وسط غابات الزيتون التونسية يرفع شباب شعارًا غريبا مفاده “ليس بالضرورة أن تسكن المختبرات الطبية المشافي، والمصحات العلاجية، أحيانا تتخذ من محاضن ترويض الكلاب موقعا لها”.
وفي عام 2014، كانت شرارة البدء، عندما أطلق شباب متخصصون في تربية، وترويض الكلاب في بلدة القلعة الكبرى في مدينة سوسة، مبادرة فريدة لتأهيلها لمهام طبية، أبرزها تشخيص مرض سرطان الثدي.
ويتدرب نحو 80 كلبًا من أصول مختلفة داخل حاضنة على مهمة طبية معقدة، كانت حكرا على المختبرات الطبية، إذ تتأهل الكلاب إلى اكتشاف مرض سرطان الثدي عبر حاسة الشم، المعروفة بقوتها، وحساسيتها لديها.
من السينما إلى المشافي
“روي”، اسم أشهر كلب عرفته السينما المصرية في أحد أبرز أفلامها الكلاسيكية في ستينيات القرن الماضي، وهو الاسم نفسه لأشهر كلب في حاضنة بلدة القلعة الكبرى التونسية لاكتشاف مرض سرطان الثدي بنسبة نجاح تصل إلى 97 في المائة، وفق المتخصصين في هذا الشأن.
ووفق تجربة معايشة لمراسل الأناضول، توضع ضمّادات تحوي إفرازات من عرق أثداء النساء في أنابيب، ويتم تقديمها لكلاب مُدربة لتشمها، وتكتشف الإصابة بالسرطان من عدمه.
عملية الكشف المبكر عن سرطان الثدي لا تستغرق سوى دقائق معدودات، ولا تتطلب تدخلا طبيا، أو جراحيا بنسبة نجاح تفوق 97 في المائة، نظرا إلى القدرة الفائقة للكلاب على الشمّ.
وقال علي بن عياد، المدير التنفيذي لمركز تدريب الكلاب “K9″، للأناضول، “نقوم بالعديد من التجارب الطبية عن طريق توظيف حاسة الشم للكلاب، وتقديم هذه الخبرات للعالمين العربي، والإفريقي، خصوصا أن تجربتنا تعتبر الأولى إفريقيا”.
وتابع المتحدث نفسه: “تمكنا من تدريب الكلاب على التقصي المبكر لسرطان الثدي باستعمال “الراعي البلجيكي” (فضيلة كلاب شهيرة)، وأبرزها كلب باسم “روي”، ونقوم، حاليا، بتدريب كلاب أخرى على القيام بالمهام نفسها”.
من رحم المأساة
يسترجع عياد ذكريات شخصية حزينة، وقال: “توفت إحدى أقاربي بسرطان الثدي فحزنت كثيرا، وبدأت التفكير في توظيف الكلاب في الكشف المبكر عن سرطان الثدي لدى النساء بعد أن كانت تلك التجارب حكرًا على البلدان الأوربية”.
وقال: “ضمن 500 عينة تم فحصها استطاع الكلب (روي) اكتشاف 485 حالة بنسبة نجاح فائقة (..) ونحاول، حاليا، تدريب الكلاب على اكتشاف أمراض سرطان المثانة، والرحم والحمى القلاعية، والسكري”.
وتابع: “بتظافر جهود الدولة التونسية والفريق الطبي المشرف على حاضنة الكلاب نتطلع إلى تعميم وتصدير هذه التجربة عربيا وإفريقيا”.
وأشار عياد إلى محاولة تدريب الكلاب، أيضا، على فحص عينات الإصابة بفيروس كورونا، لتحقيق نتائج تتقارب من نتائج فحوص الـ “PCR” التقليدية لاكتشاف الإصابة بالفيروس التاجي.
ووفق أحدث إحصاء لوزارة الصحة التونسية، إن عدد الإصابات السنوية بسرطان الثدي لدى النساء تجاوز 3 آلاف حالة، فيما تشير الترجيحات إلى ارتفاعها في عام 2024 إلى أكثر من 4 آلاف حالة.