سعيدة الكامل تكتب: المؤامرة الكبرى!

17 أغسطس 2020 - 13:08

ليس غريبا عن الفكر البشري منذ القدم احتلال الأفكار الساحرة والغامضة مكانة في تفسير الظواهر وتحديد سلوك الإنسان تجاهها، بل وليس غريبا عن العلم نفسه أن يتأثر بالوسط اللاعلمي، وأن تتسرب إلى المختبرات معتقدات العالِم سواء الدينية أو الثقافية. إذا انطلقنا من هذا المعطى يمكن أن ننظر إلى ما يشاع من تأويلات حول فيروس كورونا المستجد بعين تحليل بارد، ولعل أبرزها تلك الآراء التي تنفي وجوده، وتقول إن شيئا خفيا يحدث في العالم، وإنه ربما هناك أياد خفية تخطط لشيء كبير سيظهره الزمن عاجلا أم آجلا، والمفارقة في هذا النوع من التفكير، الذي يدعي علمه بما لا يعلمه عامة الناس، هو أنه التفكير الأكثر شيوعا بين الناس، حتى وهم يرتدون الكمامات، فما إن تأتي أول فرصة للحديث حول هذا الداء الغامض، إلا وقالوا بمنتهى الوضوح والوثوق إن كورونا خدعة سينمائية، وإن هناك أمرا ما جللا وشريرا يروم من وراءه الساسة الكبار في العالم شيئا، وما المغرب إلا مغلوب على أمره يقولون له قل إن هناك كورونا، فيقول نعم هناك كورونا.

محاولة البحث الأولية في الخلفيات وراء هذا النوع من التفكير ستقودنا إلى ما هو مشترك بين بني الإنسان فوق الأرض، وهو الميل إلى الأفكار التي لها جاذبية الغموض والمؤامرة، لكن أمام الوباء صارت نظرية المؤامرة مؤامرة كبرى بحجم المعمور، تزحلقت على قشرة موزها أصوات سياسية ببلدنا، من قبيل السيدة نبيلة منيب رئيسة حزب يساري به ما تيسر من نخبة من المثقفين المحترمين، وأستاذة البيولوجيا، وكذلك ساسة آخرون يسرون لك، ولا يعلنون، بموقف مماثل. ميل العقل البشري إلى ما هو خفي كان قد سماه الفيلسوف والعالم غاستون باشلار بـ«أسطورة الباطن»، وهو يعتبر أنها تشكل إحدى السيرورات الأساسية في التفكير اللاشعوري الأكثر صعوبة في التجاوز، وهو يبحث في دينامية العقل العلمي وما قد يعتريه من عقبات أو مظاهر التعطل والنكوص التي تحدث في سير تاريخ العلوم، وتتمثل «أسطورة الباطن» هذه، التي اعتبرها من العوائق الإبستمولوجية في تطور المعرفة العلمية، في الاعتقاد بأن هناك في الظاهرة جانبا خفيا أو مختفيا، وهو ما أكده باشلار في كتابه «تكوين العقل العلمي»، موجزا أن هذا العائق والتفكير ما قبل العلمي، عموما، يوحد في مسألة الجوهر الخفي «كل الخصائص المتنوعة منها والعميقة، الظاهرة منها والخفية».

قد يكون من التعسف نقل مفاهيم فكك بها باشلار ما يعيق تطور المعرفة العلمية من الداخل لسبر ما يعتمل خارج حقل العلم من أفكار تعيق اقتناع الناس بأمر علمي، لكن الخيط الناظم بين الأمرين هو أنه في مرحلة كورونا لايزال ميدان العلم نفسه لم يرس بسفينته على بر حقيقة علمية يقينية تحسم بشكل نهائي كل طرق العدوى بكوفيد19، وما الذي يجعلها أسرع من عدوى باقي فيروسيات البرد والأنفلونزا، وهو ما أظهرته الأبحاث المتضاربة، بل وحتى التصريحات المتناقضة لمنظمة الصحة العالمية، وهو أمر طبيعي في كل اكتشاف جديد لم يعهده العلماء من قبل، إلا أن نموذج ما سماه باشلار بـ«المماثلة» يمكن استدراجه لتفسير ما يحوم في أوساط غير العلماء من أفكار، وهي، على كل حال، ناتجة عن محاولة نشر أفكار علمية حول الفيروس عبر قنوات الإعلام وغير المختصين، وكان يقصد باشلار بالمماثلة تلك التعميمات الزائفة التي تقود إلى مماثلات زائفة بين الظواهر تُزدرى فيها التفاصيل، وتشبهها في زمن كورونا سيادة فكرة أن كورونا ليست أخطر من الزكام، وأن الزكام يقتل أكثر، وهي لا تخلو من وجاهة نسبية بالنظر إلى ما يقوله المختصون حاليا، لكن ما يجعلها فكرة تعويمية قد تصير قاتلة هو ذلك التعميم الاستسهالي الذي يجعل من الفيروس المستجد شيئا عاديا، مع إغفال تفصيل بسيط وفاصل وهو أن الصيدليات ملأى بالأدوية، والطب البديل كذلك أورد وصفات لعلاج الزكام الاعتيادي.. في حين أن العالم لايزال يتخبط حول العلاج الأكثر فعالية والأقل ضررا لفيروس كورونا، ولايزال جدل اللقاح ومن سينتجه ويدخله السوق أولا قائما.

ويبدو أن نكران كورونا أو ربما التبخيس من خطره أمر فطنت إليه السلطات الصحية، فصارت بعض الوصلات التحسيسية بالتلفزيون المغربي تحمل عبارة «كورونا مازال كاينة»، دون إغفال مسؤولية السلطات عموما في انتشار هذه الأفكار غداة رفع الحجر الصحي دون إرفاقه بحملة تحسيسية قوية تجعل الناس يعون أن العودة لاستئناف الحياة دون الحاجة إلى ترخيص للخروج من البيت لا تعني أن زمن كورونا قد انتهى، ومن الأسئلة التي يثيرها المشككون حول الوفيات: هل مات أحد من مقربيك بكورونا؟ وكيف عرفت أنه مات بكورونا؟ للوهلة الأولى قد تبدو التساؤلات التشكيكية كأنها إرهاصات تفكير نقدي يجتاح المجتمع، والذي يعد الشك في اليقينيات أحد أسسه، غير أن الاستفاضة في مجادلة أصحاب هذه «الحجج» تظهر أن الأزمة عميقة، ولها طابعها الخاص في بيئتنا، وهو فقدان الثقة في الخطاب الرسمي والتشكيك فيه، حتى وإن تعلق بالصحة العامة وبالحياة، لكن، ليس بممارسة تفكير نقدي إيجابي يبني الفرد المواطن، بكل ما تحمله كلمة المواطنة من مضمون فلسفي وسياسي. فقدان الثقة قد يقتل، وارتداء الكمامات خوفا من السلطات، فقط، كما يقول كثيرون، دون الاقتناع بخطورة الظرفية الصحية الوبائية، أمر يفاقمه تغييب النقاش العمومي في الفضاء العمومي، وعدم فتحه أمام كل مشارب الرأي، سواء العلمية أو الفكرية أو السياسية أو الحقوقية التي لها رأي حول تدبير الجائحة، أما الاستفراد بالخطاب وبمنصة الخطاب فلا يمكن أن يؤدي إلا إلى أن يغني كل على ليلاه، وهو ما يعززه ما نعيشه اليوم من ارتفاع في أعداد الإصابات والوفيات.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

غادل منذ 3 سنوات

معك حق. كل ما ذكرتيه هو عين العقل و الصواب و الحقيقة التي لا ينكرها سوى أحمق و مجنون. ليست هناك لا مؤامرة و لا هم يحزنون، بل مجرد تخيلات و تهيؤات من عقول جاهلة و متخلفة. فيروس كورونا يقتل الناس و هو خطير و الدولة تحبنا و تخاف علينا و تحمينا من هذا الخطر. لهذا يجب أن نصدق كل ما يقولنه لنا بدون تردد لأنهم يفهمون أحسن منا و يعرفون أكثر منا. يجب أن نمتثل لأوامرهم كما تمتثل الأضحية للجزار، لم لا و هم لا يريدون سوى الخير لنا و كامل الصحة، أما الذين يقولون أن هناك مؤامرة أو أن الفيروس تم صنعه و من صنعه لديه اللقاح كما قالت نبيلة منيب فهم أغبياء، تماما كالعلماء العاملين في مختبر هندي الذين اكتشفوا بأن الفيروس يوجد به آثار من فيروس السيدا، لتتدخل عالمة أخرى من أستراليا و تحسم بأن هذا الأمر لا يمكن أن تفعله الطبيعة في ظرف وجيز، لكن التقرير الهندي الذي ظهر في موقع المختبر تم سحبه لولا أن الهاكرز تمكنوا من الحصول عليه و لدي شخصيا نسخة منه و هو واضح حتى بالنسبة للذين لا علاقة لهم بعلم الفيروسات. لهذا وقعت مناوشات على الحدود بين الصين و الهند، لأن الهند تملك الدليل القاطع على أن الفيروس صنع في الصين بتمويل من جورج سوروس ممول الحزب الديمقراطي الأمريكي. لكن لا تقلقي كل هذا مجرد تهيؤات و تخيلات لا أساس لها في الواقع. في الأخير أشكرك على هذا المقال الذي يفتح الأعين و يرفع ضغط الوعي إلى أقصى درجة، متمنيا لك نوما هادئا و أحلاما رائعة.

التالي