جمرة تحت الرماد

24 فبراير 2017 - 14:41

… وأعود مرة أخرى لأتحسس الذكرى بأصابع الروح، مثل أعمى يتحسس شيئا ثمينا في علبة أسراره القديمة. وأغمض العين لأرى بوضوح ملامح ذلك الأحد الماطر قليلا من فبراير 2011، وأرى خوفي وحماسي يتسابقان أمامي في الطريق إلى هذه الساحة البيضاوية الشهيرة التي تقبل عليها عادة – منذ سنين وإلى أيامنا هذه-، تلك الفئات التي تأتي طلبا للانتماء إلى مدينة تصر على لفظها ودفعها إلى الهوامش القصية جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا.

لم يكن عدد الحاضرين الذين لبوا النداء المنبعث من العالم الافتراضي كبيرا جدا ولا قليلا. كان عددا معقولا، يحفه الحمام. كانت العيون مشعة والملامح واثقة، والصدور مفعمة بذلك الإحساس الجميل الذي يهمس في الأذن: هذه المرة ستكون ثابتة..

وتوالت المسيرات في المدن الكبير والصغيرة، وحتى البعيدة المنسية هناك في التخوم الهامشية، وواصلت الألسن الصدح: « الشعب يريد »، في جرأة لم تكن معهودة إلى ذلك الحين.. شعارات يقودها شاب وشابات، لا يبغون شيئا غير الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. شباب وشابات لم تُدجنهم التنظيمات السياسية المنقادة التي « يُوحى » إليها، وأرهقتهم صراعات الأحزاب السياسية التي كانت لها بعض من مصداقية في زمن مضى، قبل أن يزحف عليها التصحر الفكري وتأخذها ريح الانتهازية.

ثم في غفلة منا، نحن الحالمين، قفزت على الموجة طفيليات (سياسية نقابية، إسلامية… إلخ). وكعادتها لم تكثر وتتكاثر، أتت هذه الطفيليات على النبات الصالح ودفعت ما تبقى منه إلى الهامش ولكن تقضي عليه كله.

لم تكن حركة « 20 فبراير » حركة سياسية أو اجتماعية ولا ثورة ولا احتجاجا.. كانت شيئا آخر في تقديري، كانت ذلك الصوت الهادر.. ذلك الصوت الذي ظلت أيادي القمع والتقاليد والدين والمخاوف المبهمة تخنقه منذ الأزل في صدر الكائن المغربي.. ذلك الصوت الذي خرج أخيرا في ذلك اليوم الماطر قليلا وظل يصدح لشهور قبل أن يخف، ولكن صداه سيظل يتردد في الذاكرة والروح إلى ما لا نهاية.. صوت أحدث شرخا أو مجرد شق في ذلك الجدار العالي – المرئي والخفي في آن-، الذي يحيط بالكائن المغربي ويضغط على أنفاسه.

من ذلك الشق تسرب خيط الضوء.. خيط ضئيل؟ ربما. لكنه بدّد قليلا من العتمة الكثيفة التي تلفني وتلف الكائن المغربي وتمنع بذرة الفرد فيه من الإزهار.. خيط ضئيل؟ ربما. لكنه كان يدغدغ الصدر، ويعد بتصدع الجدار وإن جاهد مشيدوه في سد ذلك الشق.

صحيح أن « 20 فبراير » تحولت إلى ذكرى، ولكن أثرها فينا سيظل كامنا مثل جمرة تحت الرماد، يكفي أن تهب عليها الريح المواتية لتؤججها من جديد. وإلى أن تهب تلك الريح المنتظرة سأظل أتحسس الذكرى بأصابع الروح.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي