بلال التليدي يكتب: مشي بعكاز واحد

17 يوليو 2020 - 17:30

كما كان متوقعا من قبل، في اللحظة التي بدأ المغرب يخفف من الحجر الصحي، برزت الأزمة، وبدأت الشركات المتضررة تطالب الحكومة بحصتها من صندوق تدبير جائحة كورونا، وترفع بطاقة حمراء في وجه الحكومة تلوح فيها بالإقفال، في حالة إذا لم تستلم هذا الدعم، وبشكل فوري، حتى تستعيد عافيتها ونشاطها الاقتصادي وتحافظ على جزء من القوى العاملة.

أقول هنا جزء، لأن الدعم الذي تطلبه هذه الشركات مجتمعة هو فوق مبلغ 15 مليار درهم، الذي أعدته الحكومة لإنقاذ هذه المقاولات وحفزها على استعادة نشاطها الاقتصادي، ولأن الحكومة لن تقدم أي دعم إلا إذا كان مشروطا بمحافظة هذه المقاولات على الحد الأقصى من القوى العاملة لديها.

المقاولات ستستعمل ما لا يحصى من الحجج، وستستعين بما حدث في كل بلاد الدنيا لكي تؤكد بأن المقاولات في كل الدول سرحت ما لا يقل عن 30 في المائة، وأن مقاولات المغرب المتضررة، تعاملت بشكل أكثر مواطنة، حينما قبلت مقايضة الحكومة بأن يكون الدعم مشروطا بالحفاظ على 80 في المائة من العمال.

لا نريد أن نناقش حجج هذه المقاولات، فبعضها اليوم يعاني حقيقة وضعا مأساويا جراء التوقف، وبعضها إلى اليوم، لايزال نشاطه التجاري والاقتصادي متوقفا، لا سيما قطاع السياحة والمهن المرتبطة به مثل النقل الجوي والبحري وغيره.

لا تملك أي حكومة عاقلة أن تفرض على هذه المقاولات المتضررة أكثر مما فرضت، ولا يمكن لهذه المقاولات أن تبقى مستمرة وتؤدي نشاطها الاقتصادي والتجاري دون دعم من الحكومة، فهذا لا غبار عليه.

لكن ماذا عن الصورة المقابلة، أي ماذا أعدت الحكومة للذين سيجدون أنفسهم بمقتضى هذه المقايضة في وضع تسريح عن العمل. وماذا عن الذين تضرروا إلى اليوم من قطاعات عديدة، ولكنهم لا يملكون قوة الضغط التي للشركات التي تجمعت لوبياتها لمقايضة الحكومة على الدعم أو إيقاف النشاط الاقتصادي والتجاري وتسريح كل العمال.

في الثلاثة الشهور الأولى للحجر الصحي بذلت الحكومة مجهودا في تقديم الدعم للعمال الذين أعلنت شركاتهم عن توقف نشاطها، وللذين يملكون بطاقة “راميد”، ولفئات أخرى هشة جرى تصنيف وضعها ضمن فئات هشة في القطاع غير المهيكل، وجرى فتح هامش للاستدراك بالنسبة إلى فئات أخرى لن يتم تصنيفها.

وزير الاقتصاد والمالية، بنشعبون، قال للبرلمانيين عند مناقشة القانون التعديلي لقانون المالية إن الاستمرار في دعم الأسر سيكلف 7.5 مليار درهم، أي أنه كان يتحدث عن الإكراهات التي تشكلها الدفعة الثالثة من الدعم، في حين أنه كان يتحدث باطمئنان عن تخصيص 15 مليار درهم، لدعم المقاولات.

تبدو هذه المقارنة ظالمة، لأنها تقارن الأسر بالمقاولات، وتغطي على حقيقة كون هذه المقاولات تحافظ على الاستقرار المادي لعدد هائل من الأسر.

لن ندخل في هذه المقارنة، فهي غير مجدية، لكن في المقابل، ينبغي أن نستحضر أن هناك فئات كثيرة بقيت من غير دعم، لأنها لم تجد تصنيفها، أو لا تعرف إلى اليوم سبب استثنائها وإقصائها، وينبغي أن نستحضر إضافة إلى ذلك أن 20 في المائة من المأجورين في عدد من الشركات المتضررة التي ستنال الدعم سيجدون أنفسهم في وضع تسريح كامل، وخارج التوصيف القانوني الذي يكيف النازلة باعتبارها طردا تعسفيا، هذا فضلا عن أن الدعم للأسر سيتوقف بعد هذه الدفعة التي كان وزير المالية، يحاجج البرلمانيين في كلفتها المرتفعة .

تركيب هذه العناصر، أن الشركات المتضررة ستجد بعضا من توازنها، بتلقي الدعم من الدولة وبتسريح خمس عمالها، لكن في المقابل، لن يجد هذا المجموع المركب من القوى الهشة أي دعم من الدولة، لا سيما وأن قضية السجل الاجتماعي جرى الحكم عليها بالإعدام (المؤقت)  من قبل وزارة الداخلية بحجة تجريد بعض الأحزاب من الاستغلال والكسب الانتخابي، أي أننا سنجد أنفسنا أمام معضلة خطيرة هي المشي برجل واحدة، هي المقاولات التي ترجى عافيتها الاقتصادية والتجارية، بينما العكاز الآخر، عكاز الشرائح المجتمعية الهشة، معطوب لا يملك  الحد الأدنى من القدرة الشرائية.

المشي بعكاز واحد، فضلا عن كونه معضلة، فإنه خطر على الاقتصاد، وعلى السياسة معا. خطر على الاقتصاد، لأنه لا ترجى عافية أي مقاولة في ظل توسع قاعدة الذين لا يملكون الحد الأدنى من القدرة الشرائية، فمن يشتري المنتج ويوسع سلة الاستهلاك، إن كانت شرائح واسعة من المجتمع تعيش حالة هشاشة اجتماعية خطيرة.

وخطير، أيضا، على السياسة، لأن توسع دائرة القوى المهمشة والمقصية من الدورة الاقتصادية، يؤثر حتما على الاستقرار والسلم الاجتماعي.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي