حكم مثير.. السجن موقوف التنفيذ لرئيس بلدية باع عقارات جماعية

19 ديسمبر 2020 - 20:40

 بعد مرور أكثر من سنتين و8 أشهر على إدانتهما ابتدائيا من لدن غرفة الجنايات الابتدائية المختصة في جرائم الأموال باستئنافية مراكش بسنة واحدة حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 50 ألف درهم (5 ملايين سنتيم)، عادت غرفة الجنايات الاستئنافية بالمحكمة نفسها، برئاسة القاضي حسن عقيلة، وأصدرت قرارا استئنافيا، أول أمس الخميس، قضى بتعديل الحكم الابتدائي المذكور بجعل العقوبة الحبسية موقوفة التنفيذ في حق كل من الرئيس السابق لبلدية «آيت داود» بإقليم الصويرة، سعيد أشالة، ورئيس جماعة بوزمور بالإقليم ذاته، سعيد الشاذلي، وبسقوط الدعوى العمومية للوفاة في حق محمد أشالة، والد المتهم الأول والرئيس السابق لجماعة «آيت داود» بين 1983 و2003.

وسبق للمركز القضائي التابع للدرك الملكي بتمنار أن أنجز أبحاثا تمهيدية، بين سنتي 2012 و2015، بشأن شكاية تقدم بها مجموعة من سكان جماعة «آيت داود» لدى وكيل الملك بابتدائية الصويرة، يتهمون فيها رئيس جماعة «بوزمور» بالاستيلاء على عقارات جماعية تابعة لبلديتهم، عبارة عن دور سكنية ودكاكين وبقعة أرضية، والتي أقدم على كراء بعضها بيع عقارات أخرى، مشيرين إلى أن الرئيس السابق لبلديتهم خلال الفترة الانتدابية بين سنتي 2003 و2009، سعيد أشالة، عمد إلى حذف هذه العقارات من سجل الممتلكات الجماعية دون سند قانوني، منذ سنة 2005، قبل أن يبيعها والده، محمد أشالة، إلى رئيس جماعة «بوزمور» بموجب عقد مصادق عليه تحت عدد 321، بتاريخ 2 ماي من سنة 2008.

وقد وجّه الوكيل العام بمراكش، بتاريخ 21 دجنبر من 2015، ملتمسا إلى قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة المكلفة بجرائم الأموال، يوسف الزيتوني، من أجل إجراء تحقيق إعدادي ضد المشتكى بهم الثلاثة، قبل أن يصدر القاضي الزيتوني، بتاريخ 14 نونبر 2016، أمرا بإحالتهم على المحاكمة، خالصا إلى أن التحقيق الإعدادي أنتج أدلة قوية على ارتكاب المتهمين محمد وسعيد أشالة جناية «تبديد أموال عامة موضوعة تحت يديهما بمقتضى وظيفتهما»، موضحا أن المتهمين توليا رئاسة جماعة «آيت داود» خلال فترات انتدابية مختلفة، وفي عهدهما جرى تبديد ممتلكات جماعية، الأمر الذي يتعين معه متابعتهما بالجناية المذكورة، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة الأولى من المادة 241 من القانون الجنائي.

وتابع قاضي التحقيق المتهم الثالث، سعيد الشاذلي، الذي يرأس مجلس جماعة «بوزمور» منذ سنة 1992، بجناية «المشاركة في تبديد أموال عامة موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته»، طبقا للمادة 129 والفقرة الأولى من المادة 241 من القانون الجنائي، موضحا أن عناصر المشاركة تتجلي في المساعدة التي قدمها لرئيسي جماعة «آيت داود»، من خلال اقتنائه منهما ممتلكات جماعية بواسطة عقود شراء بالتواطؤ فيما بينهم، بالرغم من علمهم جميعا بأنها عقارات جماعية.

 وقد عقدت غرفة الجنايات الابتدائية الخاصة بجرائم الأموال، برئاسة القاضي أحمد النزاري، أولى جلسات المحاكمة الابتدائية، بتاريخ 16 مارس 2017، قبل أن تقضي في الجلسة الـ12، بتاريخ 4 أبريل 2018، بسقوط الدعوى العمومية في حق المتهم محمد أشالة لوفاته، والذي كان توفي قبل صدور القرار الابتدائي، وبإدانة المتهمين سعيد اشالة وسعيد الشادلي بما نُسب إلى كل واحد منهما، ومعاقبة كل واحد منهما بسنة واحدة حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها خمسون ألف درهم.

أما خلال المرحلة الاستئنافية، فقد استغرقت المحاكمة 20 جلسة، التأمت أولاها بتاريخ 30 ماي 2019، قبل أن تنتهي بإصدار الحكم الاستئنافي الذي أثار جدلا حقوقيا، إذ اعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن غرفة الجنايات الاستئنافية، ورغم خطورة هذه الأفعال، قضت بإلغاء حكم غرفة الجنايات الابتدائية، وبتحويل العقوبة الحبسية النافذة إلى موقوفة التنفيذ.

وتساءل الغلوسي، في تدوينة على صفحته الفايسبوكية، كيف يمكن أن يساهم القضاء في تخليق الحياة العامة والتصدي للفساد بإصدار عقوبات موقوفة التنفيذ في جرائم خطيرة تمس المجتمع برمته، وتهدد حقه في التنمية، خاصة في جماعات منسية وعلى هامش التاريخ والجغرافيا قدرها أن تُنهب ويفلت ناهبوها من العقاب؟ وتابع أن الوقائع المتعلقة بهذه القضية تبيّن أن البعض تجاوز كل الحدود القانونية والأخلاقية، وفوّت ممتلكات الجماعة في واضحة النهار دون حسيب ولا رقيب، مشيرا إلى أن هذه القضية كشفت للجميع كيف يتعامل بعض القضاة مع جرائم الفساد ونهب المال العام، لافتا إلى أن جماعة «آيت داود» أو أي جهة أخرى لم تنتصب طرفا مدنيا للمطالبة بإبطال عقود التفويت والكراء واسترجاع ممتلكات الجماعة، والمطالبة بالتعويض عن كل تلك الأفعال الخطيرة.

وقال الغلوسي، في تدوينة أخرى: «صدقوني، حاولت أن أستوعب هذا الذي يحصل دون جدوى، خجلت من نفسي ولا أدري ماذا أقول.. هناك من يسعى إلى قتل كل الأمل في المستقبل، ويبعث رسالة طمأنة واضحة لناهبي المال العام والمفسدين»، متسائلا بصيغة الاستغراب: «ماذا كان سيحصل لو تعلق الأمر بمواطنين بسطاء أو نشطاء حقوقيين أو صحافيين؟».

هذا، وسبق لفرع الجمعية نفسها في مراكش أن وجّه شكاية إلى وزير العدل، بتاريخ 24 يوليوز 2017، طالب فيها بفتح تحقيق بخصوص ملابسات وظروف صدور أحكام قضائية عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بمراكش، مستدلا على ذلك بملف سوق «الحرية» بانزكَان، وملف ثانٍ توبع فيه الرئيس السابق لبلدية المدينة عينها، محمد أملود، ومتهم آخر، وقضية ثالثة متعلقة بشركة «سيتي وان» بمراكش.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي