لا.. أنتم لا تحتكرون الشعب

05 يناير 2017 - 14:00

يحتفظ التاريخ السياسي الفرنسي بالرد اللاذع لـ”فاليري جيسكار ديستانغ” على فرانسوا ميتران، خلال المناظرة التي جرت بينهما أثناء حملة الانتخابات الرئاسية لسنة 1974: “أنت لا تحتكر القلوب”. وقد لعبت هذه الجملة – وإن كانت مردودة – دورا حاسما في انتخابه رئيسا.

يتعين اليوم إلقاء هذه الجملة اللاذعة في وجوه أولئك الذين يدعون – في أقصى طرفي الرقعة السياسية في كل الديمقراطيات – الحديث باسم الشعب، وينكرون عن الآخرين هذه الشرعية.

لا. أبدا، لا يحتكر أولئك الذين ننعت خطأ بـ”الشعبويين” الشعب، ويجب فرضا على الديمقراطيين محاربة تغلغل تلك الفكرة التي تُفيد بأنهم لا يتحدثون سوى باسم تلك “النخب” التي أعلنت عن نفسها بنفسها، وأن أولئك “الشعبويين” يتحدثون باسم كل المواطنين العاديين.

بدءا، يتعين الإقلاع عن استخدام وصف “شعبوي” بطريقة تنضح احتقارا: فلا عيب في الحديث باسم الشعب، بل هذا هو أساس الديمقراطية. فإذا كانت “الشعبوية” تشير إلى إيديولوجيا أولئك الذين ينشغلون بالحاجات الحقيقية للشعب، لتمثيله على أحسن وجه، فإن كل الديمقراطيين “شعبويون” في نهاية المطاف. وتوجيه النقد إلى “الشعبوية” يعني منح المصداقية للذين يقولون إن الأحزاب المتطرفة – باليسار واليمين على حد سواء- تمثل شرعيا الشعب، وبالتالي تعبيد الطريق لانتصارها: في الانتخابات المقبلة، من يستحوذون على ذهن الشعب سيفوزون، ومن يستسلمون للظهور كمتحدثين باسم “نخب نصبت نفسها” سيخسرون لا محالة.

لوصف هؤلاء يستحسن توظيف وصف أكثر ملاءمة لوضعهم: الانعزالية (isolationnisme).

فالتناقض الحقيقي ليس بين الشعب والنخب، بل بين الذين يرغبون في انعزال الأمة عن العالم، والذين يسعون إلى مساعدتها على تحقيق النجاح فيه.

إذن، لا يجب أن نترك أولئك “الانعزاليين”- الذين يسمون خطأ “شعبويين”-  يحتكرون الشعب.

بما أنني نددت منذ أكثر من 25 سنة بـ”عولمة السوق” التي لا تواكبها “عولمة الديمقراطية”، أعرف جيدا الآثار المدمرة لـ”عولمة المال وحده”. فهي تحرم الشعب من التأثير الحق على مستقبله. وأُدرك، كذلك، الآثار الرهيبة للانفتاح غير المتحكم فيه على المال، وعلى القادمين من الخارج. ولكن الرد المناسب على هذا كله ليس قطعا هو “الانعزالية”.

إن إغلاق الحدود لن يشكل حماية أفضل من الإرهاب (التعاون الدولي وحده الكفيل بالتصدي له)؛ ولن يخلق فرصا أكثر للشغل (لأن الآخرين يقومون بالمثل وستعم الأزمة الجميع)؛ ولن يحمي الهوية الوطنية (التي لن يحميها سوى التعليم، وفي كل مستويات المجتمع)؛ ولن تطلق النمو (لأن الإغلاق يحرم البلد من أسواق الاستثمارات، ومن الابتكارات المقبلة من الخارج)؛ وأخيرا لن يمنح مزيدا من السلطة للشعب (لأن هذا سيُفضي لا محالة إلى حكومة استبدادية لمراقبة الإغلاق). وعموما، فإغلاق الحدود يعني الحكم على أنفسنا بالعيش في عالم سيرد فيه الآخرون بالمثل، وهذا سيفضي إلى الأسوأ، بالنسبة إلى الجميع.

يتعين إذن، وباسم الشعب، مكافحة “الانعزالية”، عبر العمل على كسب مزيد من القوة في عالم منفتح ومثير. ولبلوغ هذه الغاية، يتعين التوفر على ديمقراطية حية، صارمة، لا تتسامح مع الفساد والزبونية، والشطط في السلطة، والظلم، والطائفية، والعنصرية، والتعصب، وكل أشكال العنف التي تهين الشعب، وتعزله عن نفسه. هذا كله طبعا مع الانفتاح على الآخرين، ولكن بالدرجة ذاتها التي ينفتحون علينا.

هذه هي المعركة الدائمة التي ستفوز فيها الحرية والرخاء على الديكتاتورية والتراجع.

ترجمة مبارك مرابط عن “ليكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي