يونس مسكين يكتب: بؤرة «لاتواصلية»

22 يونيو 2020 - 18:00

إذا كان حوالي عشرة آلاف مغربي فقط أصيبوا بفيروس كورونا حتى الآن، وبضعة آلاف آخرين تحولوا إلى عالقين وشبه مشردين في أنحاء متفرقة من العالم؛ فإن أكثر من 36 مليون مغربي يعانون جائحة تواصلية حقيقية ضربتهم منذ قررت الحكومة إدارة ظهرها وصم آذانها، تاركة فيروس القلق والاضطراب والخوف من المجهول يفترس الرأي العام.

الجائحة الحقيقية التي ستفتك بقسم كبير من مواطنينا وتلقي بهم في جحيم الاضطرابات النفسية بقية حياتهم، هي هذا الأسلوب الذي يكاد يرقى إلى التعذيب الجماعي في تعاطي المسؤولين الرسميين مع قلق شعبي متزايد، وانتظارات ملحة، يفترض معها أن تكون الوظيفة التواصلية نشيطة وفعالة، لأن الجزء الأكبر من تدبير مثل هذه الأزمات يكون عبر التواصل ومن خلاله.

لقد عشناها في 20 ماي الماضي، ثم عدنا لنعيشها من جديد في العاشر من يونيو الجاري، وفي كل مرة يذيقنا القائمون على تدبير الأزمة مرارة انتظار البلاغات التي قد تصدر بعد منتصف الليل وقد لا تصدر.

لا حاجة بنا إلى العودة بعيدا إلى أسابيع الجائحة الأولى للوقوف على دلائل وحجج هذا التلاعب بمشاعر وصحة المغاربة، لننظر إلى الأيام العشرة الأخيرة فقط؛ في البداية، جرى إعلان تقسيم عمالات وأقاليم المملكة إلى منطقتين، على أساس تحيين أسبوعي ينقل كل إقليم من خانة إلى أخرى بناء على المعطيات الوبائية المستجدة. بعد أربعة أيام، صدر بلاغ يعلن قرار تجميع المصابين بفيروس كورونا في مستشفيين بكل من بنسليمان وبنجرير، على أن يجري تخفيف كبير لإجراءات الطوارئ يوم 20 يونيو.

هكذا افترض المشرفون على تدبير الأزمة أن على شعب من المحجورين، الذين قضوا أزيد من ثلاثة أشهر بين جدران بيوتهم يحفهم الخوف، أن يستنتجوا من تلقاء أنفسهم أن التحيين لن يكون منتصف الأسبوع الماضي كما كان مفترضا، بل عليهم انتظار «نهاية الأسبوع»، وهي عبارة فضفاضة ولا معنى لها في سياق يعد فيه المترقبون أيامهم بالدقائق والساعات.

حين حل يوم 20 يونيو، أول أمس السبت، كان علينا أن ننتظر تصريحا صحافيا جرى التبشير به، في موعد وبطريقة غير محددين مسبقا، ليجود علينا وزير الداخلية بإعلان جديد هو أقرب إلى «الخبير» حين تحدث عن مجموعة من إجراءات التخفيف الجديدة التي ستُعلن خلال الأيام القليلة المقبلة. أو بتعبير آخر، اجلسوا أماكنكم وانتظروا قرارات «ما» في وقت «ما» لتمنحكم تخفيفا «ما».

حتى نكون منصفين، لا مجال هنا لممارسة رياضة شعبية اسمها مهاجمة وزارة الداخلية، أم الوزارات، وتقريع ولاتها وعمالها. ولا ينبغي لهذا التقييم السلبي للأداء التواصلي للحكومة أن يوحي بأي تشكيك في ما تحوزه الإدارة المغربية من كفاءات وخبرات في هذا المجال، بل إن المطلع، ولو من بعيد، عن خلايا وأقسام ومديريات التواصل في جل الإدارات العمومية، والمتابع لهذا المجال في الجامعات والمدارس المتخصصة والوكالات المحترفة، لا يمكنه أن ينكر وجود ما يكفي من الموارد اللازمة لوضع وتنفيذ استراتيجية تواصلية فعالة، وحتى إذا افترضنا وجود نقص ما، فإن مثل هذه الخدمات يمكن «شراؤها» بسهولة في سوق الخبرة الوطني أو الدولي.

المشكلة، إذن، ليست في الإلمام والتمكن من قواعد وتقنيات تواصل الأزمات، بقدر ما هي مشكلة قرار وتدبير وتقدير سياسي. الخلل في ضعف وتفكك وعدم انسجام الحكومة التي يفترض فيها أن تشتغل في ظروف استثنائية مثل ما نعيشه حاليا، كأركسترا يقودها رئيس الحكومة، في التواصل قبل اتخاذ القرارات وتنفيذها.

الحقيقة أننا، ومنذ أسابيع، أمام خيار تواصلي يقوم على قاعدة «كلها يضرب على عرامو»، وتنافس غير مفهوم ولا مبرر بين القطاعات الوزارية، واصطفاف غريب بين تقنوقراط وسياسيين، وهو المناخ السياسي الموبوء الذي انعكس، بشكل بديهي، على البنيات الإدارية المكلفة بالتواصل، سواء منها المركزية أو التابعة للمديريات الجهوية للصحة والسلطات المحلية، لأن الموظف يصبح أمام مهمة انتحارية إن هو واصل القيام بوظيفته التواصلية في الوقت الذي تتطاير فيه شظايا التنافس والتسريب والتسريب المضاد بين الوزراء ومراكز القرار والأطراف السياسية للحكومة. في ظروف كهذه، يصبح من الطبيعي أن يسترق المغاربة معلومة حساسة وحيوية، من قبيل استئناف حركة القطارات والنقل الطرقي بين المدن من تدوينة له بحسابه الشخصي في «فيسبوك».

أخطر فيروس يهدد لحمتنا الوطنية، ونحن في عز جائحة وبائية عالمية من نوع «كوفيد19»، هو هذا العجز عن الاحتفاظ بتدبير تواصلي منسجم ودائم وفعال، كنا قد لمحنا بوادره في بدايات الأزمة. وتواصل الأزمات، كما يعرف خبراء هذا المجال، ليس مجرد خطط لضمان تدفق المعلومات والأخبار بشكل منتظم، بل هو يعد، في كثير من الحالات، مثل أزمتنا الحالية، اللقاح الذي يمنع حدوث الأسوأ، لأنه يحافظ، أولا، على التماسك الوطني، وهي واحدة من أولى وظائف تواصل الأزمات.

أسهل ما يمكن القيام به في مثل هذه اللحظة هو «تعليق» وزارة الداخلية بدعوى محاسبتها، أو رجم التقنوقراط بمبرر انعدام حسهم السياسي، أو إلقاء قشور الموز في طريق هذا الوزير السياسي أو ذلك، ثم تحويل سقوطه إلى موضوع لملء الفراغ وشغل الرأي العام، فيما الأصعب هو التقاط صورة شاملة تسمح برصد هذا الثمن الجماعي الذي ندفعه بسبب العجز الذي نراكمه في البناء الديمقراطي والمؤسساتي. وإذا كنا اليوم نحتفظ بأمل الخروج من الجائحة دون عاهات مستديمة أو خدوش عميقة في وجه الوطن، فإن عدم تدارك الخصاص والمضي في خيار قتل كل ما ينبض بالحياة، سواء الأحزاب الحقيقية أو الجمعيات الجادة أو الصحافة المهنية، يعني الانحدار أكثر إلى ما دون حكومة ضعيفة، إلى درك الدولة الضعيفة، لا قدر الله.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي