التقيتها صدفة بأحد أهم أروقة دور النشر العربية، بالمعرض الدولي للكتاب. وكأي امرأة متحضرة قدمت لي نفسها. بعد حديث قصير وشامل عن محتويات الدار، قالت إنها اعتادت على القراءة بلغة موليير، وإنها اطلعت على أهم الأعمال الروائية الكلاسيكية، وبعض الكتابات الصادرة حديثا بفرنسا، وأضافت: « أنا الآن أهتم بقراءة روايات لكتاب عرب، فهلّا ساعدتني على اقتناء البعض منها »؟ ناديت على مرافقي، الشاعر عبدالسلام الصرّوخ، وقدمتها له: « هذه إيمان اليعقوبي، برلمانية عن حزب العدالة والتنمية ». لم نحتج كثير وقت لنكسر أفق انتظارنا الجاهز عن الإسلاميين والأدب. وانخرطنا ثلاثتنا في حديث بلا حدود.
وأنا أودع البرلمانية الشابة، وقد حملت معها عددا من الروايات المتحررة إلا من الأدب، قارنت بين ما سبق أن قاله لحسن الداودي، بفجاجة، قبل حوالي سنتين من الآن، عن أن الارتفاع الحاصل في دراسة الأدب أصبح يشكل خطرا على المغرب، وبين هذه الشابة المسكونة بحب الأدب، والتفتت إلى صديقي: « إنهم يتقدمون على كثير من التقدميين »؟
خلال دورة 2011، قاطعت كبرى المؤسسات الثقافية غير الحكومية بالمغرب معرض الدار البيضاء، احتجاجا على الوزير بنسالم حميش، الذي كان قد دخل في علاقة متشنجة معها. سألت وقتها الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي، صاحب « دار الجمل »: كيف تسير الأمور مع مقاطعة المثقفين، فأجاب بسخرية لا تخلو من بعض الحقيقة: « بخير، المثقفون لا يشترون الكتب، هم فقط يتحدثون عنها »! وقتها كتبت الصحافة أن الأطفال والسلفيين كانوا نجومَ المعرض. وقال عبداللطيف اللعبي، في ندوة عقدت بالرباط، على هامش المعرض، إن وزارة الثقافة ينبغي إما تحويلها إلى وزارة دولة وإعطاؤها أهمية كبرى وتحسين أدائها، أو إلغاؤها. لكنه لم يقل شيئا عن اتحاد كتاب المغرب الذي أصبح محضَ وكالة للأسفار، وإنتاج ما تطلبه الدولة من مساندة رمزية وتطبيل لقراراتها في الثقافة. وأصبح رئيسه يحاسب الكُتّاب ليس على منسوب مساهماتهم في دمقرطة الثقافة والنهوض بها، والحفاظ على اتحاد كتاب المغرب كمؤسسة مستقلة، بل على أساس من هنأه بعد حصوله على الوسام الملكي من غيره. ومن عارض قراراته بالرغم من أنه بعثه إلى الحج (هكذا). ويؤلب حاشيته ضد « مساخيط الدولة » من أمثال الكاتبين ليلى الشافعي وعبدالدين حمروش اللذين طالبا الاتحاد بإصدار بيان تضامني مع الصحافي علي أنوزلا، عقب اعتقاله (وهو كاتب)، ومن عارضوا تنصيب اتحاد كتاب المغرب محامين للدفاع عن خالد عليوة لكونه يتابع في قضية تتعلق بالمال العام (وهو ليس كاتبا). هكذا انتهى اتحاد كتاب المغرب الذي شكل لعقود استثناءً فريدا، على المستوى العربي، في الاستقلالية عن الدولة، والانحياز لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية.
أركز كثيرا على اتحاد كتاب المغرب، لأنني أعتبره بمثابة « التيرمومتر »، الذي أقيس به دائما قوة وتطور الخطاب الثقافي والسياسي معا. فالأحزاب الديمقراطية، زمان تنافسها داخل اتحاد الكتاب – رغم ما حمله بعض ذلك التنافس من مظاهر سلبية- كانت تقويه وتتقوى بمثقفيه، مثقفيها، الذين كانت تنتجهم أو تتنافس على الانفتاح عليهم، كما تتنافس اليوم على الأعيان ومحترفي المقاعد، فكان السياسي مثقفا والمثقف سياسيا بالضرورة. ولننظر إلى حجم ونوعية الكتابات التي تركها زعماء سياسيون من طينة علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني وعبدالله إبراهيم ومحمد عابد الجابري وعبدالكريم غلاب…
لهذه الأسباب كان فرحي كبيرا وأنا ألتقي بالبرلمانية الشابة إيمان اليعقوبي في دار نشر للكتب « الحداثية » تقتني كتبا وتناقش أخرى. حتى إنني مازحتها وهي تهم بالمغادرة: « لا ترجعي تعويضات البرلمان واقتني بها روايات ودواوين شعر ».