احتقان شعبي جديد في «تماسينت» بسبب مشاريع منارة المتوسط

13 يوليو 2020 - 22:00

شبكة ثانية للإجهاض السري تسقط بمرأجواء من الهدوء المشوب بالحذر تعم قرية تماسينت والدواوير المحيطة بها، عقب الأحداث التي عاشتها يوم الجمعة الأخير، بعد الإنزال الأمني الذي نفذته السلطات المحلية لمنع مسيرة شعبية لسكان القرية، تبنتها لجنة تطلق على نفسها اسم: “لجنة الحراك الشعبي بتماسينت”، التي تأسست منذ الاحتجاجات التي اجتاحت عدة مناطق بالريف نهاية 2016، حيث احتج الغاضبون من القرية، بحسب ما كشف عنه مصدر منهم لـ”أخبار اليوم”، على سير أشغال إكمال مشاريع التهيئة والتأهيل، التي يعرفها مركز جماعة “إمرابطن” بتماسينت، والمدرجة في برنامج “الحسيمة.. منارة المتوسط”.

بداية الشرارة

استنادا إلى المعلومات التي حصلت عليها “أخبار اليوم” من مصادرها القريبة من الموضوع، فإن قرية تماسينت الهادئة تحولت يومي الجمعة والسبت الأخيرين إلى منطقة أمنية مغلقة، بسبب التدابير الأمنية التي فرضتها السلطات، عقب إنزالها لعدد كبير من أفراد الدرك والقوات المساعدة، تم استقدامها من مدينة الحسيمة، إذ جرى تطويق القرية من كل جانب، كما حاصروا الدواوير القريبة منها، التي يتحدر منها النشطاء الذين يقودون الاحتجاجات التي اندلعت بالمنطقة منذ منتصف شهر يونيو الماضي، بسبب إقصاء عدد كبير من سكان المنطقة من دعم صندوق “كوفيد-19” المخصص للأسر المستحقة، وكذا الإعانات الإنسانية التي خصصتها المجالس المنتخبة محليا وجهويا وتكفلت السلطات بعملية توزيعها على المتضررين من الجائحة بالإقليم، حيث شابت العمليتان تلاعبات كما يقول المحتجون، الذين طالبوا بفتح تحقيق فيها لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، وحجتهم على ذلك لائحة المقصيين من إعانات صندوق كورونا ومساعدات مجلس الجهة للتخفيف من الآثار الاجتماعية للجائحة، قامت لجنتهم بحصرها وتضم حاملين لبطاقة “راميد” وعاطلين فقدوا عملهم بسبب هذا المرض لأزيد من أربعة أشهر، ورغم ذلك لم يتوصلوا بأي دعم من الصندوق في المرحلة الأولى والثانية، شأنهم شأن معدومي الدخل والتجار الصغار وعمال الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة بالمدينة، وفلاحين صغار يمارسون نشاطا زراعيا معاشيا تضرر هو الآخر بسبب الجفاف.

وفي هذا السياق، قال نوفل أولاد حدو، عضو “لجنة الحراك الشعبي بتماسينت”، والتي تقود الاحتجاجات التي تعرفها القرية، في تصريح خص به “أخبار اليوم”، إن القنطرة التي كانت موضوع احتجاجات سكان قرية تماسينت منذ يوم الأربعاء الماضي عقب عودة الشركة صاحبة الصفقة لإتمام أشغالها، تعرف عدة اختلالات تقنية وغش في إنجازها، لذلك طالب السكان بتوقيف أشغالها وفتح تحقيق فيها وفي باقي أشغال تهيئة طرق مركز تماسينت، قبل أن نفاجأ يوم الجمعة الماضي، يضيف المتحدث عينه، بتنفيذ السلطات المحلية بتنسيق مع السلطات الإقليمية للحسيمة، لإنزال أمني منذ الساعات الأولى من نفس اليوم، إذ “طوقوا القرية وحاصروا ضواحيها، ومنعونا من تنفيذ وقفة احتجاجية بالقرب من القنيطرة التي أعادت المتظاهرين إلى الشارع، وهو ما قمنا بالرد عليه بشكل سريع، بالدعوة للدخول في إضراب عام شل القرية، بعدما تجاوب معها السكان والتجار وباقي القطاعات الخدماتية الخاصة”.

وزاد أولاد حدو أن السلطات لم تجد من رد على نجاح الإضراب العام ليوم الجمعة الماضي، سوى نشر قوات التدخل السريع من عناصر الدرك والقوات المساعدة بجميع أنحاء تماسينت والدواوير المحيطة بها، كما شنت حملة على منازل أعضاء اللجنة بحثا عنهم، وطاردت المحتجين بالشوارع والجبال المحيطة بالقرية، في محاولة يائسة من السلطات لكسر الإضراب العام وإنهاء الاحتجاج، الذي رفع سقف مطالب المتظاهرين، لتشمل قطاعات اجتماعية واقتصادية وخدماتية.

رواية السلطات

أوضح مصدر من سلطات عمالة الحسيمة للجريدة، بأن التعزيزات الأمنية التي تم الدفع بها نحو قرية تماسينت يوم الجمعة الماضي، جاءت بناء على شكاية توصلت بها السلطات المحلية من الشركة، التي تعرضت آلياتها ووسائل عملها للحجز والإتلاف من قبل المتظاهرين، ما تسبب في توقيف ورش إتمام أشغال القنطرة بمركز جماعة إمرابطن وتزفيت الطريق التي تخترقها، حيث قامت القوات العمومية بإخلاء مكان الورش من المتجمهرين ومنعهم من عرقلة أشغاله، وشدد المصدر نفسه على أن السلطات والقوات العمومية ظلت تتابع بصبر الاحتجاجات التي عاشتها القرية بين الفينة والأخرى خلال مرحلة الحجر الصحي وحالة الطوارئ، تطلبت نهاية شهر يونيو الماضي تحركا للقوات العمومية من درك وقوات مساعدة، لمنع المحتجين من توجيه مسيرتهم نحو الطريق المؤدية إلى إمزورن، غير أن لجوء متظاهرين مؤخرا إلى عرقلة ورش من أوراش التهيئة بمركز تماسينت، وحجز آليات الشركة التي تقدمت بشكاية لدى السلطات، كلها عوامل عجلت بتدخل القوات العمومية لتأمين الورش وحماية المنشآت العامة.

من جانبه، نفى مصدر أمني ما راج من أخبار حول التدخل العنيف للقوات العمومية الجمعة الماضي، لتفريق المحتجين خلال تجمهرهم بوسط ورش قنطرة تماسينت، وكذا ما جاء في تصريحات وخرجات إعلامية للمتظاهرين بخصوص عمليات مداهمة البيوت، إذ نفى المصدر عينه وجود أي توقيف أو اعتقالات في صفوف المحتجين.

رواية السلطات نفاها المحتجون خلال الوقفة التي نظموها مساء أول أمس السبت بساحة “حدو أقشيش” القريبة من مقر القيادة وجماعة تماسينت، حيث اتهموا، عبر بلاغ لهم، السلطات المحلية والإقليمية بالحسيمة، بتوظيف شكاية المقاول لتبرير تدخلهم الأمني لتفريق المتظاهرين، وإصدار مذكرات بحث وطنية ضد المطلوبين لديهم الذين يقودون الاحتجاجات، فيما أشهروا خلال وقفتهم، ليوم أول أمس السبت، نفي مسؤول بالشركة التي يتحدر صاحبها من الريف، لواقعة وضع شكاية ضد المتظاهرين بتهمة عرقلة ورشها وإتلاف المحتجين لآلياتها.

