بلال التليدي يكتب: ماذا بعد تحقيق هدف إزاحة العدالة والتنمية؟

09 يناير 2021 - 07:00

ثمة طيف واسع من قواعد العدالة والتنمية يرى أن شعبية هذا الحزب تراجعت بسبب مواقفه في ثلاث محطات أساسية، في اللحظة التي قبل فيها بدخول الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، فخسر بذلك معركته من أجل الديمقراطية، وفي اللحظة التي صوت فيها لصالح فرنسة التعليم، وفي اللحظة التي وقع أمينه العام على اتفاق الرباط، المتعلق بعودة العلاقات مع إسرائيل.

لا يهمني في هذا المقال تقييم هذه المواقف، ولا النظر في حيثياتها، فثمة نخب كانت تنتقد على الحزب هيمنته على المشهد السياسي، ورفضه للانفتاح، وتغليبه مصلحة الحزب على مصلحة الوطن، هي التي تقوم اليوم بحملة سياسية والإعلامية منظمة لاستنزاف هذا الحزب على خلفيات مواقفه الثلاثة السالفة.

تناقض مسلكيات هذه النخب، يظهر أنها غير معنية بالمطلق بترشيد هذا الحزب وتطوير خطه الفكري والسياسي، وإنما يدفعها مقصد إزاحته عن موقعه السياسي الراهن، إلى استثمار ما تراه موضوعا صالحا لأي حملة إعلامية ضده.

لنمضي مع هذه النخب، ومن يديرها، إلى المدى الأبعد، ولنفترض أن حملتها نجحت، وأن الحزب ارتكب أخطاء، ضاعفت من عدد موضوعات الحملة الإعلامية المفترضة، ولنفترض أن هذا الحزب قد بلغ مداه، وانتهت مهمته.

لنفترض هذا السيناريو، ولنتساءل: هل تحقيق هذا الهدف سيحل المشكلة؟

ثمة نخب تحمل قناعات في السياسة، يرهن رؤيتها بهدف مخصوص محدد في الزمن، فما يهمها هو تحقيقه، أما ما ينتج عنه، وما يتعلق بسؤال تدبير واقع ما بعد هذا السيناريو، فالمنطق الذي تتبناه هذه النخب هو: “لكل حادث حديث، نحقق الهدف، وبعدها نهيئ الجواب عن هذا السيناريو”.

المنطق اليومي أو تدبير المشكلات بمنطق: “دعها حتى تقع”، لا يلتقي مطلقا مع منطق السياسة، الذي يقرأ مقومات الاستقرار السياسي، ومآلات تحريك المعادلات وتغيير قواعدها دون وجود بدائل يمكن الاستناد إليها، لاسيما في هذه الظرفية الحاسمة، التي تتطلب أعلى مستويات تماسك الجبهة الداخلية.

المشكلة أن القليل من انتبه إلى حركية ودينامية شبكات التواصل الاجتماعي بعد توقيع رئيس الحكومة الدكتور سعد العثماني على اتفاق الرباط، ففضلا عن الحملة الإعلامية المنظمة التي وجهت ضد العدالة والتنمية من قبل حركات إسلامية في الداخل والخارج، ومن قبل نخب إعلامية في الداخل مشغولة باستنزاف شعبية هذا الحزب، فقد خرجت العدل والإحسان من عزلتها السياسية، وفكت جزءا مهما من عقدتها، وأعادت لغتها الراديكالية الموجهة ضد الدولة وضد العدالة والتنمية، وخلت الساحة بالمطلق من أي صوت، فلم ترصد أي تعبيرات من قبل أي منافس سياسي يمكن أن يملأ الفراغ، أو يعزز المقاربة الوطنية، أو يواجه الراديكالية، والتقت أطروحة العدل والإحسان مع حملات النخب التي تخصصت في إضعاف العدالة والتنمية، وتقليص أسهمه في سوق السياسة.

تهمني بشكل أساس المجادلة في سيناريو ما بعد إضعاف العدالة والتنمية، وما بعد إزاحته، وشيطنته وقطع صلته بالحركات الإسلامية، أو بالفعل الإصلاحي.

من المحتمل جدا أن يتحقق هدف تطويع العدالة والتنمية وترويضه، ومن المحتمل أيضا أن يصير مشابها للاتحاد الاشتراكي في نسخته الحالية، فيدخل الحكومة المقبلة مستنزفا، وفاقدا لأي مقدرة سياسية، لكن، هل سيكون مصير أتباعه مشابها لمصير مناضلي الاتحاد، الذين غادروا السفينة، ووضعوا مسافة بعيدة عنه؟ أم سيكون مصيرهم مختلفا؟ وهل ستبقى العدل والإحسان حبيسة عزلتها السياسية؟ أم أنها ستجد الفرصة المناسبة لفك مأزقها السياسي، والتقدم خطوة إلى الأمام؟

تجربة الإسلاميين المختلفة تبين أن خياراتهم بعد حصول مثل هذه السيناريوهات، هو البحث عن قيادات جديدة لتجديد شرعية الحزب الإصلاحية والديمقراطية، أو وضع خط المشاركة السياسية بصيغته الراهنة موضع المساءلة.

الخيار الأول ممكن وتوجد بعض مؤشراته، وهو مفيد للتجربة الديمقراطية في المغرب ولا يضر بمعادلة الاستقرار السياسي. أما الثاني، فله أفقان، أفق التحلل من البراديغم الحركي، وتبني صيغة الدعوة الفطرية (صيغة فريد ألأنصاري)، أي العودة للمواقع الدعوية بعيدا عن السياسة، وهذا الأفق هو الآخر غير مربك للوضع السياسي، وإن كان سيزكي موجة الرفض للمظاهر المنافية للتدين، بما يقوي المنطق المرجعي والهوياتي على حساب المنطق البراغماتي، مما يعني مزيدا من الاصطفاف المجتمعي على خلفية قضايا الهوية والمرجعية ونصرة قضايا الأمة، أما الأفق الثاني، فهو ترك الفراغ لتمدد الراديكالية، وهو الأفق الخطير، الذي من الممكن أن تغذيه الشروط الاجتماعية والاقتصادية الراهنة.

ينبغي ألا ننسى أن العدل والإحسان عاشت أزمة رؤية 2006، وحاولت فك عزلتها وأزمتها بالتداعي لميثاق جامع سنة 2007، ولم يجد آذانا صاغية، لكنها، في لحظة حراك 20 فبراير، خرجت من عزلتها، محاولة ملء المكان لولا التقاء الإرادتين الإصلاحيتين.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي