منير أبو المعالي يكتب: يجب ألا نهتم..

14 يناير 2021 - 19:00

— الزعيم

لماذا كانت قضية «16 بيضة» مهمة للناس؟ بصفته صاحب شركة، فإن شكواه ضد عامل يشتبه في ارتكابه أعمال سرقة ليست سوى مسطرة روتينية. مثله في ذلك كصاحب محل يضبط زبونا محاولا سرقة معطف. يملك أرباب العمل عادة تقديراتهم الخاصة بشأن الطريقة المناسبة لمعاقبة من يعتقدون أن أفعالهم قد أضرت بمصالحهم في التجارة. بالنسبة إلى صاحب شركة البيض، فقد كان تقديره سيئا؛ بوصفه سياسيا، ونائبا في البرلمان، فقد كان إصراره على معاقبة سيدة لم تسرق، حسب محضر القضية، سوى 16 بيضة، خطأ فادحا. كان الرجل يسعى إلى جعل السيدة عبرة لباقي عمال شركته الذين يشك في أمرهم كذلك. بتعبير أدق؛ إن القضية برمتها مسألة إعلان لسطوة النفوذ حيث لا يبقى للفقراء إلا الاستسلام. من الصعب تفسير ذلك الجهد المادي المبذول في تعيين فريق من المحامين والمرافعات الملتبسة لوضع سيدة منهكة القوى في زنزانة بسبب بضاعة قيمتها الخام لا تساوي أكثر من 10 دراهم. لكن، وبغض النظر عن خطط أرباب العمل، فإن سلطة إنفاذ القانون كان يجب أن تكون أكثر حذرا. إن سلطة الملاءمة الممنوحة لقضاة النيابة العامة ينبغي ألا تكون فاقدة للبصيرة. من العسير العثور على قرار بسجن شخص يشتبه في سرقته بضعة دراهم في أي مكان آخر، لكن، على ما يبدو، فإن النيابة العامة في هذا البلد ليست لديها مشكلة في فعل ذلك. وأجدني ميالا في هذه القضية إلى جعل النيابة العامة عاملا مقوضا لمفهوم العدالة أكثر مما فعله رب العمل. لقد حصل عبد اللطيف الزعيم، صاحب شركة البيض، على مراده في تأديب السيدة كما باقي العاملين، لكنه حصد الفضيحة أيضا، لنفسه كما لحزبه. في غضون ذلك، تلاشى دور النيابة العامة وهي تختبئ خلف الإجراءات الباردة للشكوى، ثم تلك الورقة التافهة التي دعيت تنازلا. في نهاية المطاف، جرى توريط المحكمة في شكليات خالية من روح القانون.

تجعلنا هذه القضية نصاب بالمزيد من الشكوك حول مقدرة الفقراء على الحصول على القدر نفسه من العدالة وهم يواجهون الأغنياء في المحاكم. ولسوف تسلط 16 بيضة مزيدا من الضوء على الاعتقاد الشائع بأن الأغنياء عادة ما يحصلون على ما يشاؤون. وفي غمرة الإدانة للطريقة المنفرة التي حاول بها رب عمل تأديب سيدة تعمل عنده، فإننا أغفلنا أيضا فحص معقولية الموقف المتخاذل للنيابة العامة. لم توضح هذه النيابة موقفها من الإجراءات المتخذة في هذه القضية، ولم يطلب منها أحد فعل ذلك. لقد تركت العبء على رب عمل، وهو أيضا، ويا للمصادفة، رجل سياسة. وفي مراكش، حيث حدثت المحاكمة المثيرة للسخرية، يحق للنيابة العامة أن تسجن سيدة عملا بالمثل القائل: «من يسرق بيضة، يسرق بقرة»، لكنها، هي أيضا، من تركت سياسيا فاحش الثراء ملاحقا في حالة سراح، وقد سرق في قضية كازينو السعدي أكثر مما تساويه 16 بيضة من ذهب.

—– محاكاة

في بعض الأحيان، يفرض علينا السياسيون الاقتناع بأن أعمالهم منزهة عن العبث، لكن، تصعب مسايرتهم في هذا الزعم طويلا. وتشكل الجائحة مثالا رئيسا على الطريقة التي تتحول بها أعمال تقدم على شكل بطولات، إلى مجرد حركات بهلوانية يكاد يكون عسيرا تصديق أنها صادرة عن أفراد عاقلين. باسم الحنكة السياسية، يتحول الصلف إلى منهج ينبغي تقديره، وقد مثلت وزارة الصحة نموذجا في ذلك.

لطالما نظرت بشك إلى قدرة المسؤولين الحكوميين على تنفيذ الاستراتيجيات المعلنة، خاصة تلك التي يخطط لها القصر بنفسه. كمثال على ذلك، فقد طوحت الإجراءات البيروقراطية، والغموض الإداري، والوعود غير المشروطة بالواقع، بخطط الشروع في التلقيح الجماعي. لقد ورطت هذه الحكومة نفسها في إعلان مدوٍّ حول تاريخ تنفيذ برنامج التلقيح الجماعي، ثم ضلت طريقها. لشهور، دعمت السلطات الحكومية موقفها بدعاية منتظمة للقاح صيني، ولسوف تشارك في الاختبارات السريرية الخاصة به. كانت هذه السلطات تحث الناس على تعزيز الثقة في أعمالها، وقدمت المال لدفع المواطنين إلى تصديق ذلك. إلا أن بعض أعمال الكذب لا تحتاج إلى مضي الزمن كي تنكشف عارية وبارزة. إن أسوأ الخطط السياسية هي تلك التي تتخذ لنفسها سقوفا زمنية محددة. حينها، لا يكون على الناس سوى أن ينتظروا الموعد المحدد. «الأسبوع الثاني من دجنبر» بات تاريخا من الماضي، وكل ما حصلنا عليه هو أعمال محاكاة. اللقاح الصيني نفسه لم يعد سهل المنال، ولسوف تجرب السلطات الحكومية طريقا آخر للحد من الأضرار المتفاقمة على سمعتها، بالترخيص للقاح أوروبي هذه المرة. تتصرف وزارة الصحة وكأنها سلطة وصاية، ومعها كذلك تلك اللجنة العلمية التي بالكاد يمكن تحديد أعضائها أو الطريقة التي يجتمعون بواسطتها، أو الكيفية التي يخلصون بها إلى آرائهم. يصبح مطلوبا من الناس أن يمتثلوا للأوامر دون أن يطرحوا أي أسئلة. لكن، يحق للناس التساؤل، في نهاية المطاف، عما إذا كانت أعمال السلطات الحكومية برمتها مجرد محاكاة، وتقليد ركيك ومزيف لأعمال بعيدة المنال.

ماذا بقي للحكومة أن تفعله؟ ليس الشيء الكثير. يمكنها، كما هي معتادة على ذلك، أن تصدر مزيدا من الأوامر السلطوية للحد من حركة الناس كما الاقتصاد. لم تعد السلطات تهتم بتثقيف الناس، فهي تخبرهم بشكل يومي، ومنذ حوالي شهر، بأن عدد الإصابات لم يعد منذرا بالسوء. وقد فعلت ذلك بحيلة ماكرة؛ خفض عدد التحاليل إلى الحد الأدنى. يذكرنا ذلك بالإلحاح الغبي لدونالد ترامب لوقف التحاليل. ربما أصبحت هذه الفكرة مستساغة لدى السلطات المغربية، وهي تحاول أن تبعد الانتباه العام عن مشكلة اللقاح. في غضون ذلك، تطلب من وزارة الداخلية أن تتصرف إزاء الوضع وكأننا مازلنا في شهر أبريل الفائت، حيث كانت المخاوف قد شكلت شخصية جديدة للناس.. شخصية ملؤها الخنوع. لقد تغير ذلك بالطبع بعد حوالي عام.

طيلة هذه الشهور، فقدت السلطات الحكومية سمعتها، وغرقت في وحل صنعته بأيديها، وهي تروج قصة نجاح ملفقة في مواجهة الجائحة. وفي حقيقة الأمر، لم يحدث شيء لم يكن متوقعا، لكن الناس عادة ما يميلون إلى تصديق أعمال البطولات عندما يجري التعتيم على ما يحدث في الصف الأمامي من المعركة. في بركة الوحل هذه، تغطس الوعود الحكومية بأجهزة التنفس الاصطناعي محلية الصنع، وبأسرة الاستشفاء القابلة للتصدير. لم يعد أحد يتحدث عن هذه الأشياء كذلك. لكن الجميع يراقب باشمئزاز، ودون اكتراث كذلك، وعود الحكومة باللقاح، وهي تحاول أن تلتقط بعض الهواء وهي تهوي إلى قاع البركة الآسنة وتغرق فيها.

إذا كان هناك شيء يجب أن نفعله نحن، فهو ألا نهتم.. ذلك أفضل ما يمكننا القيام به لكي نحافظ على صحتنا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي