تدخل قوات الأمن في ليلة الاحتجاج على دانيال

04 أغسطس 2013 - 09:49

 كل الطرق المؤدية إلى مقر القبة التشريعية مسيجة برجال الأمن بمختلف التلاوين. وما إن يقترب أحد الشباب من منفذ معين صوب الشارع الرئيسي، حتى يجد سدا منيعا من رجال الأمن واضعين الخوذات على رؤوسهم وحاملين الهراوات بين أيديهم. 

بدت حالة الاستنفار واضحة، وبدأت الفئات الأولى من المُلتحقين تكثف الاتصالات من أجل البحث عن منافذ أخرى للشارع. سيارات رجال الأمن ظلت مرابطة في كل زوايا شارع محمد الخامس، وأيضا سيارات الإسعاف، وهو ما كان ينذر بأن الليلة ستكون عصيبة لا محالة.

على الرغم من التشديدات الأمنية، ظل المتظاهرون يصرون على الوصول إلى نقطة الالتقاء أمام مقر البرلمان، وهنا بدأت فصول حرب ضارية قادتها قوات الأمن ضد مواطنين عزّل قدموا للتعبير عن رفضهم للعفو الملكي عن السفاح الإسباني الذي أثار جدلا داخليا وخارجيا. 

"آش خارجين ديرو فهاد الليل"، هكذا واجه أحد رجال الأمن مجموعة من الصحافيات اللواتي وقفن بالشارع، قبل أن يضيف "يا الله اللي عندها شي غراض تمشي ليه..تقلعوا من هنا". مثل هذه الردود، واجه بها رجال الأمن المحتجين الذين لم يبلغوا بعدُ قبالة بوابة البرلمان، أما غيرهم ممن تمكّن من الوصول، فقد استُقبل بالهراوات التي ظلت تضرب ذات اليمين وذات الشمال دون أدنى إحساس بالرحمة. 

صراخ المصابين كان يسمع من بعيد، وفي كل مرة تصل أخبار عن أن أحدهم نقل إلى المستشفى وآخر مغمى عليه وثالث يغوص في الدماء…صار الأمر أشبه بساحة حرب. 

منذ الوهلة الأولى، بدت ملامح رجال الأمن شرسة للغاية، وهو ما يؤكد تلقيهم تعليمات بإسالة الدماء على الطرقات، وتفريق المحتجين، على الرغم من سلمية احتجاجهم، بأي طريقة كانت. لم تعد عناصر الأمن تفرق بين كبير ولا صغير، وبين صحافي يؤدي مهمة وبين شاب يعبُر الطريق إلى وجهة معينة…الكل صار في نظرهم أهلٌ لأن يضرب وينكّل به. 

في حدود الساعة العاشرة والنصف، بدأت أفواج المحتجين تصل من مدن أخرى مجاورة، خصوصا القنيطرة والدار البيضاء، ومع توالي إقبال الوفود على مكان الوقفة السلمية، كانت حدة شراسة رجال الأمن تزداد. يقول أحد المحتجين "الليلة ستكون دامية أكيد". ويضيف آخر "لقد ضربوا بقوة وقد تم نقل الكثيرين إلى المستشفى".

كل أصناف رجال الأمن كانت حاضرة، وأيضا وكيل الملك الذي ظل يجول بزيه الرسمي. بعض المصادر قالت إن "رجال الأمن والسيمي الذين فرقوا الوقفة تم إحضارهم من مدن أخرى، وتم إعطاؤهم تعليمات صارمة من أجل تفريق المتظاهرين بالقوة". 

قبالة مقر البرلمان، تمكنت مجموعة من المحتجين من اختراق الحواجز الأمنية والوصول إلى مكان الوقفة، كانت ضمنهم الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي، ونائبها عبد الحميد أمين. وبعد دقائق قليلة من ترديد شعارات منددة بالعفو، هاجم رجال الأمن المتظاهرين وصاروا ينفذون الأوامر والتعليمات. الهراوات تنزل على الأجساد، ولم يتم استثناء الصحافيين الذين كانوا يقومون بمهامهم، حيث تم تعنيفهم وكسر هواتفهم وأيضا آلات التصوير والكاميرات. "ما كنعرف لا صافي لا …"، هكذا واجه أحد رجال السيمي الصحافية نادية لمليلي، التي أصيبت في يدها وتم كسر الكاميرا التي كانت تحملها. تقول "شعرت بالإهانة"، وصارت تبكي بحرقة. 

إلى جانب الصحافية المصابة، كانت فدوى مرحوب، المكلفة بالتواصل في المجلس الوطني لحقوق الإنسان تغوص في الدماء، بعدما تلقت ضربة قوية على مستوى الرأس. بدأت الاعتداءات والإصابات تتزايد، وصار المشهد أشبه بساحة حرب. المتظاهرون في كر وفر، ورجال السيمي وراءهم بالهراوات، حيث يلاحقونهم في كل الدروب والأزقة. ويلحقونهم أيضا بالمقاهي والمطاعم التي هاجموها حاملين عصيهم التي تستقر فوق رؤوس وظهور المحتجين. 

أمام مقهى باليما، تجمع عدد من رجال السيمي حول شابة في الثلاثينات من العمر، كانت تصرخ بينما أحدهم يوجه هراوته إلى ظهرها، وآخر يجر نهديها وثالث يرمى بهراوته صوب مؤخرته. كانوا يسعون إلى التنكيل بها بينما هي تصرخ بأعلى صوتها مرددة "حيوانات…وحوش". 

وفي الركن الآخر، كانت مجموعة أخرى تجري صوب شاب رفض أن يجره السيمي من عنقه، وظل يصرخ "أنا أدرس أمثالك وتتجرأ لتضع يدك علي…أنا أديت القسم وحضرت هنا من أجل رسالة إنسانية وأنت تضربني". حاول أحد صحافيي القناة الثانية ثني المجموعة عن ضرب الشاب، لكن سرعان ما صار الصحافي موضوع اعتداء بدوره، حيث تم جره ورميه أرضا، وصارت الهراوات تنهال عليه من كل الجوانب". بدأت دماء الصحافي تنزل، وما كان من إحدى مرافقاته سوى أن ارتمت فوقه محاولة منع بعض الضربات عن جسده الذي بدأ ينزف، لتنال حظها من التعنيف والضرب".

استمرت مشاهد العنف إلى غاية ساعة متأخرة من الليل، والحصيلة عشرات الجرحى والمصابين، الذين تم نقل بعضهم إلى المستشفى فيما بقي آخرون مفترشين الأرض يوزعون التصريحات على القنوات الدولية. 

وفي تعليق له على ما وقع، نفى وزير الداخلية امحند العنصر أن يكون أعطى أي تعليمات لتعنيف المتظاهرين. وقال في اتصال مع "أخبار اليوم" "أعطينا التعليمات من أجل تأطير الوقفة ومنع رفع شعارات معينة، أما تعنيف المتظاهرين فلم تكن واردة البتة". وأضاف "في حدود الساعة العاشرة ونصف، عندما بلغني ما يحصل في الشارع، اتصلت لأستفسر، وقلت لهم اتركوا الناس طالما أن الأمور سلمية". وأكد وزير الداخلية "نحن نحقق فيما وقع، وإذا ثبت أن هناك أخطاء إدارية سيتم معاقبة المسؤولين عليها". 

ضربَ رجال الأمن بقوة، لكن ذلك لم يثن المحتجين عن ترديد بعض الشعارات المتقطعة، كما زاد العنف من رغبتهم في تنظيم وقفات أخرى في أماكن مختلفة لإيصال رسالة التنديد والاحتجاج إلى السلطات وأيضا إلى العالم، الذي تفرج على فصول رد الدولة على وقفة سلمية رفضت تمتيع وحش اغتصب براءة 11 طفلا مغربيا من عفو ملكي…فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، وأيضا اليابان، الكل تفرج على صور دماء أبناء المغرب وهي تسيل من أجل الكرامة. 

 

 

 

.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي