عبد الحق بلشكر يكتب: عودة المغرب للملف الليبي

15 سبتمبر 2020 - 18:00

سجل المغرب عودة مهمة للملف الليبي بعدما هدأت الحرب وتراجعت أصوات المدافع، واقتنعت الأطراف الليبية بأنه لا حل إلا بالمفاوضات بعيدا عن التدخلات الدولية والإقليمية. تابعنا كيف سعت أطراف دولية إلى إقصاء المغرب من مؤتمر برلين، وكيف جرى ترويج نهاية اتفاق الصخيرات، لكن، ها هو المغرب يعود ليعطي فرصة جديدة سانحة لليبيين للتوصل إلى حل ينهي الانقسام السياسي، ويضع حدا للأطماع الأجنبية. جمعت الرباط طرفي الأزمة في منتجع الباهيا قرب بوزنيقة ما بين 6 و10 شتنبر، وهيأت لهما الظروف للحوار للخروج باتفاق مهم يرمي إلى توحيد المؤسسات السيادية الليبية، في خطوة أولى في سبيل تحقيق اتفاق سياسي شامل. لم يكن سهلا جمع وفدين يمثلان كلا من مجلس النواب في طبرق، والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس بعد أكثر من سنة من الحرب المدمرة، التي تسبب فيها الجنرال حفتر، والتي تسببت في تدخلات دولية متشعبة، كما لم يكن سهلا العودة إلى طاولة الحوار، بعد ترويج أطراف دولية وإقليمية وحتى ليبية أن اتفاق الصخيرات انتهى ولم يعد مرجعا. فمجرد النجاح في جعل الطرفين يجلسان إلى طاولة المفاوضات يعد إنجازا مهما وخطوة في سبيل العودة إلى الحوار السياسي. وقد تابعنا كيف أن بعض الأصوات شككت في إمكانية التوصل إلى اتفاق، وهناك من شكك حتى في تمثيلية الوفدين، وجرت مساعٍ لإفشال اللقاء، سواء من هذا الطرف أو ذاك. لكن المغرب تعامل بحنكة مع الملف الذي يعرفه عن قرب، وذلك من خلال توجهين؛ يتمثل الأول في التركيز على رئيسي مؤسستين لهما مكانتهما في ليبيا، وهما مجلس النواب ومجلس الدولة. فكلاهما نتجا عن اتفاق الصخيرات سنة 2015، ويملكان الشرعية للتفاوض باسم الشعب الليبي للتوصل إلى حل ينهي الانقسام. ولهذا، استدعى المغرب كلا من عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، لزيارة الرباط في اليوم نفسه في 27 غشت. ورغم أن الطرفين لم يلتقيا، فإنه كان واضحا أن اللقاء كان تحضيريا للقاء بوزنيقة. فبمجرد ما عادا إلى ليبيا، عينا من يمثلهما في الحوار الليبي في بوزنيقة.

أما التوجه الثاني، فتركز حول موضوع المفاوضات. فقد كان بديهيا أن المفاوضات السياسية للتوصل إلى حل شامل لن تنجح بسهولة، لأنها تتطلب وقتا أطول وتحضيرات كبيرة، خاصة بعد التعقيدات التي دخلتها الأزمة الليبية. ولكن بالإمكان التفاوض على بعض التفاصيل في اتفاق الصخيرات، والتي وقع بشأنها خلاف وأدت إلى الانقسام، ويتعلق الأمر تحديدا بالمادة 15 من الاتفاق الذي وقع قبل خمس سنوات في الصخيرات غير بعيد عن بوزنيقة.

تنص هذه المادة على التشاور بين مجلس النواب ومجلس الدولة حول التعيين في المناصب السيادية السبعة، وهي محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام. وتضاف إليها المؤسسة الوطنية للنفط. فهذه المؤسسات حاليا منقسمة بين الشرق والغرب، ولا تقوم بدورها، ما انعكس سلبا على سير الدولة وعلى سوء الخدمات التي تضرر منها الشعب الليبي. وقد أجمعت تصريحات الطرفين الليبيين على أن عدم قيام هذه المؤسسات بدورها أدى إلى الفساد وهدر المال العام وسوء الخدمات. ولهذا، فإن التوصل إلى اتفاق شامل حول معايير التعيين في هذه المناصب يعد خطوة مهمة، يمكن أن تليها خطوات أخرى في اتجاه الحل السياسي الشامل. ولهذا، جاء في بلاغ طرفي الحوار الليبي دعوتهما المشتركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى دعم جهود المملكة المغربية الرامية إلى توفير الظروف الملائمة، وخلق المناخ المناسب للتوصل إلى «تسوية سياسية شاملة في ليبيا»، وهي تسوية يرى المغرب أنها لا يمكن أن تكون إلا ليبية، لأن التدخلات الخارجية لا تزيد الوضع إلا تفاقما، لأن الخيار العسكري لم ينتج سوى الدمار، وبالتالي، فالحل المطروح سياسي يقوم على أساس الاتفاق على دستور والتحضير للانتخابات، لإفراز حكومة وطنية ومؤسسة تشريعية. إنها تسوية ممكنة إذا صدقت النوايا، وجرى تغليب المصلحة الوطنية الليبية. وستكون هناك فرصة للمضي قدما في تطبيق اتفاق بوزنيقة خلال لقاء الليــبيين المقـــبل نهاية هذا الشهر في المغرب.. ولم لا يكــون المغرب أرضا لاحتضان المفاوضات السياسية المقبـــلة لإنهاء الأزمة التي عمرت تسع سنوات؟.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي