سعيدة الكامل تكتب: هل من فرج فيك يا عيد؟

28 يوليو 2020 - 00:29

غير زمن كورونا في أعياد المغاربة ما لم يغير أي زمن قبله، ألقى الفيروس الحجر (بتسكين الجيم) على عيد الفطر، وها هو عيد الأضحى على الأبواب،وفرحة استقباله يزاحمها الخوف.. خوف من انتشار العدوى بعدما تصاعدت أرقام الإصابات.. عيد بكمامة على الفم وحذر من الاقتراب، الأمر الذي يصعب في ثقافة الأعياد المحكومة بالقرب وتبادل التهاني والزيارات، لكن أشهر الحجر الصحي وما خلفته من آثار نفسية مجتمعية تحتاج إلى جرعة فرح باحتفاء جماعي.. تحتاج إلى عيد في كومة الضغط الاجتماعي والاقتصادي وما يصاحبهما من أجواء سياسية، فالأعياد أماني، والأماني ليست سوى أملٍ في فرح مستدام وفرج وانفراج.

يأتي هذا العيد وأمنية فرج سياسي تتكرر للمرة الثالثة.. أمنية أن يرى أهل الريف معتقلي حراكهم خارج السجون، وكما تتطلع الأعين إلى هلال العيد في السماء، تتطلع القلوب إلى عفو ينهي حزن عائلات، ويدخل الفرح إلىقلوب شيب وأطفال ممن ينتظرون طلة الولد أو الأب في العيد.. أمنية سبق أن خابت في أعياد، وتحقق بعض منها في أخرى، لكن الأمل يشتعل كلما بزغ نور عيد، وإن غلب اليأس، وإن غلب الإحباط، وإن عاكس الأمنية مايقوله العقل والظروف الواقعية. صار العفو أمنية عيد، والأماني تبقى أماني وأملا، ولولا الأمل ما احتملت أمهات وآباء وجع الغياب الطويل بحكم الأحكام التي صدرت، هل تستطيع أن تتخلى أم حُكم على ابنها بعشرين سنة سجنا عن هذا الأمل؟ أو أب أو زوجة أو طفل أو طفلة تنتظر أباها؟ لا يمكن، مهما خالفت الأمنية منطوق الواقع والمؤشرات، وإن نطقت الألسن بغير ذلك،فالقلوب تترجى أن يغلب العفو العقاب.

فاقمت الجائحة عسر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتقول الكثير من التحليلات إن الغضب الاجتماعي يتولد كلما ازداد هذا العسر، واحتمالات التعبير عن الغضب المستجد باحتجاجات هنا وهناك واردة بقوة، وترجي أي حلول يمكن أن تقدمها السلطة، ليصير العسر يسرا، حاضر، ويحضر معه التخوف من تكرار المقاربات الزجرية نفسها بدل الحوار، وبدل بناء جسور الثقة، التي قال كثيرون إن الجائحة وشكل تدبيرها كانا بداية بعثها من جديد، قبل أن تعود ارتسامات الخيبة لدى البعض فيما بعد، فهل ستفتح أبواب السجون، أم أبواب الحلول؟ وبأي مفتاح سيفتح عهد التعامل مع بؤر الاحتجاجات التي قد يخلفها عهد كورونا؟ بمفتاح القضاء والأحكام الثقيلة،أم بمفتاح الوساطات ورأب ذات الصدع.. بمنطق إدارة الصعوبات، وهيالمسؤولية التي يتقاسمها المواطن والدولة؟

تظهر الكثير من التجارب السياسية أن المجتمع الذي يشعر بأن الدولة تعبر عن إرادته الجمعية وتعكس اختياراته، لا يتعامل مع الأزمات بالأسلوب نفسهالذي قد يتعامل به مجتمع في خصومة مع الدولة، أو لا ثقة له في أنها تحميه، أو لا يرى فيها وجهه، في الأول، تحضر المواطنة، ويكون الصبر مشاركة في الحل، وفي الثاني يكون منطق: «كلها يلغي بلغاه»، ولا أحد يسمع الآخر، لأن شعور الانتماء والمسؤولية نابع من شكل تدبير العلاقة بين المواطن والدولة، وأسوأ ما قد يكون هو أن تربط بين الطرفين علاقة حقد؛مجتمع يحقد على الدولة ويراها مفروضة عليه، ودولة تحقد على كل من تجرأ على التعبير عن عدم رضاه بشكل من أشكال الاحتجاج، سواء كانت مظاهرات في الشارع، أو تدوينات بالفضاء الأزرق، أو تعابير أخرى. الحقد مدمر للمجتمعات وللدول، فكل طرف يرى أن الآخر هو سبب حالة العسر أو غياب الفرج، ويريد أن يهزمه.

وكما هي العلاقات بين الأفراد تستمر بالتسامح وبالتفهم المتبادل، وبالوضوح في معالجة العثرات وسوء التفاهمات، كذلك يمكن أن يكون تدبير الاختلاف بين الدولة والمجتمع وتعبيراته في لحظات الغضب. هناك جملة رددها الصحافي حميد المهداوي لحظة خروجه من سجنه وهو يتساءل: لماذالم يشفع له أي شيء وأمضى ستة وثلاثين شهرا من المعاناة؟ ليضيف المهداوي بلسان حكمة مغربية: «اللي غلب يعف»، والعفة تكون عفوا وتسامحا، وتحكما في الغضب بشكل لا يأتي على الحابل والنابل، والآن والعيد على الأبواب لا تغيب هذه الحكمة عن الأذهان، فعشرون عاما ليس حكما لهزيمة مواطن، بل إعلان هزيمة دولة أمام معركة تدبير الاختلاف والأزمات، وكما تتكرر الأماني وإن كانت ساذجة كل عيد، يبقى العفو عن معتقي حراك الريف ومعتقلي الرأي دائما أمنية العيد، فهل من فرج فيك يا عيد؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي