وردة الشيزوفرينيا

13 مارس 2017 - 16:08

أقولها مرة أخرى: أنا لا أستسيغ 8 مارس. عندي أسبابي، بعضها أعيه، وكثيرها يسكن ذلك الركن المظلم في لا وعيي. دعني أبسط أمامك هنا اثنين منها يبدوان لي مهمين:

أولا، أحسست دائما (منذ أن وعيت بالأمر على الأقل) أن تحديد يوم لـ »الاحتفال » بالمرأة، يكرس بشكل من الأشكال « تشييئها ». فهو يجعل منها مجرد كائن حي في الطبيعة شبيه بالشجرة، أو الدلفين أو البيئة… إلخ، وهي كلها أيام حددها الرجل على يوميته للاحتفال والتحسيس بأهمية تلك الشجرة والدلفين والبيئة… والتحذير من العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن الاستمرار في الإضرار بها.

ويجعل منها شيئا شبيها بـ »السل » أو « السيدا » أو « مرض الكبد الفيروسي »، يجري الاحتفال بها سنويا للتنبيه إلى خطورتها وتشجيع البحث عن سبل للتخلص من أضرارها أو الحد منها على الأقل.

وهذا اليوم يكرس، أيضا، خداع المرأة، لأن الجميع، (نساء ورجالا) وفي كل مكان (العمل، البيت، المحلات التجارية الكبيرة، السينمات…) يلوكون، من صباح ثامن مارس إلى أن يبتلع الليل شمسه، الكلام نفسه حول أهمية المرأة.. والمرأة نصف المجتمع.. وتتلقى التحية وتلك الوردة الحمراء الملفوفة في البلاستيك الشفاف. ويجري الحديث مدرارا، مثل نهر سخي، عن ضرورة رفع الحيف عن المرأة ومنحها المكانة التي تستحق.. ويتم التنديد بمظاهر التحرش بالمرأة في المكاتب والشارع، وشجب العنف الذي تتعرض له في البيت وغرفة النوم..

في صباح 9 مارس، يتبدد كل هذا الكلام مثل ضباب الصباح وتذبل تلك الوردة الحمراء سريعا، وتعود المرأة المغربية إلى وضعها « الطبيعي »، في مجتمع تعتبر « المحافظة » جزءا من جيناته.. وكذا ضعها ككائن « ناقص عقل ودين » مكانه هناك في الهامش.

ثانيا، لا أحب هذا اليوم لأنه يذكرني بوضع الشيزوفرينيا المعقد، أنا الذكر الذي تربيت في مجتمع محافظ، وأعيش في مجتمع محافظ، وأؤمن بقيم لا يستسيغها في عمقه وإن كان يقبل ظاهريا بعضها على مضض.

يذكرني ثامن مارس هذا، (وهل أنسى فعلا؟) وضعي كذكر مهيمن في مجتمع محافظ.. كذكر ورث هذا الوضع عن أجيال وأجيال وأجيال. ذكر تطلب منه القيم التي يؤمن بها أن يتخلى عن هذا الوضع التمييزي الذي في صالحه، بينما تصر تلك الأجيال التي تسكن ذلك الركن المظلم في لا وعيه، تدافع بشراسة عن « مكتسباتها » وتحاول ما أمكن ثنيه عن تبني تلك القيم. ويجد نفسه كهذا معلقا بين ما يؤمن به حقا وينشد تحقيقه وبلوغ أقصاه (من مساواة وحرية وعدالة وكرامة وكل ما يضمن العيش الكريم الخالي من أي وصم) من جهة، وما يسكن لا وعيه ويضغط عليه، والقيود الفولاذية وغير المرئية لهذا المجتمع المحافظ حتى النخاع وإن تظاهر بغير ذلك، من جهة ثانية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي