الخالية له بالمرصاد، حيث الأكشاك والمقاهي والمكتبات موصدة الأبواب، ولا سبيل للصحيفة الورقية لبلوغ أيادي القراء.

هكذا وجد “الصحافي الورقي” نفسه في حجر مضاعف، فمن جهة هو ملزم كباقي زملائه بملازمة البيت وتجريب جنس صحافي لم تسمع به المراجع المهنية من قبل، أي الكتابة دون مغادرة كنبة الصالون أو غرفة المعيشة؛ ومن جهة ثانية لا سبيل لوصول المنتوج الصحفي النهائي مرحلته النهائية، أي الطبع والتوزيع. حجر على المنتج وحجر آخر على المنتوج، جعل قسما كبيرا من الصحافة الورقية في العالم، تصبح حبيسة شاشات لم تعتدها ولم تخلق من أجلها، في بدعة أخرة من بدع زمن الـ”كورونا”. 

تُركت وحيدة في الشارع بعدما طرد كورونا القراء من الشوارع وأزلمهم بالقعود أمام شاشاتهم غبيها وذكيها

 

قال العرب قديما: “على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم”، وليس في الزمن الحاضر ما يصدّق هذه الحكمة كمثل الصحافة المطبوعة.

قبل اجتياح وباء كورونا المستجد للمعمور على حين غرّة، كانت هذه الصحافة تحمل العبء الأثقل وطأة مقارنة بإخوتها المرئية والمسموعة والرقمية. وبقدر ما كان الإعلام التلفزيوني والإذاعي والإلكتروني يجد في التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، ما يعوضهم عن خسائرهم في سوق الإعلانات وفي احتكار وظيفة الإخبار والترفيه التي تسحبها كائنات مستجدة؛ بقدر ما كانت الصحافة الورقية تجد عزلتها تكبر وخسائرها تتفاقم وقنوات نفاذها إلى الجمهور تختنق، حتى إذا جاء الوباء وطرد الناس من الشوارع وأخلى الفضاءات العامة، ليلزمهم بالقعود أمام شاشاتهم، غبيها وذكيها، تُركت الجريدة الورقية وحيدة في الشارع.

وجد الصحافي المشتغل بالجريدة الورقية نفسه فجأة وقد خسر أمد الخمس أو الست سنوات الذي كانت تجود به توقعات المختصين كبقية باقية في عمر الصحافة الورقية، وقد مُنع بقوة القانون أو قهر الواقع، من اقتراف النشر المعتاد. إن هو لم يمنع بأمر من السلطات التي قضت في بعض الحالات بالتفريق بين المادة الصحافية وبعدها الورقي كانت الشوارع الخالية له بالمرصاد، حيث الأكشاك والمقاهي والمكتبات موصدة الأبواب، ولا سبيل للصحيفة الورقية لبلوغ أيادي القراء.

هكذا وجد “الصحافي الورقي” نفسه في حجر مضاعف، فمن جهة هو ملزم كباقي زملائه بملازمة البيت وتجريب جنس صحافي لم تسمع به المراجع المهنية من قبل، أي الكتابة دون مغادرة كنبة الصالون أو غرفة المعيشة؛ ومن جهة ثانية لا سبيل لوصول المنتوج الصحفي النهائي مرحلته النهائية، أي الطبع والتوزيع.

حجر على المنتج وحجر آخر على المنتوج، جعل قسما كبيرا من الصحافة الورقية في العالم، تصبح حبيسة شاشات لم تعتدها ولم تخلق من أجلها، في بدعة أخرة من بدع زمن الـ”كورونا”.

أكثر من ذلك، يبدي الوباء الجديد تمييزا صريحا تجاه الصحافة الورقية، فقد قدّم فيه للإعلام التلفزيوني فرصة ثمينة لاستعادة جزء كبير من الجمهور الذي هجره في السنين الأخير نحو المنصات الإلكترونية، حيث تحالف الفيروس الجديد مع بكتيرا الأخبار الزائفة والمضللة التي عششت في العالم الرقمي، لتستعيد شاشة التلفزيون وهجها وحضورها القوي بفضل مصداقية ووثوق أخبارها.

في المقابل، جرّد وباء كورونا الصحافة الورقية من موعدها المنتظم الذي كانت تحل فيه بين أيدي قرائها، كما حملها على النزول ضيفا ثقيلا على الشاشات التي لا يسعفها ذكاؤها في استيعاب الخصوصيات الجمالية للإخراج الصحافي وطريقة التصفيف الموجهة أصلا للورق. بل إن الفيروس بدا كما لو يستهدف الصحافة الورقية بشكل خاص، حين جعل من كبار السن هدفه الأول، هم الذين يشكلون القسم الأكبر من قراء هذا النوع من الصحافة.

فيروس الاندثار المستجد

لأول مرة، في تاريخ الصحافة ربما، تتوزّع فيه قاعات تحرير الصحف الورقية بين كنبات البيوت، ولا تلتئم اجتماعات الصباح لمناقشة مواضيع اليوم وكيفية تناولها، ولا تتبادل سكريتاريات التحرير مخططات العمل في العدد المقبل والموارد الفوتوغرافية والكاريكاتورية والرسوم البيانية التي ينبغي تجهيزها لترافق المقالات والتحقيقات. ولأول مرة لا يجد رئيس التحرير المراجع اللغوي إلى جانبه لتدقيق عنوان او مراجعة فقرة أضيفت في اللحظة الأخيرة لتحيين تقرير إخباري. ولأول مرة لا تستخرج النسخة الأولية من الصفحات بواسطة الطابعات المكتبية لتوزّع على المعنيين بها قصد التمحيص والتدقيق…

لأول مرة منذ أفلتت من تهديد الإذاعة والتلفزيون في بدايات القرن 20، والصحافة الإلكترونية في نهاياته، تجد الصحافة الورقية نفسها ممنوعة من ممارسة ما تبقى لها من وظائف حصرية في مجال الصحافة من استقصاء ميداني يوفّر لها انفرادا بالسبق وعمقا في التحليل وكشفا لوجوه أخفتها باقي وسائل الإعلام أو عجزت عن كشفها.

لقد شخّص علماء الأوبئة كثيرا من أعراض الجائحة الوبائية التي تضرب العالم حاليا، من ارتفاع لحرارة الجسم وآلام وضيق في التنفس وربما مضاعفات تؤدي إلى الوفاة؛ لكنهم لم يخبرونا أن هذا الفيروس سوف يؤدي إلى إخلاء قاعات التحرير وتحويلها إلى أرض خلاء. ربما لم يعلموا أنه سيولّد صحافة مطبوعة لا تُطبع، ورقية دون ورق، يشتدّ بها ألم تقييد الحركة في التنقل، واستحالة الاستفراد بالمصادر واقتحام المناطق المحظورة، يضيق بها مصدر الرزق من مبيعات وإعلانات، ويهدّد قسما كبيرا منها بالموت قبل رفع الحجر الصحي.

في جلّ بلدان المنطقة العربية، من البحر إلى البحر، كانت الصحافة تواجه قحطا قائما في القراءة، حيث أعلى نسب الأمية في العالم، والمتعلمون لا يقرؤون أكثر من 5 دقائق في السنة. وقبل الجائحة، جاءت منصات الإثارة والضحالة لتخالط الثورات الرقمية والتكنولوجية التي أنتجها العالم المتطوّر، لتقتصّ من نصيب الصحف المطبوعة أكثر من نصف مقروئيتها. صحف في المشرق كما المغرب كانت تتحدى السلطات في عصر مضى بأعداد قرائها المليونية، وأخرى “مستقلة” ظهرت بعد سقوط جدار برلين بنت مجدها على نموذج “ليبرالي” يتحرر من سطوة القارئ المؤدلج ويتنج مضمونه بأدواء المهنية والحياد؛ كل هؤلاء وجدوا أنفسهم قبل ظهور كورونا المستجد مخيّرين بين التطعيم الذاتي بالأمصال الرقمية وبين الاندثار، لكنهم اليوم.. تحت الحجر.

التهمة: ناقل للعدوى

من الحامل الورقي الذي توقفت آلات الطباعة عن التهامه في جل أنحاء العالم، جاءت الطعنة الأولى في ظهر الصحافة الورقية، حيث لهجت بعض ألسنة “السوء” بتهم خاصة بطرق انتقال الفايروس الجديد، وقدّمت ورق الصحف ضمن قائمة “أخطر المجرمين”، باعتبار “كورونا” يصمد فوق صفحاته لعدة أيام.

تهمة كانت كافية للإجهاز على ما تبقى من مقروئية للصحف الورقية، بعدما تهاوت أرقام مبيعاتها في السنوات الأخيرة تحت ضغط انتشار الإعلام الرقمي، وفي وقت كانت فيه مخاوف الأفراد والدول تدفع الناس إلى الامتناع الطوعي او تحت الإكراه عن مغادرة البيوت.

الرابطة الدولية لوسائل الإعلام الإخبارية (INMA)، وهي منظمة ذات تأثير دولي واسع من خلال تخصصها في ترويج أفضل الممارسات الإعلامية، حاولت تدارك الموقف واستصدرت دراسة علمية حملت توقيع كوكبة من المختصين، مفادها أنه لم يثبت في أي من أنحاء العالم، أن الصحف الورقية كانت مسؤولة عن نقل أو نشر فايروس كورونا المستجد.

وأضافت هذه الدراسة أن الأسطح التي يتحدث عنها علماء الأوبئة، باعتبارها ناقلة للفايروس، هي التي الأسطح الملساء، عكس الأسطح المسامية، مثل ورق الصحف، والتي لا تسمح للفايروس بالصمود فوقها مدة طويلة.

وأضافت الرابطة الدولية لوسائل الإعلام الإخبارية إلى توضيحات علماء الأوبئة، ما قالت إنه تطوّر تقني واحترازات خاصة يقوم بها منتجو الصحف الورقية، تجعل الجريدة آمنة وخالية من أي خطر فيروسي.

وتتمثل هذه التطورات في الطابع الآلي لعملية الطبع، حيث يكاد ينعدم تدخل العنصر البشري باللمس أو المعالجة اليدوية. فيما اتخذت احترازات مشددة في المراحل التي تتطلب تدخل العنصر البشرين كالتوزيع، لضمان التعقيم التام لهذه المراحل ومنع أي احتمال لتحويل الجريدة إلى حامل للفيروس المخيف.

بدورها منظمة الصحة العالمية أصدرت بيانا حاولت من خلاله تبديد المخاوف من انتقال الفيروس عبر الصحف الورقية. “احتمال انتقال العدوى من شخص مصاب إلى البضاعة التي يتم تسويقها ضعيف جدا، وبالتالي فإن إمكانية انتقال فيروس كورونا من خلال حزم الجرائد التي يتم نقلها غير واردة، خاصة أنها تنقل لمسافات طويلة وتخضع لحرارة مرتفعة، وهو ما يجعل الاحتمال ضعيفا جدا”.

تطمينات لم تفلح في تبرئة الصحف الورقية، حيث نقلت وكالة أنباء “الاناضول” في استطلاع ميداني، مخاوف الناس من شراء الصحف. ونقلت الوكالة عن رجل في سن 66 عاما، قوله إن الفيروس الجديد يشكل خطورة كبيرة على الأشخاص المسنين، “لهذا أصبحت أكثر حذرا ولا أغادر البيت كثيرا كما أحرص على عدم لمس أي شيء في الخارج”. وعن الصحف تحديدا، يقول المتحدث نفسه: “ربما قام شخص مصاب بلمسها، لهذا توقفت عن شرائها، اكتفيت بشراء بعض المجلات التي تباع مغلفة بغشاء بلاستيكي، ولا أتصفحها إلا بعد تعقيمه وإزالته”.

أما أحد باعة الصحف، فبثّ الوكالة شكواه من تسبب إجراءات حظر الخروج من المنازل في فقدانه اكثر من نصف مبيعاته المعتادة، وحتى من كانوا يشتركون في خدمة توصيل الصحف إلى البيوت باتوا يرفضون تسلمها، “كما لو أنه يخشون خطر الموت بمجرد لمسهم الورقية، إنه أمر لا معنى له”.

المجانية والمحلية أكبر المتضررين

الصنف الأكثر تضررا من إجراءات التباعد الاجتماعي، كان هو الصحافة الورقية المجانية، التي توزع في محطات شبكات الميترو وباقي وسائل النقل العمومي في كثير ومن الدول. صحيفة مثل The Evening Standard، وجدت نفسها مضطرة إلى خفض توزيعها، وملاحقة القراء الذين هجروا وسائل النقل نحو منازلهم، لتوزيع الصحيفة عليهم بالمجان. فيما وجدت الصحف المجانية، التي تموّل عن طريق الإعلانات فقط، والمتخصصة في الفنادق والمطاعم، نفسها فجأة محرومة من “منصتها” هذه.

مجموعة “جي بي آي” المالكة لعدد من العناوين الصحفية المجانية، أعلنت متم شهر مارس ـ آذار وقف طبع جميع عناوينها المجانية، بسبب انهيار عائدات الإعلانات وصعوبة التوصيل في الظروف الحالية. ورغم أن السلطات البريطانية صنّفت الصحافيين ضمن فئة العاملين في وظائف أساسية، ما يسمح لهم بموصلة أنشطتهم، وتعبير كثير من الصحف عن رغبتها في تقديم خدمة تساهم في مواجهة الوباء، إلا أن العبء المالي يبدو أكبر من قدرتها على التحمل.

في الولايات المتحدة، سارعت عدد من الصحف في منطقة الساحل الغربي إلى إعلان توقفها عن الصدور، بعدما سحبت جميع الإعلانات التي كانت متوقعة في هذه الفترة، بفعل إلغاء جلّ الأحداث والمؤتمرات. وأعلنت بعض تلك الصحف أن توقفها هذا قد يكون نهائيا، بفعل فداحة الخسائر المسجلة. وفي غياب عائدات بديلة تعوض ولو نسبيا غياب الإعلانات، فإن عددا كبيرا من الصحافيين باتوا مقبلين على عطالة إجبارية شبه أكيدة.

الأمر أثار مخاوف عدد من المسؤولين المحليين في بعض الولايات، لكون الاختفاء المفاجئ للصحف المحلي يعني حرمان المواطنين من مصدر أساسي للمعلومات المحلية، لكون وسائل الإعلام الوطنية الكبرى لا تقدّم مثل تلك الأخبار المحلية، خاصة منها المتعلقة بالوباء. هذا الأخير بدا كما لو جاء للإجهاز على جريح طال نزيفه، حيث قالت صحيفة الـ”غارديان” البريطانية، إن قرابة ربع الصحف المحلية التي كانت تنشر في كاليفورنيا، اختفت من الاكشاك في الفترة بين 2004 و2019. وما انتقال القراء نحو العالم الرقمي، أصبحت الإعلانات مصدر التمويل الرئيس للصحف الصامدة، وهو ما جعل قرار منع التجمعات، ومعها الأنشطة التي تستدعي النشر في الصحافة، بمثابة حكم بالإعدام على هذه الصحف. العملاق الأمريكي، buzzfeednews، نشر تقريرا اختار له عنوانا صريحا، يعتبر الفيروس التاجي المستجد بمثابة لحظة لانقراض قسم كبير من الصحافة الورقية. وبرّرت “بوزفيد” نبوءتها هذه، بحتمية اختفاء جميع الإعلانات المحلية، والتي تقتات عليها الصحافة الورقية في عمومها.

فجل المطاعم أغلقت، وإعلانات السيارات الجديدة لم يعد لها داع في ظل حالة الطوارئ. ورغم الإقبال الكبير الذي عرفته المنصات الإلكترونية لتلك الصحف، إلا أنها لا تكفي لتعويض الخسائر الناجمة عن غياب الإعلانات. وبالتالي توقع هذا التقرير أن تكون انعكاسات فيروس كورونا على الصحافة الورقية، أكبر من مخلفات الأزمة المالية للعام 2008. وفي الوقت الذي تبدو فيه الصحف الوطنية الكبرى، مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”وول ستريت جورنال”… قادرة على الصمود بفعل حصتها الكبيرة من الاشتراكات الالكترونية، فإن جل الصحف الأخرى لا تبدو قادرة على تجاوز النكبة.

سلطات خائفة ورأسمال جبان

في الولايات المتحدة أعلنت كثير من الصحف تخليها عن جزء من أطقمها، وقرارات مماثلة اتخدتها صحف بريطانية، مع توقف مؤقت لصدور النسخ المطبوعة. بعض الصحف لجأت إلى حلول وسطى، حيث فرضت على جزء من طاقمها عطلة غير مدفوعة الاجر، بينما قلصت عدد أيام العمل الأسبوعية على القسم الآخر. ولم تسلم من الموجة حتى كبريات الصحف، حيث أصدرت “نيويورك تايمز” بداية شهر مارس-آذار، تحذيرا من انعكاسات تراجع عائداتها من الإعلانات، ووصل المد إلى غاية أستراليا، حيث أعلنت بعض الصحف إغلاق أبوابها بشكل نهائي، من بينها صحيفة “يارام ستندار” العريقة، والتي أغلقت بعمر الـ120عاما.

في إيطاليا حيث تدور إحدى أكبر الآسي المرتبطة بوباء كورونا، صنّفت السلطات الصحف الورقية ضمن الاحتياجات الأساسية، والتي يمكنها مواصلة العمل رغم إجراءات الطوارئ المعمول بها. هذا الوضع خوّل للصحافيين مواصلة تغطياتهم الميدانية والانتقال إلى مقرات العمل وطبع الصحف، بل سمح للأكشاك بالاستمرار في فتح أبوابها في وقت أغلقت فيه كثير من المرافق الأخرى. أكثر من ذلك، سجّل بعض الناشرين ارتفاعا في أعداد مبيعاتهم، موازاة مع ارتفاع الإقبال على النسخ الإلكترونية من صحفهم.

الأمر نفسه ينطبق على بعض الصحف الصينية، حيث نقرأ في تقرير لموقع pressgazette البريطاني، تصريحا لرئيسة تحرير صحيفة South China Morning Post التي تصدر في هونغ كونغ، تستغرب فيه الحديث عن تقليص كمية الطبع أو توقيف العمل، نظرا لغياب أية أسباب تدعو إلى ذلك. أليس وونغ أوضحت أنه ورغم انخفاض كبير في عائدات الإعلانات، إلا أن الاشتراكات في النسخة المطبوعة من صحيفتها قد ارتفعت، ما شجع على الاستمرار في العمل، خاصة أن القراء ما زالوا يقبلون على النسخة المطبوعة رغم أن مضامينها تنشر بالكامل في الموقع الإلكتروني للصحيفة، تقديرا منهم للبعد الجمالي للنسخة المطبوعة.

في تقرير لها بعنوان “فيروس كورونا يقتل الصحافة المحلية”، كتبت صحيفة the atlantic مخاطبة قراءها: “ومن بين أهم الخطوات التي عليك أن تقوم بها خلال هذه الأزمة: اغسل يديك، لا تلمس وجهك، وقم بالاشتراك للحصول على نسخة من جريدتك المحلية”.

الصحيفة لم تبرر دعوتها هذه بالاعتبارات الاقتصادية أو الاجتماعية للعاملين في الصحف، بل لأن المعلومة المحلية باتت “مسألة حياة أو موت” بالنسبة للمجتمعات، “والإبقاء على مصادر الأخبار موجودة ينبغي أن يكون جزءا من الإجراءات الحكومية والمدنية لمواجهة الوباء. لا يجب على الحكومة الفيدرالية إنقاذ غرف الاخبار، بل فقد وضع خطط للتحفيز والمساعدة على استمرار المؤسسات الإعلامية مستقبلا”.

نهاية ورق صالح

لا شك أن مقولة “ما بعد كورونا لن يشبه ما قبلها” لن تستثني أيا من المجالات، ومن المؤكد أن صحافة ما بعد 2020 لن تشبه في شيء صحافة العصور السابقة. لكن ما سينتهي في حقيقة الأمر هو نموذج اقتصادي ونمط في الإنتاج والاستهلاك، لا الصحافة الورقية في حد ذاتها. هذه الصحافة اكتسبت مناعة تاريخية حين اجتاحها التلفزيون وقبله الإذاعة وبعدهما الإعلام الرقمي. لكن من أراد وضع اسمه فوق الورق الصقيل الذي تحمله أيادي مرتشفي القهوة الصباحية، عليه أن ينسى قصة المنتوج الذي يباع مرتين، أولى للقراء وثانية للمعلنين، ويلحق بهما معا نحو تقنية العصر، هناك سيجد من يبحث عن الخبر اليقين والتحليل العميق والإخراج الجميل، وفي بعض النماذج الناجحة في أمريكا وأوربا، ما يثبت أن الرقمي لم يأت لقتل الورقي بالضرورة، بل في بعض هذه التجارب أصبح وسيلة نجاته. وبالتالي نحن أمام لحظة انقراض نمط معيّن من الصحافة الورقية، وليس كلّها، والبقاء للأصلح.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يونس برادة منذ 3 سنوات

الاستاذ مسكين تحية اخوية وبعد ، رجاء الانتباه الى بعض الأخطاء اللغوية التي يتعين تصحيحها قبل الطبع ومنها : بدعة أخرة وأزلمهم. غير أن أكبر خطإ وهو ما لا يجوز في التعليق يتصل بإغفال ذكر مصدر البيت الشعري وقد نسبته الى أقوال العرب والحال أن الامر يتعلق بأبي الطيب المتنبي . مع أصدق تحياتي . يونس برادة

التالي