إسماعيل حمودي يكتب: سلاما لبيروت

07 أغسطس 2020 - 18:00

الانفجار الغامض الذي هزّ العاصمة اللبنانية بيروت كان كارثة بكل المقاييس، فقد أودى، حسب معطيات رسمية غير نهائية، بحياة أزيد من 140 قتيلا، و5 آلاف من الجرحى، و300 ألف شخص بلا مأوى، فضلا عن خسائر مادية تقدر بأزيد من 15 مليار دولار. كارثة ستُعمق، ولا شك، من أزمة لبنان الذي أصبح، أو يكاد، دولة فاشلة، بسبب الحصار الذي تضربه حوله أكثر من قوة إقليمية ودولية.

لم تُعرف بعد أسباب الانفجار، وهل هي نتيجة تهاون في تحمل المسؤوليات داخل ميناء بيروت، أم هو تفجير مدبر من لدن قوى طائفية لبنانية أو من لدن «إسرائيل»، أو حتى أطراف أخرى في الإقليم، ويبدو أن تفكيك اللغز يحتاج إلى تحقيق دولي، كما دعا إلى ذلك فؤاد السنيورة، رئيس وزراء لبنان السابق، بدل تحقيق محلي فقط.

لكن، ما هو ملاحظ أن الانفجار جاء قبل 48 ساعة من كشف نتائج التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، كما حصل في سياق تفجيرات إسرائيلية مماثلة في سوريا، وكذا مناوشات بين إسرائيل وحزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، وبعد أسبوع من اعتراض سلاح الجو الأمريكي طائرة مدنية إيرانية فوق الأجواء السورية زعم الأمريكيون أنها كانت تحمل أسلحة إلى حزب الله، ناهيك عن تفجيرات مماثلة في العاصمة الإيرانية طهران، وأخرى استهدفت منشأة «نطنز» النووية، يُرجح أن إسرائيل وأمريكا تقفان وراءها.

تلك مؤشرات قد تقود إلى أدلة، ففي حال جرى تحقيق نزيه وشفاف حول أسباب الانفجار، فقد تكون الكارثة نتيجة تهاون في تحمل المسؤوليات، وهو ما يدل عليه الاحتفاظ بـ2750 طنا من نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، كما يقول خبراء، ظلت مخزنة منذ 2014 في الميناء، وانفجرت نتيجة حريق شبّ في المخزن أو قريبا منه، لكن استحضار المؤشرات التي ترجح أن الانفجار مدبر، إضافة إلى تصريحات إسرائيلية، إحداها تغريدة لـ«أفيخاي أدرعي» العام الماضي، تزعم أن حزب الله يستعمل ميناء بيروت لنقل أسلحة إيرانية، كلها تعزز فرضية أن ما جرى هو تفجير مدبر من لدن «إسرائيل» أو غيرها. أما الفرضية الأسوأ، فهي أن يكون حزب الله نفسه وراء الانفجار، وهو ما نفاه رسميا.

لكن تلك أسباب مباشرة فقط للانفجار الذي جعل من بيروت مدينة منكوبة، كما أقر بذلك رئيس لبنان، هناك أسباب أعمق، تتعلق أساسا بالأوضاع المتداعية في لبنان والناتجة عن الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي، الذي أسّسه اتفاق الطائف سنة 1989، وأدى إلى واقع مهلهل في لبنان، ترتبط فيه كل القوى اللبنانية المحلية بأطراف إقليمية أو دولية، وهو الوضع الذي أدى إلى إضعاف الدولة والمؤسسات، التي انقسمت وضعفت أكثر منذ اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق، في فبراير 2005، بين قوى 8 مارس المكونة من حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، وبين قوى 14 مارس المكونة من تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب.

تهميش مؤسسات الدولة اللبنانية أضحى واقعا أمام قوة السلاح الطائفي لحزب الله، بل إن هذا الحزب جعل من كل لبنان رهينة لديه، وقد تفاقم ذلك أكثر منذ انخراطه في الحرب السورية دفاعا عن نظام بشار الأسد، في الوقت الذي استكانت فيه الأطراف اللبنانية الأخرى إلى هذا الوضع، فلا هي قادرة على الوقوف في وجه الحزب المسلح، ولا هي قادرة على ممارسة مسؤولياتها السياسية من داخل مؤسسات الدولة المهلهلة. وقد عمقت الأزمة السياسية من الأزمة الاقتصادية، التي تعود، حسب اقتصاديين، إلى الفساد، وفوائد ديون إعادة الإعمار بعد اتفاق الطائف، وإلى العقوبات الأمريكية على حزب الله وبعض قادته، وأيضا إلى تراجع الدعم والمساعدات الخليجية. هذا الوضع المفكك والرخو هو ما انتفض ضده اللبنانيون في احتجاجات 17 أكتوبر 2019، والذين طالبوا برحيل الطبقة السياسية بكل مكوناتها (كلن يعني كلن)، وتجاوز النظام الطائفي، ومحاربة الفساد المستشري.

انفجار بيروت لم يكن انفجار مخزن في ميناء حيوي فقط، رغم الضحايا والخسائر الهائلة، ورغم أنه شريان الحياة لكل لبنان، بل هو دلالة على انفجار وضع سياسي واقتصادي كامل في لبنان والمنطقة العربية، ذلك أن التاريخ الراهن يقول لنا إن لبنان يكون بخير فقط عندما تكون أمته العربية بخير، ويسقط في المطبات والرزايا إذا كانت أمته تائهة، منقسمة ومنهكة، وذلك هو واقعها اليوم.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواطن منذ 3 سنوات

الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي، لم يأسّسه اتفاق الطائف سنة 1989 بل كرَّس واقعا بنيويا استرسل منذ "ولادة" لبنان على يد "القابلة" فرنسا.

التالي