إضراب عام ومسيرة الجمعة المقبل

هذا وحددت “لجنة الحراك الشعبي لتماسينت” مهلة لسلطات عمالة الحسيمة، تنتهي الخميس المقبل، قبل تنفيذ إضراب عام ثان ومسيرة شعبية وصفوها بالحاشدة، حيث اشترطوا لنزع فتيل الغليان والاحتقان، بحسب ما كشف عنه عضو اللجنة، أحمد المنصوري في كلمته خلال وقفة احتجاجية لسكان القرية أول أمس السبت، رفع الحصار الأمني عن القرية ومداخلها ودواويرها المحيطة بها، وإلغاء مذكرات البحث الصادرة ضد نشطاء اللجنة، والاستجابة للمطالب الاستعجالية للمتظاهرين، التي سلمتها اللجنة الممثلة لهم ضمن ملف مطلبي متكامل للسلطات المحلية الاثنين الماضي، بطلب من مصالح عمالة الحسيمة لترتيب جلسة للحوار، قبل أن يتفاجأ سكان تماسينت “بعسكرة” قريتهم.

آخر الأخبار الآتية من تماسينت تفيد أن وجود القوات العمومية من درك وقوات مساعدة، خفت بشكل كبير في مركز القرية وضواحيها، إذ عاد الهدوء إلى القرية في انتظار المهلة التي أعطاها المحتجون لسلطات عمالة الحسيمة التي تنتهي الخميس المقبل، حيث طالب نشطاء سياسيون وحقوقيون، من بينهم فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة، السلطات بالتفاعل مع هذه الاحتجاجات السلمية، وإبعاد المقاربة الأمنية في التعاطي مع احتجاجات تستوجب الإسراع بفتح حوار جاد ومسؤول مع سكان تماسينت الغاضبين على أوضاع قريتهم.

ويضم الملف المطلبي، الذي يوجد على طاولة مسؤولي عمالة الحسيمة وسلطاتها بتماسينت، شقا يهم مطالب ذات طابع استعجالي، حصرها المحتجون في أربع نقاط، أولها معالجة ملفات الأسر المستحقة لإعانات صندوق كورونا، وفتح تحقيق في توزيع السلطات للمساعدات الغذائية المخصصة من قبل الجماعات الترابية ومجلس الجهة، ثانيها حل مشكل تنقل السكان ما بين تماسينت وإمزورن بسبب التسعيرة المضاعفة، التي يبررها أصحاب سيارات الأجرة من الصنف الكبير بإجبارهم من قبل السلطات على احترام نصف الطاقة الاستيعابية للسيارة، ضمن التدابير الاحترازية لمحاربة انتشار فيروس “كوفيد-19″، فيما ربطوا مطلبهم الآني الثالث بالتحقيق في تعثر أشغال بناء سد على وادي “غيس” كلفت به مقاولة لقيادي من “البام”، وما تسبب فيه هذا التأخر في الإنجاز من معاناة للفلاحين مع ندرة مياه السقي، ورابعا مطالبتهم بإعادة الدراسة التقنية الخاصة بشبكة قنوات المياه الصالحة للشرب وشبكة التطهير، لما شابها من اختلالات أثرت على أهداف المشروع لتوسيع الشبكة وتعميمها على دواوير تماسينت، فيما أحيى المحتجون الملف المطلبي الذي سبق لهم أن وضعوه على مكتب الوالي السابق لجهة طنجة تطوان الحسيمة، محمد اليعقوبي، قبل انتهاء ولايته بهذه الجهة في فبراير 2019، حيث طالب سكان تماسينت حينها بمشاريع تنموية تنتج فرصا للشغل لامتصاص البطالة، وتأهيل البنية التحتية بالمنطقة من طرق جماعاتية، وفتح المسالك بين الدواوير المنتشرة على الجبال بضواحي تماسينت، إضافة إلى مطالب أخرى همت قطاع الفلاحة والتعليم والصحة والشبيبة والرياضة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي