من ينقل إلينا أخبار التماسيح؟

06 أبريل 2017 - 13:23

لا أتصوّر أن يخرج رئيس الحكومة الجديد، سعد الدين العثماني، محدّثا الرأي العام عن أخبار التماسيح والعفاريت، مشتكيا المعارك الشرسة التي تخوضها تلك الكائنات المنفلتة من حيز البصر ضد مخططاته الحكومية وإصلاحاته ومنهجه في قيادة التحالف الحكومي. أستبعد أن يتسلل تمساح صغير أو عفريت إلى خطابات مفكر الحزب الإسلامي المضبوط لغة، والمنضبط معنى!

وأؤكد للسيد العثماني أنه لو قفز من لسانه عفريت من الجن أو ثعلب من حكايات « كليلة ودمنة »، فسيكون ذلك حدثا إعلاميا غير مسبوق، ولا شك سيتصدر وسوم تويتر الأكثر شعبية ونقاشات فايسبوك، وأتوقع تعليقات عليه من قبيل « عفاريت بنكيران تُخرج العثماني عن صمته »، باعتبار أن الكلام الرسمي هو صمت أصلا، أو « العفاريت تَظهر للعثماني في قطاع كذا.. »، باعتبار أنها مكلفة بحراسة بعض القطاعات من الشرور والعين والحسد والـ »بي جي دي ».

ستكون خسارة كبيرة. عودة لغة الفلين والبلوط ستحرمنا من متابعة تحركات التماسيح والعفاريت وقياس مدى سطوتهم على المشهد. ثم نحن شعب نحب النكتة والألغاز والإشارة، ونفهمها وهي « طائرة » تحلّق في السماء، وكل ما نحتاجه هو سياسي يرسلها إلى الأعلى لنلتقطها.

ننزل الإشارة من السماء إلى الأرض ونحن نضحك من « خطورتها » قليلا وقد نكتفي بالابتسام، وبموازاة ذلك نجرّدها من رداء الاستعارة، نطلب المعنى البعيد فيها، نستلّ خيوطها خيطا بعد آخر، شيئا فشيئا إلى أن نُدخِلَ الكائن المتخفي في جلد تمساح أو عفريت حيّز الرؤية. ولا يهم أن يتطابق ما يراه كل واحد مع تصوّرات بنكيران أم لا، المهم أن كلامه كان فرصة ومدعاة لممارسة بعض التخمينات « السياسية » وتتبع مجريات لعبة النخب. وقد يحصل أن يترفّع البعض منا عن هذه النقاشات الفارغة، لأنه « عايق » ويعرف من يقصد بنكيران من وراء كلامه الملغز. ورغم أنه يعتبرها نقاشات فارغة، وربما أيضا يعادي سياسات بنكيران وحزبه، فهو يتشاطر معه هذه المعرفة بالذات، وأكثر ما يُفقده أعصابه هو إصرار رئيس الحكومة على المجاز عوض تسمية الأشياء بمسمياتها، ما المانع أن تكون في شكل لائحة من اللوائح السوداء التي انتعشت في مختلف أطوار الأزمة المصرية، قبل الثورة، وبعد الثورة، وقبل الانقلاب وبعده…

من المستبعد اليوم أن يُطالِب أَحدٌ العثماني بتسمية الأشياء بمسمياتها، لأن تماسيح بنكيران وعفاريته في طريقها نحو الانقراض. ليس من دواليب الدولة ومفاصل السلطة، وإنما من حيز التداول الإعلامي والمتخيل الشعبي. وكلما فكّر السيد العثماني جيدا قبل تحريك لسانه، مجتهدا في « التحفظ في الكلام »  la retenue- وهو مطلب رسمي مرغوب –  سيكون رئيس حكومة أنجح بكثير في « مهمته »، وأقرب بكثير إلى قلوب عشاق ومحبي الكلام الرسمي الهادئ والوسيم، وضيفا دائما على شاشات الإعلام الوطني. ثم لا يهم أن يكون الزعماء السياسيون في دول العالم المتقدم ديمقراطيا طلّقوا هذا الأسلوب من عهود غابرة، المهم أن تكون زعيما سياسيا ناجحا بمقاييس بلادك، المهم أن تعود معك السياسة إلى « رشدها »، بعد أن أخرجها بنكيران عنه..

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطنة مغربية منذ 7 سنوات

لا أخال السي العثماني الا طبيبا نفسانيا من مستوى دون المتوسط (رأيناه وزيرا للخارجية) ، قليل الكلام و كثير الاستماع لا يتكلم الا ليقول للمريض "فكر فيما قلته، نلتقي في الحصة القادمة" !

التالي