الخطابات الكبيرة

12 يناير 2017 - 12:24

التاريخ لا يكون عادلا أبدا ولا يُكافِئ الأخيارَ، ولكنه فعّال دائما ويعاقب دوما الأشرار. هذا هو الدرس الذي يمكن استخلاصه من نهاية ولايتي رئيسين، بالولايات المتحدة وفرنسا! فهذان الرئيسان لم يعد أمامهما سوى بضعة أيام للأول، وبضعة أسابيع للثاني لإضفاء معنى على عملهما.

وهذا الوضع، الذي يبدو للوهلة الأولى خاصة بالمنتخبين أو بكل الذين يمارسون مهمة محددة في الزمان، ينسحب على كل واحد منا إذا (أو لما) ننتبه إلى أننا مضطرون لمغادرة عمل ما أو الحياة كلها في موعد معلوم.

في هذه الحالة، ما العمل؟ انتظار بهدوء نهاية الأمر؟ العمل باندفاع على إنجاز ما لم يتم إلى حد الآن؟ انتهاز اللحظات الأخيرة لتحسين الحصيلة وتقوية الأثر الذي سيتم تركه على مصير الآخرين؟

إن ردود الأفعال التي تصدر عن باراك أوباما وفرانسوا هولاند، قد تُسعفنا في التفكير فيما نرغب القيام به، فيما يتعين القيام به، في وضعية مماثلة لأننا سنواجهها بشكل أو بآخر.

إن كلا الرئيسين يبدوان مندفعين اليوم، لتقديم إجابات متسرعة عن قضايا صعبة، وبطريقة جنونية لن ينالا معها أي تعاطف من اللذين سيخلفونهما.

هكذا نرى أن الرئيس الأمريكي لا يتردد في كشف عدائه – الذي كان يتحفظ عن التعبير عنه إلى أمس قريب- للرئيس الروسي، الوزير الأول الإسرائيلي، أرباب شركات البترول، وأصحاب شركات التأمين الأمريكان، وهذه كلها سلوكيات كانت ستشكل أسس سياسة خارجية شجاعة – حتى وإن كانت ستكون محط انتقاد – لو عبر عنها منذ ثماني سنوات خلت.

كذلك، يبدو الرئيس الفرنسي مسكونا بالرغبة في إظهار اهتمام كبير بالأكثر ضُعفا، ومنشغلا بتخصيص معاملة تليق بالمهاجرين، وهذا ما لم يكن بارزا في القرارات والمشاريع- المالية والمؤسساتية- التي تقدمت بها حكوماته المتوالية.

كان من الأفضل بالنسبة إلى الأول والثاني، في هذه اللحظة القصيرة والثمينة المتبقية، القيام بما هو أفضل.عليهما الكشف بكل صراحة لبلديهما وللعالم: لماذا لم يتحليا بالشجاعة الكافية لوضع الحسابات الانتخابية جانبا؟ ما هي الإصلاحات التي ندما على عدم القيام بها، ومازالت تبدو لهما أساسية بالنسبة إلى مستقبل البلد الذي كان لهما شرف قيادته.

على الرئيسين أن يقترحا، على خلفائهما غدا وبعد غدا، أجندة تغطي العشر سنوات الأخيرة، حتى وإن لم ينته إليهما أحد.

لو كان الرئيسان قاما بهذا، فإن ولايتيهما ما كانتا تنتهيان بهذا السباق الديماغوجي والمثير للشفقة ضد الساعة، وهو السباق الذي سيطويه النسيان ما أن يُغادرا موقعيهما.

رئيس أمريكي واحد قام بهذا الأمر، هو دوايت إزنهاور، وذلك في خطابه المؤسس حول أخطار الصناعة العسكرية والذي ألقاه في 17 يناير 1961، أي قبل أسبوع واحد من نهاية ولايته؛ ورئيس فرنسي واحد هو فرانسوا ميتران في خطابه المؤثر حول أخطار التيارات القومية، والذي ألقاه يوم 17 يناير 1995 (نعم، 17 يناير مرة أخرى)، أي قبل ثلاثة أشهر من رحيله عن الإليزي.

لا شك أن الدرس الأفضل الذي يمكن استخلاصه من كل هذا: يجب أن نتذكر دوما أن علينا التحرك وكأنه لم يتبق لنا سوى أسابيع فقط.. ألا نؤجل عمل اليوم إلى الغد، ولكن طبعا دون الاستعجال للتخلص مما يستوجب وقتا أطول.. التوفر دائما على مشروع يغطي عشر سنوات، وإذا لم يكن لدينا ما يكفي من وقت لتنفيذه، فيتعين علينا على الأقل ترك خطوطه العريضة لأولئك الذين سيكون بيدهم القرار بشأنه.

ترجمة مبارك مرابط « ليكسبريس »

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي