هناك تخوفات حقيقية على مستقبل الديموقراطية في ما بات يعرف بدول الربيع العربي، وذلك لعدة أسباب. أولا، هناك صعوبات المرحلة الانتقالية المطبوعة بالتعقيد، وهي مرحلة فاصلة بين مرحلتين تتطلب الكثير من النضج والاستعداد للتنازل والبحث عن أنصاف الحلول للعبور نحو المرحلة الديموقراطية..
في الحالة المصرية هناك غموض كبير يحيط بعملية التحول الديموقراطي، فقد جرت الأمور بسرعة كبيرة، وتم اختزال المرحلة الانتقالية في إعداد الدستور وتنظيم الانتخابات، وحسمت الأمور بالأغلبية العددية، ولم يتم اعتماد العدالة الانتقالية لتصفية انتهاكات الماضي وطي صفحة الصراعات والأحقاد. ومنذ اليوم الأول تم اللجوء إلى أدوات العدالة الجنائية، ومحاكمة رموز النظام السابق أمام قضاء يحتاج بدوره إلى الكثير من الإصلاح… وهو ما ساهم في تعميق حالة التقاطب السياسي، ودفع بمراكز النفوذ داخل النظام السابق إلى التكتل للدفاع عن مصالحها.
ثانيا، إحساس جزء من الفاعلين السياسيين بالضعف أمام القدرة التعبوية للإسلاميين وفشلهم الذريع في ساحة التنافس السياسي، وهكذا، وأمام إرادة اختزال المرحلة الانتقالية في الديموقراطية العددية، وبالموازاة مع ضعف آليات الحوار السياسي، وفي غياب ضمانات مطمئنة للتيارات الليبرالية والعلمانية، فقد لجأت هذه الأخيرة إلى محاولة عزل الإسلاميين، وجر الجيش إلى الساحة السياسية، بدعوى حماية الديموقراطية وإنقاذ البلاد من الانهيار، والتنسيق مع رموز النظام السابق لإضعاف الإسلاميين، ولم لا، محاولة استئصالهم من الساحة السياسية.
هذه الفئة تحاول توفير غطاء مدني للانقلاب العسكري الذي جرى تنفيذه يوم 3يوليوز، عبر الحضور الإعلامي المكثف، وتجنيد وسائل الإعلام المصرية والعربية لكيل الاتهامات وتزوير الحقائق لخلق المزيد من التقاطب في الساحة السياسية بالشكل الذي يضفي الشرعية على حكم العسكر.
بدون شك، ساهم جزء من الإسلاميين في تعميق الهوة مع هذا التيار، لكن هذا الأخير أبان عن نزعة انتهازية وسقط في الاختبار الديموقراطي عند أول امتحان.
العامل الثالث، وهو أن صيرورة التحول الديموقراطي في المنطقة العربية لا تجري بعيدا عن العوامل الإقليمية والدولية التي تصر على حماية مصالحها الاستراتيجية، ولو على حساب مسار التحول الديموقراطي. مشكلة الكثير من الإسلاميين أنهم لا يقدرون جيدا دور العامل الدولي والإقليمي، ويفكرون في كثير من الأحيان بطريقة مثالية.
ومن المؤكد أن العديد من إدارات الدول الغربية تريد ديموقراطية على مقاس مصالحها الاستراتيجية، ولذلك لن تسمح بأنظمة سياسية جاءت في أعقاب ثورات شعبية حقيقية. وكما رفضت الأمس نموذج الأنظمة الشيوعية والاشتراكية وحاربتها، فلن تسمح اليوم بوجود أنظمة سياسية تجمع بين الإسلام والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
في هذه النقطة هناك التقاء موضوعي مع بعض الأنظمة الرجعية في العالم العربي التي تبني مشروعيتها على قراءة استبدادية للدين الإسلامي، وترفض أي محاولة لتبيئة الديموقراطية في تربة إسلامية، لأنها بكل بساطة ضد التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة والمساواة بين الرجل والمرأة وغير ذلك.
رابعا، إذا كان جزء من النخب الليبرالية واليسارية لم ينجح في الاختبار الديموقراطي، فإن التيارات الإسلامية أبانت عن محدودية واضحة في القدرة الاستيعابية، وانزلقت إلى خطابات حادة لا توفر الضمانات اللازمة لبناء الثقة مع باقي الأطراف.
ولذلك، فإنها لجأت للشارع للدفاع عن نفسها من تكالب الجميع ضدها.
صحيح أن الشعب كشف عن إرادة رافضة للانقلاب، تتجاوز بكثير إرادة الإسلاميين، لكن من المؤكد بأن الشارع ليس هو المؤهل للتفكير في سيناريوهات الخروج من المأزق الذي يوجد فيه الجميع، ولذلك فإن مسؤولية النخب السياسية من كل التيارات تبقى حاسمة للخروج من لحظة الغموض ورسم آفاق سياسية مقبولة من الجميع وقابلة للتطبيق على الأرض.