فن حرام.. وقتل حلال

09 يوليو 2013 - 00:00

 

نفس الدعوة المتطرفة للقتل تعرضت لها من قبل الفنانة لطيفة أحرار، حين قدمت مسرحية «كفر نعوم» المقتبسة من ديوان رصيف القيامة للشاعر عدنان ياسين، حيث قامت حينها القيامة؛ وأعدوا لها كفنا للرحيل الفعلي إلى رصيف القيامة.. فقط لأنها اقترحت -ولم تفرض- على الجمهور رؤية جمالية تجريبية من خلال «مونودراما» عبثية، تسائل الموت والحياة بتوظيف التعبير الجسدي، حيت تبدأ المسرحية بجسد الشخصية مخنوقا في بذلة رسمية وربطة عنق، ثم متحررا بلباس البحر، إلى أن يختفي في النهاية داخل برقع أفغاني.. واستنادا إلى صورة من مشهد درامي تظهرها بلباس البحر قدمت خارج السياق، كتب أعداء الفن والحياة على صفحة افتراضية: «قتل لطيفة أحرار هو إنقاذ شعب».
هل بمثل هذه الشعارات المحرضة على الكراهية والعنف سننقد الشعب؟ الشعب يحتاج إلى من ينقذه من المفسدين والمهرجين السياسيين والمتطرفين والمتاجرين بمصالحه؛ والشعوب لا تتقدم بالتطرف والانغلاق والتحجر الفكري، بل بالانفتاح والعلم والثورة على الجهل وبحرية التعبير والإبداع الفني.
الفن ليس درسا مباشرا في الأخلاق.. الفن تمرد وتكسير خيالي لواقع رتيب.. هو استفزاز وإزعاج وتحرش جمالي بالمتلقي.. الفن هو مراودة المستحيل إلى أن يستسلم للممكن، وهو التربص بالزيف إلى أن تسقط الأقنعة.. وما عدا ذلك، فهو مجرد تسلية عابرة. 
فالفن اللطيف والمهذب الذي يضع حجابا أنيقا على جسده الجميل، هو مجرد استنساخ باهت خاضع لمنطق وقيود الواقع.. الفن الذي لا يدهش ويقترح رؤى مختلفة، يكاد يشبه ربورطاجا مصورا يحكي الحياة بتفاصيلها السطحية المملة.. هو اجترار فقط لما هو كائن، لا يقدم بديلا جماليا أو رؤية فلسفية للحياة، لا يستفز ولا يغير ولا يحفز على التأمل والتفكير، يكتفي بإعادة إنتاج نفس المسلمات الجامدة دون مساءلة أو تشكيك أو تكسير للنمطية.
من كثرة تنميط المتلقي على نموذج واحد وأحادي للفرجة الفنية، سواء في المسرح أو في السينما، أصبحنا نرفض ونتصدى لأي تجريب إبداعي يتمرد على المألوف.. تصدمنا الرؤى الإبداعية الجريئة، خصوصا إذا تطاولت على قدسية اللغة وحرمة الجسد، وفضحت عقدنا النفسية والاجتماعية، وكشفت عرينا عبر مرايا الإبداع.
الفن حرية وجرأة واحتفاء بالجمال، والجسد من أقوى الرموز «الإستتيقية» في الوجود. والفن في النهاية ليس قانونا أو مدونة سلوك يفرضها المبدع على المتلقي، هو فقط وجهة نظر مختلفة تحرض على الحوار والتأمل وليس على الكراهية والقتل. 
لاتزال دعوات هدر دم الفنانات إلى هذه اللحظة محدودة وافتراضية.. ما أخشاه هو ولادة الخوف الذي يقيد الحرية.
 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي