رحلة البيجيدي من اليقين إلى الشك

06 أبريل 2017 - 16:29

نقاش الفايسبوك المشتعل والمحتد وغير المعتاد بين أعضاء حزب العدالة والتنمية، وضمنهم قياديون، يعني أن الصاعقة التي ضربت في بيت عبدالإله بنكيران كانت من القوة بما لم تستوعبها مؤسسات الحزب أو يمتصها نقاش المجالس المغلقة والجدران كاتمة الصوت، فخرجت إلى العلن عفوية، عاطفية ومنفعلة، كأي رد فعل فردي على وضع جمعي مختل. فعندما يأتي قيادي في الحزب ويقول – من خارج مؤسسات الحزب- إن: “العثماني لا يشرك الأمانة العامة ولا الأمين العام في تدبير ما يتعلق بالحكومة”، فإننا لا نكون أمام ما دعا إليه قيادي آخر من ضرورة إقامة مسافة بين الحزب والحكومة فحسب، بل أمام ثقب كبير في الوظائف التنظيمية والسياسية للحزب، وجب التسريع بإغلاقه بدل إغلاق الأفواه التي تصرخ: “إنهم يذبحون الحزب”.

خلال تتبعي المقارن لتجربة العدالة والتنمية، استنتجت أن جزءا كبيرا من قوة هذا الحزب التنظيمية تكمن في ترشيده النقاش والاختلاف داخله: “قليل من الجدل وكثير من العمل”. وهذا راجع لأمرين اثنين: المرجعية الدعوية، ما قبل الديمقراطية، لقيادة وقواعد الحزب، من جهة. والإحساس، من جهة أخرى، بأن الحزب مستهدف من جهات عدة، وهو ما كان يقوي الجبهة الداخلية ويؤجل الوقوف على العديد من التفاصيل الخلافية، إذ “لا مجال لتنظيف الأظافر، عندما تحتد ساعة الصراع”، كما يقول مكسيم غوركي. لكننا الآن أمام منعطف آخر، شبيه بالذي عرفه الاتحاد الاشتراكي بعد رحيل عبدالرحيم بوعبيد، حيث أصبح الجميع يحاسب الجميع، على جميع التفاصيل والأصعدة. اللحظة الآن هي لحظة انفجار ديمقراطي، فالأسئلة تطغى على الأجوبة، والشك عن الثقة واليقين.

خلال تجربته المنقضية، كان بنكيران يقود الحزب والحكومة واضعا نصب عينيه خارطة إخفاقات عبدالرحمان اليوسفي، بحيث لم يُدخل حزبه إلى الثلاجة؛ فلم يكبح صوت المعارضين داخله، بل كان زعيمهم، ولم يبسط سلطته على إعلام الحزب وشبيبته، بل ترك لهما حرية التفكير والتعبير، فأصبحتا قوتين داعمتين له، عكس ما حدث مع اليوسفي الذي كانت شبيبته أول من انشق عليه، وجزء كبير من إعلاميي حزبه في طليعة من واجهوه بقساوة.

أما على المستوى الحكومي، فلم يستكن بنكيران لخصومه، مثلما فعل اليوسفي مع حزب الاستقلال والعدالة والتنمية، بل واجه زعماء البام والاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ونكّل بهم بالجد وبالهزل. ولعل جزءا كبيرا من النجاح الذي حققه البيجيدي، انتخابيا، كان بفضل زعماء تلك الأحزاب الذين جيء بهم خصيصا لمواجهة بنكيران وعرقلة تجربته، وربما حُل حزبه وزُج بأعضائه في السجون؛ إذ قليلون هم الذين انتبهوا إلى أن إخراج حزب شباط من الحكومة تزامن مع مسلسل الإطاحة بمرسي وسجنه في مصر.

العدالة والتنمية الآن، على مشارف مؤتمر وطني سيدخله مقيدا بالانتقال من زعيم ملأ الدنيا وشغل الناس وتحدث حيث اعتاد سابقوه الصمت، فبعث على الاطمئنان والثقة، إلى زعيم بلا ظِل، يصمت حيث يلزم الكلام، فيثير الشكوك والمخاوف. وهو أمام تيارين؛ واحد يدعو إلى الحفاظ على قوة الحزب واستقلالية قراره وعدم التعامل مع القرارات الخارجية، بما فيها الملكية، بـ”انبطاح”. وتيار آخر يقول، أو يشي، بأن شيئا من هذا “الانبطاح” في مصلحة الوطن. وهو تيار حتى وإن بدا الآن صغيرا أو محتشما، فهو مؤهل لأن يكبر أو يستقوي بعوامل خارجية وداخلية، لأن الممانعة – كما يعلمنا التاريخ- لا تصمد طويلا. فهل ينجح المؤتمر المقبل في استيعاب هذا الوضع الجديد؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

mohammadine منذ 6 سنوات

ما أغفلت في مقالك هو وقع السياسة اللاشعبية لجكومة بن كيران على الفئات المناصرة له,كما انك أغفلت او تغافلت وقع التحولات التي صاحبت ذهاب هيلاري كلينتون من القرار الأمريكي

ايمن منذ 6 سنوات

تحميل البيجيدي مسؤولية هذه الحكومة الهجينة هي الضربة القاضية على هذا الحزب. فلنصل عليه ، و على كل الاحزاب في المغرب، صلاة الجنازة و ليعمل المغاربة الواعون على استغلال دستور ٢٠١١ لتطوير عملهم السياسي و الابداع في التأثير على الحياة السياسية بعيدا عن كل الاحزاب الموجودة على الساحة.

التالي