هاجر الريسوني تكتب: إلى سليمان

02 يونيو 2020 - 19:40

حبيبي عمي سليمان (سأناديك عمي لأنني أفتخر بذلك)، لم أعتقد يوما أننا سنتبادل الأدوار، وأن أكتب لك وأنت داخل الزنزانة وأنا خارجها، لن أسألك عن حالك، لأنني أعلم أنك لن تقرأ هذه الرسالة، بل لأنني أعلم كيف هو حالك، فسجانك اختار بدقة توقيت اعتقالك، حتى يعزلوك عنا، لكنهم لا يعلمون أنك تعيش معنا الآن أكثر من أي وقت مضى.

لقد كنت أكثر حظا مني، لم تشاهدهم وهم يعتقلونني، لكنني فعلت، رأيتك وأنت مشدوه، لم تقاوم كما عهدتك في كل القضايا ومواقف الحياة، رافقتهم بهدوء، وكأنك تقول لهم لقد تأخرتم كثيرا وطال انتظاري.. أخذوك إلى ذاك المصير الذي كنت تتوقعه وأنت تستيقظ كل أربعاء وجمعة مع السادسة صباحا لتخط بأناملك الحنونة افتتاحيات أقضت مضاجع البعض.

حبيبي عمي سليمان، لن أقول لك لقد دخلت التاريخ، لكني سأقول: لقد كنت من بين من كتبوا التاريخ. منذ البداية اخترت عدم الركون، وخضت معارك لا تخصك شخصيا، فقط لأنك آمنت بأن أدوار الصحافة لا تعني فقط نقل الخبر، بل الرقابة والنقد والانتصار لقيم حقوق الإنسان والدفاع عن القضايا العادلة، في الوقت الذي اختار فيه كثير من الناس الذهاب مع «الموجة» وامتهان الصحافة ضد الصحافة.

لم يحزني سجنك، ففي كل وقت أردد بيني وبين نفسي ما قلته لي في أحد المساءات ونحن منتشيان بمقطع من أغنية «أغدا ألقاك» لكوكب الشرق، «يسجن البعض ليبقى»، لكن ما أحزنني هو الصمت المريب للبعض، كنت أعتقد أنهم سيكونون سباقين إلى التضامن معك والترافع عن قضيتك، لكني وجدتهم محجورا عليهم.

كيف سأخبرك بأن بعض المقربين منك عوض إدانة اعتقالك أو على الأقل إدانة التشهير بك والقول إن هناك شبهة للاعتقال الانتقامي، أدانوك بتهمة «تجاوز الحدود»، تخيل أنهم اصطفوا مع الصمت وسجانك ضدك، لقد فوجئت بذلك، وهذا خطؤك، فقد علمتني كل شيء إلا معنى «الحدود» في وطن الحكومة فيه محكومة، والأحزاب لا تملك القرار حتى في عقد مؤتمراتها، والنقابات تدافع عن كل شيء إلا عن العمال، وأشياء أخرى أنت أعلم بها.

قل لي كيف سأقنع الناس، بأنك، ونحن معك، لسنا ضد القانون ولا ندعم الإفلات من العقاب، وأن لكل مواطن الحق في التظلم، وهذا ما كنت تناضل من أجله في كل حرف كتبته، لكننا ضد التشهير، وعدم احترام قرينة البراءة والتمييز في تطبيق القانون بين الناس العاديين وبين «صحافيي أخبار اليوم»، وعدم تمكين المدعى عليه من محاكمة عادلة، بعيدة عن تصفية الحسابات.

ذكرتني قضيتك بقضية زميلنا توفيق بوعشرين الذي يقبع في السجن منذ أزيد من سنتين، وكنت من أشد المدافعين عنه رغم أنك التقيته مرتين فقط، لأنك كنت تؤمن بأن اعتقاله كان تعسفيا، الغرض منه قتله رمزيا ووأد الجريدة معه، اليوم يعيدون لعب اللعبة نفسها مع تغييرات طفيفة، فبعدما سجنوك، انطلقوا للبحث عن ضحايا مفترضات ليقدمن شكايات ضدك، لكن انقلب السحر على الساحر، وفضحتهم تلك الشابة الشجاعة وقالت «لا للتغراق».

عمي حبيبي، أعلم أنك كنت قد تعبت وتريد مغادرة الجريدة، والذهاب إلى مكان بعيد، لتشرع في كتابة مشروع روايتك المؤجل لأكثر من سنتين، وأعلم أنك الآن من داخل زنزانتك تقول بينك وبين نفسك، رب ضارة نافعة، وستطلب منهم الورق والأقلام وستترك المجال لخيالك ليسبح بين دروب طنجة القديمة، لكني أعلم أيضا أنك، بين فقرة وأخرى، ستشاهد صورة «هاشم» وهو يضحك ملء شدقيه، وتتذكر أنك لست في طنجة لكنك خلف القضبان.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي