لقاحات كوفيد 19.. اقتصاد عالمي لا يرحم دول الهامش

24 يناير 2021 - 19:00

انطلق منذ مارس الماضي سباق محموم وعمل لا يهدأ في جل المختبرات العالمية وشركات الأدوية، من أجل إيجاد لقاح مضاد ينقذ العالم من أزمة إنسانية غير مسبوقة، دفعت حكومات دول العالم إلى إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود ومنع التجمعات، كما تسببت على نحو خطير في عرقلة النشاط الاجتماعي والاقتصادي حول العالم، فما كان من ساكنة الأرض سوى التمسك بقشة هذا الأمل الذي جرى تغليبه في وقت سابق على مخاوف صراع العدالة الجيوسياسي، خاصة بعد تطمينات متكررة تبنتها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، ضمانا لتزويد الدول الفقيرة والإفريقية بـ”لقاح الخلاص”، قبل أن يصدم بحجر “المضاربات وصراع المال وهيمنة القوى”.

وبدأت فصول القصة عندما بادرت مختبرات عدد من الدول، من بينها الصين والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا، إلى التسابق من أجل تطوير وإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا، الذي تسبب حتى الآن في إصابة أكثر 97 مليون شخص حول العالم ووفاة نحو 2 ملايين آخرين، وذلك بحوالي 150 مشروعا في العالم انطلق منذ أول حجر صحي شامل في تاريخ البشرية شهر مارس الماضي، وخصصت له إيرادات وتمويلات بمئات ملايين الدولارات.

الكلمة الأخيرة للبحث العلمي

تمت بعد أشهر معدودة نجح فيها الفيروس في فرض سيطرته وتخريب اقتصاد وحياة البشرية، الموافقة على 11 منها على اختلاف تقنياتها وجنسياتها لبلوغ المرحلة الثالثة من التجارب السريرية على البشر، ما بدد نوعا ما بعض الشكوك التي ساورت ساكنة الكوكب بخصوص اجتهادات البحث العلمي حول العالم، خاصة وأن مسألة إيجاد لقاح لفيروس “غريب وغير معروف” من نوع كوفيد 19 المنتمي للسلالة الفيروسية arn كانت “مستبعدة ومبهمة”، ذلك أن هذه البشرية في المنظور العام التي تحاول اليوم إيجاد لقاح في شهور معدودة، سبق لها أن فشلت في التوصل إلى لقاح “الأنفلونزا الإسبانية” الذي جاب العالم قبل مائة سنة من اليوم وكان من نفس شراسة وفتك كوفيد19، قبل أن يختفي بملء إرادته بعد أن تعب المشاكسة دون الحاجة إلى لقاح أو دواء، مخلفا ما يناهز 100 مليون من الوفيات ونصف مليار مصاب بالوباء.

ومن العوامل التي ساهمت في نجاح البحث العلمي في توفير لقاح كوفيد19 في فترة زمنية لا تتعدى السنة، بحسب الخبراء والمهنيين المغاربة، “التقدم التكنولوجي خلال العقدين الأخيرين، والأهمية التي بات يحوزها البحث العلمي في عدد من الدول منذ مدة سبقت ظهور الوباء، فضلا عن الضغط الذي لعبه الرأي العام الدولي على الحكومات، بسبب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية، وأخيرا الأموال المهمة التي رصدت في هذا المجال”.

البروفسور جمال الدين البوزيدي، وفي تصريح لـ”أخبار اليوم”، قال إن “للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية السلبية للفيروس دور في تسريع وتيرة العمل ورفع منسوب الضغط من أجل توفير اللقاح في نفس السنة، خاصة مع تضافر الجهود بين حكومات الدول وضخها إيرادات جد مهمة في سبيل الخلاص”، مضيفا: “والمسألة الثانية أنه كان من المعروف مسبقا أنه سيكون إقبال كبير على هذا اللقاح، ما حقق نوعا من التنافس بين مختبرات الدول، بما فيها الدول التي لا تعتبر عظمة والتي دخلت على خط التنافس، على غرار البرازيل والهند وغيرها والتي حاولت إنتاج اللقاحات إلى جانب المغرب الذي يتوفر على آفاق مهمة في هذا المجال”.

من جانبه عزا البروفسور المصطفى الناجي عوامل نجاح البشرية في التوصل إلى لقاحات لفيروس كورونا في غضون أشهر معدودة إلى “التقدم التكنولوجي”، مشيرا في هذا الشأن إلى أن التحاليل المخبرية التي كانت تأخذ من وقت العالم أياما أو أشهرا أصبحت تنجز في دقائق، فضلا عن العوامل المادية، بحيث أن جميع حكومات الدول لم يسبق لها تاريخيا أن وفرت تمويلات قدرت بهذا الكم لما يزيد عن 200 شركة ومختبر، وكل بلد أعطى كل إمكانياته إلى جانب التكامل بين الشركات، واليوم نرى أن 11 منها وصلت مرحلة التصنيع. كما أنه توجد لقاحات أخرى ستظهر في القادم من الأيام بأسعار ومميزات أخرى تنافسية”، يقول المتحدث مضيفا: “العامل الرابع هو العنصر البشري الكفء في هذا المجال على الصعيد العالمي، وهذه البلدان التي وفرت اللقاح سنلاحظ أنها أساسا تستثمر ما يناهز 3 بالمائة من دخلها في البحث العلمي على غرار اليابان الولايات المتحدة وكوريا، وهذا ما جعل اللقاح يتطور في سنة عوض أربع أو خمس سنوات”.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت شهر نونبر الماضي، أن الأمر يتعلق بـ 11 شركة بلغت المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية على البشر، للوصول إلى اللقاح، من أصل 48 لقاحا مضادا للفيروس دخل مرحلة التجارب السريرية، لكنها لم تصل إلى المرحلة الثالثة المهمة، للحصول على الموافقة اللازمة لطرحه كلقاح رسمي مرخص.

“فايزر” بعيد المنال

يتعلق الأمر بلقاحي شركة فايزر وشريكتها بايونتيك، وشركة موديرنا الأمريكية، اللتين نجحتا في إحراز تقدم مهم باستخدامهما تكنولوجيا وتقنية متطورة وغير مسبوقة، تعتمد على ضخ جسيمات نانوية ذهنية – فقاعات ذهنية – تحيط بشريط من مادة وراثية يسمى الرنا المرسال، وتحمل المادة الوراثية مخططًا للبروتين الشائك المميز الذي يربط سطح الفيروس التاجي. بعد حقنها في ذراع الشخص، تنقل الكبسولة الذهنية حمولتها إلى خلايا الجسم، ويوجه الحمض النووي الريبي الرسول تلك الخلايا لبناء بروتين سبايك، وهو ما يعلِّم الجهاز المناعي بشكل فعال كيفية التعرف إلى فيروس كورونا ومنع حدوث المرض.

وعلى هذا الأساس، قدمت الشركة الأمريكية العملاقة فايزر وشريكتها الألمانية بيونتيك، نتائج المرحلة الثالثة من التجارب، التي تظهر فعالية للقاحهما بنسبة 95 بالمائة لدى المشاركين في التجارب السريرية.

ووفق بيانات الشركة المصنعة يؤخذ اللقاح على جرعتين، تفصل بينهما ثلاثة أسابيع وتعمل شركتا Pfizer وBioNTech على مدار الساعة لزيادة الإنتاج، وعلى عكس منافسيها، لم تنضم شركة فايزر إلى المبادرة الحكومية Warp Speed، التي تهدف إلى محو المخاطر المالية لتطوير اللقاحات والعلاجات من خلال توفير التمويل للشركات والمساعدة في تنسيق التجارب، بدلاً من ذلك، استثمرت ملياري دولار من أموالها في المشروع، إلى جانب إبرامها عقدا مع الحكومة الأمريكية لتوفير 100 مليون جرعة، أي بما مجموعه 458 مليون يورو، أو ما يعادل 4 ملايير و969 مليون درهم توصلت بها الشركة على شكل تمويل حكومي ومن جهات خاصة، لتطوير هذا اللقاح الذي يعد واحدا من أشهر وأكبر اللقاحات الحالية، كما أنه أول لقاح يحصل على مصادقة منظمة الصحة العالمية للاستخدام في حالات الطوارئ منذ بدء تفشي الوباء، ما شجع عددا من الدول على اعتماده من بينها دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن أعطت وكالة الأدوية الأوروبية المكلفة بالترخيص للقاحات في الاتحاد الأوروبي موافقتها في 21 دجنبر الماضي على هذا اللقاح الذي يحمل اسم “BNT162b2”.

ولقاح فايزر الشهير الذي يعتمد تقنية تعد الأولى من نوعها مستنبطة أساسا من لقاح كانت المختبرات تهم لتطويره السنوات الماضية بالنسبة لأمراض السرطان. وبحسب ما أكده البروفسور جمال الدين البوزيدي لـ”أخبار اليوم”، فهو لقاح “غير صالح بالنسبة للإنسان الإفريقي ومنظومته الصحية، نظرا لكونه يحتاج إلى درجة تبريد وتخزين عالية جدا تتجاوز أقل من 80 درجة تحت الصفر ليبقى صالحا، وهو ما يعني إمكانيات لوجيستيكية مادية كبيرة جدا تفوق ثمن اللقاح نفسه”.

وشدد البروفسور البوزيدي، في حديثه، على أنه “عموما لا ينصح بلقاح فايزر. فمن الناحية الطبية وبعيدا عن متطلباته اللوجيستيكية، من سلبياته أن المادة المعتمدة فيه، وتدعى الحمض النووي الريبوزي المرسال، غير مستقرة كيميائيا، كما أن الأعراض الجانبية بعيدة المدى ويمكن أن لا تظهر حتى إلى ما بعد 50 في المائة”.

ويتراوح ثمن فايزر في سوق اللقاح العالمية ما بين 12 و19 أورو، أي ما يقارب 190 درهما مغربية للجرعة الواحدة، بحسب المعلومات التي جمعتها “أخبار اليوم” من شركات مصادر اللقاح، غير أن المثير للاهتمام هو التفاوت ما بين سوق الاتحاد الأوروبي والبلد المصنع الولايات المتحدة الأمريكية ثم البلدان الإفريقية، ذلك أن الاتحاد الأوروبي تمتع بخصم نسبته 24 بالمائة على لقاح فايزر، بواقع تكلفة لا تتجاوز 12.17 أورو لكل جرعة، في حين يبلغ ثمن الجرعة ذاتها في الولايات المتحدة 16.5 أورو، ما يفرض طرح أسئلة حول سبب هذه المعاملة الاستثنائية وفحوى الاتفاقيات التي عقدت في هذا الشأن، علما أن الواقع والمنطق يفرضان أن تكون تكلفة الاتحاد الأوروبي أكبر نظرا لأن عملية شحنه من قارة إلى أخرى تكون أكبر من نقله داخل نفس البلد.

من جانبها، دفعت إسرائيل 24.74 أورو للجرعة من فايزر، أي بثمن مضاعف مقارنة مع بلد التصنيع حتى تكون من أوائل الدول التي تطعم شعبها ضد فيروس كورونا، وهو ما أسفر عنه توصلها فعليا بشحنات اللقاح شهر جنبر الماضي، وبدئها عملية التلقيح منذ 18 دجنبر الماضي، بحيث نجحت في تطعيم ما يزيد عن 2.1 مليون إسرائيلي حتى الآن، لتكون بذلك أعلى نسبة تلقيح في العالم.

وبخصوص الدول الإفريقية، أظهرت مسودة تتضمن الخطة التي أعدها البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، أن شركة فايزر الأمريكية ستوفر 50 مليون جرعة بسعر 5.75 أورو، أي ما يعادل تقريبا 50 درهما مغربية للدول الإفريقية، وهو ما لم يتم إلى حدود كتابة هذه الأسطر.

مودرنا بدون عروض تفضيلية

على غرار لقاح فايزر، يوجد لقاح شركة مودرنا الأمريكية للتكنولوجيا الحيوية الذي بلغت نسبة فعاليته 94.5 بالمائة، ويتكون من نسخة صناعية من المادة الوراثية لفيروس كورونا المستجد، تسمى “الحمض النووي الريبوزي المرسال” (messenger RNA) أو “إم آر إن إيه” (mRNA)، لبرمجة خلايا الشخص لإنتاج العديد من نسخ جزء من الفيروس، تطلق هذه النسخ إنذارات في جهاز المناعة، وتحفزه على الهجوم في حالة محاولة الفيروس الحقيقي للغزو، أي نفس فايزر تقريبا، غير أن هذا الفيروس وخلافا للقاح السابق لا يتطلب درجة حرارة جد منخفضة، إذ على جرعتين تفصلهما 4 أسابيع وينقل في درجة حرارة 20 درجة مئوية تحت الصفر (مقابل 80 درجة مئوية تحت الصفر للقاح فايزر)، على أن يخزن لاحقا في ثلاجة (2 إلى 8 درجات مئوية) لمدة 30 يوما.

ومودرنا توصلت بدعم من الحكومة الأمريكية بلغ 650 مليون أورو، أي ما يقدر بـ7 ملايير و258 مليون درهم من أجل تطوير تطوير لقاح جائحة كورونا منذ شهر أبريل الماضي، فضلا عن 17 مليون يورو، أو ما يعادل 183 مليون درهم من جهات ومنظمات غير ربحية.

ومن جهتها، وعدت الشركة بتأمين 100 مليون جرعة، منها 15 مليونا قبل نهاية دجنبر لبلدها حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ثم تنوي إنتاج ما بين 500 مليون ومليار في 2021 بفضل مواقع إنتاج وشركاء صناعيين في الولايات المتحدة وسويسرا وإسبانيا.

أما بخصوص سعر لقاح شركة مودرنا التي تعمل منذ سنوات على لقاح يستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي، والحاصلة هي الأخرى على موافقة السلطات الأمريكية والمفوضية الأوروبية، فيتراوح ما بين 25 و30 أورو للجرعة الواحدة، بما معناه أن ثمنه أكبر من “فايزر” وإن كانت نفس التقنية التكنولوجية المعتمدة.

ومن اللافت للانتباه أيضا أن الاتحاد الأوروبي سيدفع أيضا مبلغا أكبر بنسبة 20 بالمائة مقابل الحصول على لقاح “موديرنا” الأمريكي، بحيث أن هذا اللقاح بيع في موطنه الأصل بـ 15 أورو في الولايات المتحدة، و25 دولارا في الاتحاد الأوروبي.

ولم تتضمن مسودة البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد أي ورقة عروض من طرف الشركة الأمريكية من أجل الدول الإفريقية، وهذا ما يجعله مستبعدا تماما بالنسبة للقارة السوداء والبلدان الفقيرة، خاصة وأن ثمنه متوسط مقارنة مع باقي اللقاحات المتوفرة.

هدية جونسون المؤجلة

شركة جونسون أند جونسون الأمريكية من جانبها أطلقت تجربتين سريريتين للقاحها المكون من فيروس معدل، الأولى تقوم على إعطاء جرعة واحدة للمشاركين، والثانية جرعتين، ومن المرتقب أن يدخل اللقاح معركة مواجهة وباء كورونا في فبراير المقبل، بحسب ما أورده كبير مستشاري برنامج التلقيح الأمريكي، منصف السلاوي، قبل استقالته.

ووفق الخبراء، فإن اعتماد اللقاح الذي يمنح في “جرعة واحدة فقط”، من شأنه أن يحمي الأفراد من الفيروس في غضون أسابيع من التطعيم، بينما يستغرق الأمر شهرا تقريبا بالنسبة لتلك التي تأتي على شكل جرعتين كلقاح “فايزر” و”موديرنا”، ورغم تأخر تأخر جونسون أند جونسون عن منافستيها، “فايزر” و”موديرنا” بطرح اللقاح، إلا أن هذا اللقاح يتوقع الحصول على موافقة الإدارة الأمريكية للغذاء والدواء في فبراير القادم، كما أن طلبات ترخيص استخدامه سيتم تقديمها في دول مختلفة حول العالم بالتوازي مع تقديمها في الولايات المتحدة.

ويعمل هذا اللقاح من خلال استخدام “الناقل الفيروسي” أي فيروس آخر أقلّ ضراوة، يجري تحويله ليضاف إلى جزء من الفيروس المسؤول عن مرض كوفيد-19. يتم إدخال الفيروس المعدل إلى خلايا الأفراد التي تقوم بدورها بإنتاج بروتين نموذجي لسارس-كوف-2، ما من شأنه تلقين أنظمتهم المناعية على التعرف عليه.

وبخصوص ثمنه، فقد تعهدت شركة جونسون ببيعه بسعر التكلفة، ذلك أنها لا تبتغي وراءه أرباحا ماديا، بحيث يستقر ثمنه في 8 أورو فقط، فيما مولته الحكومة الأمريكية بما يقدر بـ 688 مليون يورو، أو 7 ملايير و466 مليون درهم مغربي.

هذا قبل إعلانها لنتائج تجارب المرحلة الثالثة للقاحها والتي ستتم خلال الأسبوع المقبل، نجد أن الشركة الأمريكية تعهدت بتوفير 120 مليون جرعة من لقاحها، الذي يحتاج التطعيم به جرعة واحدة للدول الإفريقية مقابل 8 أورو فقط.

أمل أسترازينيكا المراوغ

يبقى لقاح المجموعة الإنكليزية-السويدية أسترا زينيكا الذي تطوره جامعة أوكسفورد، اللقاح الأقرب إلى القارة الإفريقية لعدة عوامل؛ أولها تقنيته التقليدية المعروفة سلفا، إذ يعتمد على “ناقل فيروسي”، أي أنه يستند إلى فيروس آخر هو فيروس غدّي منتشر بين القردة، تم تعديله وتكييفه لمكافحة فيروس كورونا المستجدّ، وهو أول لقاح صادقت مجلة “ذي لانسيت” الطبية المرجعية على نتائجه لجهة الفعالية في 8 دجنبر الماضي، معلنة في البيانات التي نشرتها أنه “آمن”. والتأثيرات الجانبية للقاح نادرة جدا في المرحلة الراهنة، كما أنه فعال بنسبة 70 بالمائة كمعدل، والعامل الثاني أنه سهل التخزين، إذ يتطلب حرارة تراوح بين درجتين وثماني درجات مئوية، خلافا للقاحي موديرنا وبيونتيك وفايزر اللذين لا يمكن تخزينهما على المدى الطويل إلا بدرجات حرارة متدنية جدا تصل إلى 20 درجة تحت الصفر للقاح الأول، و80 درجة تحت الصفر للقاح الثاني. وهذا الأمر يسهّل التلقيح على نطاق واسع.

والعامل الثالث هو أن كلفته ضئيلة ويعد أرخص لقاح مرخص، إذ يتراوح سعر الجرعة الواحدة منه ما بين 3.3 و6 أورو، علما أنه استلم قيد تطوره تمويلا يقدر بـ مليار و860 مليون يورو، منها 620 مليونا و153 ألف يورو بمثابة تمويل حكومي ومليار و240 مليون يورو من جهات غير ربحية.

وبالرغم من ثمنه المنخفض، إلا أن الدول الإفريقية حظيت أيضا بتخفيض آخر تفضيلي، بحسب ما جاء في مسودة البنك الإفريقي التي أوردت بأن معهد “سيروم” سيوفر 100 مليون جرعة من لقاح “أسترا زينيكا” للدول الإفريقية بسعر 3 دولارات للجرعة، وهو تقريبا نفس السعر الذي يعرضه على الحكومة الهندية. وتكفي هذه الكمية لتطعيم 50 مليون في القارة.

واللقاح المذكور الذي رخصت له بداية الشهر الجاري وبشكل مؤقتا لا يتجاوز السنة السلطات الصحية في المغرب، بعد أن كان موضوع اتفاقيات شراكة من أجل الحصول على 17 مليون جرعة من هذا اللقاح في النصف الأول من السنة الجارية، يعتبره البروفسور الأخصائي في علم الفيروسات المصطفى الناجي، “دون نتائج واعدة إلى جانب اللقاح الصيني سينوفارم”، الذي لم يحز بعد ترخيصا من السلطات المغربية بسبب “عدم استكمال الملف وتوفره على الوثائق اللازمة”، كما أكد ذلك عضو في اللجنة العلمية لـ”أخبار اليوم”.

الناجي وفي حديثه لـ”أخبار اليوم” قال إن “إفريقيا ومعها المغرب في حاجة لكمية مهمة من الجرعات من أجل ضمان تلقيح 70 بالمائة من الساكنة البالغة، وهو العدد الذي يعتبر ضروريا لتحقيق مناعة جماعية ضد الفيروس وتوصي به منظمة الصحة العالمية، وهو ما دفع المغرب منذ البداية إلى اعتماد دبلوماسية اللقاحات وتنويع مصادر الحصول على اللقاح من أجل تجاوز أي عرقلة تحول دون أن يتم تطعيم المغاربة في ضد الفيروس التاجي، غير أن الواقع كان أقوى للأسف”.

الجشع لم يعد خطيئة !

بالرغم من الأسعار التفضيلية المنخفضة التكلفة التي قدمتها المختبرات المذكورة للدول الأفريقية في سعيها إلى تطعيم 60 في المائة من سكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، خلال العامين أو الثلاثة الأعوام المقبلة تحقيقا لقدر ما من المناعة الجماعية، إلا أن هذا الهدف يبقى بعيد المنال إلى حدود الساعة في ظل غياب اللقاح واصطدامه بعائق الصراع الجيوسياسي الذي قسم العالم في زمن الجائحة إلى فئتين؛ الأولى دول الشمال القادرة على اقتناء اللقاح ولو بضعف ثمنه أو إنتاجه، وفئة أخرى تضم دول فقيرة لا تتوفر على الإمكانيات المادية والدبلوماسية لتحقيق ما سبق ما عمق الهوة بين العالمين وأسقط شعار “اللقاح سينقذ البشرية جمعاء”، وهذا تماما ما يفسر حصول الفئة الأولى على اللقاح وبقاء الفئة الثانية، والتي تضم الدول الإفريقية والفقيرة في لائحة الانتظار تتفرج بعجز واضح.

ويبدو أنه عندما تصبح المسألة متعلقة بالحياة والموت، يتم التخلي عن شعارات التضامن الدولي بسرعة، وهو بالذات ما كشفت عنه أزمة كورونا الحالية؛ فالملاحظ أن الدول المصنعة أو القوى الاقتصادية الكبرى كالصين والولايات المتحدة وروسيا فضلا عن التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي التي خصصت مليارات الدولارات لشراء اللقاح من الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا، أو تكتلات المال والأعمال والمصالح الاستراتيجية كما الإمارات والسعودية والبحرين وإسرائيل، بدأت فعليا ومنذ فترة في حملات التطعيم بعد توصلها بشحنات متتالية من اللقاحات وبأثمنة مرتفعة، ما يجعل المختبرات والدول المصنعة تفضل بيع هذا اللقاح للدول الغنية في رؤية عائدات استثماراتهم والمكاسب المالية أولا.

وكان مدير المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قد دق ناقوس الخطر قبل أيام، معلنا أنه ما يقارب 2،3 مليون مواطن إفريقي موزعين على 45 بلدا في القارة السمراء يواجهون شبح الموت في كل لحظة لعدم المساواة في توزيع لقاح فيروس كورونا المستجد.

وشدد المسؤول الإفريقي على أنه بات من الصعب في القارة الأفريقية “رؤية الدول الغنية تستفيد من كميات هائلة من اللقاحات، في حين أن البلدان الأفريقية لا تحصل عليها، خاصة مع بدء الطفرة الجديدة للفيروس وتسجيل ارتفاع واضح على مستوى الإصابات في القارة الإفريقية، التي يصل تعداد سكانها إلى 1.3 مليار شخص”.

وأورد مسؤول الصحة العامة في أفريقيا أنه بينما يشاهد العالم بدء عمليات التطعيم الجماعي في بريطانيا وعدد آخر من الدول الغربية، فإن الدول الأفريقية قد لا تحصل على اللقاحات إلا في الربع الثاني من عام 2021.

واستنكر المسؤول الأفريقي هذا الوضع غير المتوازن على مستوى توزيع اللقاحات في العالم، مؤكدا أنه خلف “قضية أخلاقية” ودفع بالأمم المتحدة لعقد جلسة خاصة لبحث إمكانية تحقيق التوزيع العادل والأخلاقي للقاحات، وتجنب “مزيدا من عدم الثقة بين دول الشمال والجنوب”.

وشدد المسؤول الأفريقي على أن فيروس كوفيد-19 وباء عالمي وجميع الدول معنية بمحاربته، وأنه حينما تشتري الدول الغربية كميات كبيرة من اللقاحات تزيد عن احتياجاتها، بينما الدول الأفريقية لا تجد سبيلا لتحقيق احتياجاتها الضرورية من هذه اللقاحات، فإن ذلك يدعو إلى مزيد من الشك حول آليات التعاون الدولي لمواجهة الأمراض والكوارث”.

وقال إننا نكافح من داخل منظمة “كوفاكس” الخاصة بتفعيل المبادرة المتعددة الجنسيات لتقديم بعض اللقاحات للبلدان الأقل نموا في أفريقيا، لكن “كوفاكس” لوحدها لا يمكنها أن تقدم لدول أفريقيا أكثر من 60 بالمائة من احتياجاتها من اللقاحات الضرورية.

وتابع المتحدث بالقول: “لقد حان الوقت لترجمة الكلمات إلى أفعال، والبلدان الغنية التي لها جرعات زائدة من اللقاحات مدعوة لمنحها لمنظمة كوفاكس لسد حاجيات الدول الأفريقية الفقيرة، وإظهار أبعاد جديدة وحقيقة التعاون العالمي والتضامن الدولي”.

ويخشى الاتحاد الإفريقي ألا تكفي إمدادات اللقاح التي ستتوفر عبر “كوفاكس” في النصف الأول من العام، لتلبية ما يزيد عن احتياجات العاملين على الخطوط الأمامية بالقطاع الصحي في قارة سجلت أكثر من 3.3 مليون حالة إصابة وأكثر من 80 ألف وفاة حتى الآن.

ومن المقرر أن يبدأ “كوفاكس” توزيع اللقاحات على الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل في فبراير، مخصصا نحو 600 مليون جرعة لإفريقيا هذا العام. أما الجرعات التي اتفق الاتحاد عليها، فمن المقرر أن تبدأ بالوصول في مارس.

وأمام ظهور سلالات جديدة من فيروس كورونا المستجد خاصة في جنوب إفريقيا، تسعى دول القارة للحصول على 270 مليون جرعة اتفق الاتحاد الأفريقي هذا الشهر على استيرادها، وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي، إن ترتيبات أجريت مع البنك الإفريقي لدعم الدول الأعضاء الراغبة في الحصول على اللقاحات.

وسيكون بإمكان الدول الأعضاء من جهة أخرى سداد القروض على أقساط على مدى ما يتراوح بين خمس وسبع سنوات، وهو ما لم ترد عليه كل من شركات فايزر وجونسون آند جونسون ومعهد سيروم الهندي وأسترا زينيكا، بالرغم من إرسال الاتحاد الإفريقي طلبات للتعقيب.

وقال مدير المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، جون نكينجاسونج، إن “الأسعار مماثلة لتلك المعروضة من خلال برنامج كوفاكس”، مشيرا إلى أن سوق اللقاحات ستُفتح خلال الشهور المقبلة، عندما تدخل جونسون آند جونسون على سبيل المثال وشركات أخرى إلى السوق، غير أن الأهم اليوم هو بدء عملية التطعيم.

وتعاني 20 دولة أفريقية من ارتفاع مهم في معدل الوفيات الذي يعد أعلى من المتوسط العالمي، من بينها السودان بنسبة 6 في المائة ومصر 5.5 في المائة ومالي 3.9 في المائة والكونغو 3.1 في المائة وجنوب أفريقيا 2.8 في المائة، كما أن هذه الأخيرة تعد من أكثر البلدان تضرراً في العالم، حيث تهيمن السلالة الجديدة المتحورة من الفيروس الآن على عدد الحالات الجديدة، ما أنهك المنظومة الصحية بالبلد، خاصة مع تسجيل 1.2 مليون حالة إصابة، بما فيها 35 ألف حالة وفاة.

هوامش منظمة الصحة العالمية

حسب مسؤول أفريقيا لدى منظمة الصحة العالمية، فإن الفيروس المتحور من كوفيد19 تم رصده في ثلاث دول أخرى هي بوتسوانا وغامبيا وزامبيا. وأضاف: “لا يمكن المبالغة في تأكيد أهمية وجود نظام قوي لمراقبة الجينوم”.

وقال مدير مركز السيطرة على الأمراض في أفريقيا إن “الزيادة الهائلة في عدد الحالات تعني أننا نواجه نقصاً في إمدادات الأوكسجين ووجب زيادة الإمداد إلى أفريقيا، حيث الأوكسجين الطبي غير متوافر على نطاق واسع”.

وشدد نكينغاسونغ على أهمية الحصول على لقاحات كوفيد-19 في أفريقيا، في قوله: “علينا القيام بذلك بسرعة الاقتصادات في تراجع الناس يموتون”.

من جهته، دعا المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أول أمس الخميس، الدول الأوروبية إلى إظهار مزيد من التضامن بشأن اللقاحات، مشيرا إلى أن عشر دول حصلت على 95 في المائة من الجرعات وعرقلة عملية تزويد باقي الدول باللقاحات.

وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا هانس كلوغه في مؤتمر صحافي افتراضي، إنه من الضروري أن “تقوم جميع الدول القادرة على المساهمة بمنح ودعم التوزيع العادل للقاحات”، مشيرا إلى الجهود “الضخمة” التي بذلتها المنظمة وشركاؤها لضمان حصول كل بلد على اللقاحات.

وأكد المتحدث أن 95 بالمائة من اللقاحات ضد فيروس كورونا التي أعطيت في العالم انحصرت في عشر دول؛ الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة وإسرائيل ودولة الإمارات وإيطاليا وروسيا وألمانيا وإسبانيا وكندا، ما عرقل توصل عشرات الدول بشحنات اللقاحات المتفق عليها.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي