عملة مشتركة أم عملة موحدة أم عملة زائفة؟

16 فبراير 2017 - 14:12

يقول مثل شرقي رائع: “اتبع الكذاب إلى باب الدار”. هذه الوصية الحكيمة لها منفعة كبيرة سواء في الحياة الخاصة أو العامة. وهي تنطبق، على سبيل المثال، على مقترحات “الجبهة الوطنية” (اليمين الفرنسي المتطرف)، وعلى ادعائها مؤخرا أنها صارت، من الآن فصاعدا، حزبا متزنا ورزينا، يحمل برنامجا قابلا للتطبيق، فيه منفعة للمحرومين ومؤذ لمصالح الأقوياء، وقادر على حماية فرنسا من مآسي العالم. كل هذا مجرد وهم، لأن استراتيجية الانغلاق هذه لا طائل من ورائها. دعوني أضرب لكم مثلا واحدا يمكننا بعد ذلك تكراره إلى ما لا نهاية.

لمدة طويلة، عارضت الجبهة الوطنية التخلي عن العملة الوطنية ودافعت بقوة عن الاحتفاظ بالفرنك. وهذا موقف ينسجم تمام الانسجام مع طابعها “الانعزالي” (isolationnisme): إن عدم خلق عملة موحدة كان من شأنه أن يفضي بالبلدان الأعضاء في السوق “الموحدة” إلى إدراك أنه ليست كذلك، بما أن كل طرف كان سيتعرض للمزاحمة بفعل تخفيض عملة طرف آخر. وهكذا كان كل البناء الأوروبي سيتعرض للتفكك، وهذا الأمر لن يدغدغ سوى شعور القوميين. وبالتالي كان هذا الإجراء سيضيع على فرنسا فرصة الاستفادة من أكبر سوق عالمية.

بعد ذلك وضعت الجبهة الوطنية في برنامجها نقطة تنص على التخلي عن الأورو والعودة إلى العملة الوطنية. وفي الأخير، وأمام خطر القفز في المجهول الكامن في هذا الخيار، تدعي مارين لوبين، حاليا، أنه سيتم الاحتفاظ بالأورو كـ”عملة موحدة”، وأن الفرنك سيصبح “عملة وطنية”. وإمعانا في الطمأنة توضح أنه لا داعي للخوف: “الفرنك سيساوي الأورو!”. والواقع أنه في هذه الحالة سيكون من الصعب استيعاب المصلحة المتوخاة من هذه العملة الجديدة: إذا كان سيساوي الأورو مساواة تامة، فلن يكون “الفرنك” سوى الاسم الآخر لهذا “الأورو”. وبالتالي ماذا سيغير هذا من الأمر كله؟ لا شيء البتة، طبعا!

بعد حشرها في الزاوية، تقول مارين لوبين الآن إن قيمة الأورو الحالية مبالغ فيها، وأن المنتوجات التي يحدد سعرها بالفرنك، ذي القيمة الأدنى، ستعثر سريعا على زبناء، فضلا عن هذا، ستعفينا عملتنا الخاصة من أوامر وتعليمات المفوضية الأوروبية، التي تدعي التحكم في عجزنا.

إن هذا المنطق يتحلى بعبثية مضاعفة. أولا، لم يعد أحد، ومنذ مدة طويلة، يأبه للأوامر المزعومة لبروكسيل. ثانيا، سيتم، حتما وبشكل فوري، تخفيض قيمة الفرنك مقارنة مع الأورو، بالمملوس هذا يعني أن الأرصدة الفرنسية سيتم تحويلها بشكل آلي إلى عملة ذات قيمة مخفضة. وبالتالي ستفقد مدخرات الفرنسيين جزءا مهما من قيمتها. ولتجنب هذا الأمر، سيتعين فتح حساب بالأورو في بنك أجنبي، وهذا لن يكون في متناول كل الفرنسيين. بعبارة أوضح، إن إعادة النظر في الأورو لن تفيد سوى الأثرياء.

ينضاف إلى كل هذا ملف الدين العمومي: فالجزء المقترض من هذا الدين بالأورو سترتفع تكلفته، كما ستزداد نسب الفائدة. لسدادها سيتعين القيام بإجراءات تقشفية أكثر قسوة من تلك التي لا تفرضها بروكسيل.

مجمل القول، إن المستهلكين والمدخرين والأجراء لن يكسبوا شيئا من عملية الخروج من الأورو. بل يجب الاعتداد بهذه العملة الموحدة والدفاع عنها من أجل مصالح الأجيال المقبلة.

طبعا، لا يجب القبول بالوضع الحالي. إذ يتعين بالخصوص إرغام ألمانيا على تقليص فوائضها (excedents)، حتى يتسنى السير قدما نحو أوروبا أكثر توازنا (…)

ترجمة مبارك مرابط عن “لكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي