العروسي : المجتمعات المقموعة التي تعيش في نفاق اجتماعي مرشحة للانفجارات الكبرى

28 أغسطس 2013 - 21:02

 

خروجك عن الإجماع بآرائك الجريئة حول الحداثة والجماليات يبدو مقبولا، لكن أن يكون بقبلة، الأمر مستفز؟

 أولا أرجوكِ، يتعلق الأمر بعمل فني «بيرفورمانس» من تصور وإنجاز الفنانة التشكيلية كنزة بنجلون والتي هي بالمناسبة شريكة حياتي. الأمر لا يتعلق بمجرد قبلة عابرة، هي قبلتنا نحن الاثنين أولا، وهي قبلتنا كموقف فني ثانيا، وأخيرا هي قبلتنا للرد على التقليدانيين أيا كانت توجهاتهم.. والدليل هي أنها أخذت من الاهتمام ما لم يكن متوقعا.

 

هل كانت قضية قبلة الطائرة تستحق منك كل هذا الرد القوي؟

 كانت في سياق عام، ابتدأ مع التعرض لعدد من الفنانات، وبالخصوص على مواقفهن الفنية البحثة: سناء عكرود، لطيفة أحرار، مسرح أكواريوم بمسرحية ديالي، ثم ظهور فكرة غريبة على ساحة النقاش العمومي خلال إحدى المهرجانات أسماها أصحابها الفن النظيف. حينها أحست كنزة وأنا معها، أن الخناق يمكن أن يضيق حول عنق المبدع وحول عنق الأفراد في المجتمع..لذلك كان لا بد من القيام بشيء ما، فكانت تلك القبلة التاريخية.

 

دعوتك لنشر صور القبل بين الأزواج عبر الفايسبوك، لم تحظ بتجاوب كبير..ما تعليقك؟

 من أهم الأجوبة على سؤالك نجد صعوبة إعلان الحب عند المغربي بسبب ثقل التقاليد، لكن لا تنسي العدد الكبير للذين ساندونا مباشرة أو عبر الهاتف والفايسبوك، والذين كانت لهم الشجاعة للتعبير عن رأيهم  بوضوح عبر الجرائد .. وما يثلج الصدر هو اعتزام عدد من الشباب تخليد هذه الذكرى كعيد للحب على الطريقة المغربية. ة

 

 في مجتمع محافظ متشبث بالماضي وبثقافة السلف، يبدو دفاعك عن قيم الحداثة وكأنه صيحة في وادي؟

ما أجمل الصيحة في الوادي، يتردد صداها في الشعاب المقابلة وتصيب القادمين من المستقبل. لا أظن أن المجتمع متشبث بالماضي، فهناك شيء ما مطبوع في بيولوجية البشر ومن ثمة في لا شعورهم، ما يجعلهم يتقدمون إلى الأمام، قد يتأخر التقدم لكنه سيأتي.. أنظري إلى ما يحدث في المجتمع في عمقه ولنأخذ مقياس تواجد المرأة في الفضاء العمومي، أنا أرى أن النساء يقتحمن الحياة والفضاء العمومي، وهذا الاكتساح سيفجر مطالب دقيقة بدأنا نلمسها من خلال النضالات اليومية للجمعيات النسائية. لا تغرنكِ المظاهر، فالمجتمعات المقموعة التي تعيش حياتها بوجهين في نفاق اجتماعي مستديم؛  مرشحة للانفجارات الكبرى.

صدى صوتي إذن سوف يلتقي بالشابات وبالشبان القادمات والقادمين من شعاب المستقبل.

 

 لكنك اعترفت في أكثر من مرة وفي روايتك الأخيرة «ملائكة السراب» بأن المغرب عبر التاريخ كان دائما يشهد مقاومة ورفضا لقيم الحداثة؟

 نعم أكيد، قلت هذا في روايتي الأخيرة التي توقفتْ أحداثها مع بداية فرض الحماية على المغرب. حيث يستشف منها القارئ كيف أدار المغرب ظهره للحداثة، وكيف أن الفكر التقليداني وقف دائما حجر عثرة بالنسبة لتقدم البلاد، لكنه دائما يقدم تنازلات في نهاية المطاف، فقد كان ضد بابور البر، والتلغراف والتلفون وآلة التصوير…لكنه في كل مرة يتراجع وينسى أنه كان بالأمس القريب ضد التقدم. نفس الشيء بالنسبة لقيم الحرية والمساواة، أتذكر بلذة لا تخلو من مكر موقف الفقهاء وهم يتسابقون للعثور على نصوص شرعية حتى من خارج المذهب المالكي لتبرير مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية، رغم أنهم جيشوا الدهماء سنتين قبل ذلك للوقوف ضد خطة إدماج المرأة في التنمية. فعلوا هذا لأنهم أرغموا على ذلك. 

على التقليدانيين أن يقرؤوا التاريخ، نحن نتقدم، لكن ليس بالسرعة المطلوبة، لهذا تحدثت عن إمكانية الانفجارات الكبرى.. فالحركية الدفينة في المجتمع تتجه نحو التغيير، والقوانين والمؤسسات لا تواكب ذلك للأسف.. لذا رحب الجميع بحركة 20 فبراير ولذا يطالب عدد من المتنورين بأخذ قرارات سياسية شجاعة تجنب البلاد انشطارا عميقا. 

 

 كمثقف عضوي، ما سبب تراجع التيار الحداثي وخفوت صوته أمام اكتساح وتأثير التيار المحافظ ؟

لا أدري هل بوسعي أن أقاسمك نفس القناعة؟، أكيد أن التيار المحافظ منظم بشكل يكاد يكون عسكريا وأنه يتمظهر في الفضاء العمومي لأن السلطة تسمح له بأكثر ما يسمح له به القانون. التيار المحافظ موجود في المسجد والمدرسة والساحات العمومية وعند بائعي الأقراص المضغوطة وعند بائع البقدنوس والتين الهندي وفي التليفزيون وكذا بعدد من البرامج وفي الراديو وعلى صفحات الجرائد…بينما لا يسمح للتيار الحداثي حتى باستعمال القاعات العمومية إلا إذا مر من سم الخياط وحُقَق معه في محتويات أنشطته. فضلا عن توفر التيارات المحافظة على إمكانيات مادية لا أدري كيف تحصل عليها. صوت الحداثة إذن لا يسمع لأن ضجيج الأبواق يغطيه.

 

 باستثناء أسماء معدودة، يصمت أغلب المثقفين الحداثيين لما تُثار قضايا الحريات الفردية وحرية العقيدة؟

 ومن هم هؤلاء المثقفون الذين نتوخى منهم الصمود أمام هذا المد التقليداني؟ عندما نذكر هذه المواقف فإننا نقارنها بصلابة المثقف في السبعينات والثمانينات ونتأسف لانعدام هذا الصنف من المثقفين اليوم.

 

ولماذا انعدموا أو بالأحرى أصبحوا قلة؟

  لذلك قصة طويلة ألخصها كالتالي: 

هذه نتيجة حملة بدأت نهاية السبعينات وأواسط الثمانينات، بالهجوم على الجبهة الثقافية بعد أن أحكمت السلطة سيطرتها على الجبهات السياسية.. حدثَ عندها ما يمكن أن أسميه اختراقا للمجال الثقافي الذي استفاد منه أولئك الذين كان قد أتى بهم التجييش الثقافي لإحكام السيطرة على مؤسسة اتحاد المغرب من طرف الهيئات السياسية.. فالتحق بهذه الهيئة عددٌ من أصحاب الأقلام الضعيفة للحصول على اعتراف بوضعياتهم ككتّاب، وقايضوها عند الضرورة بمناصب أو امتيازات جعلت المثقفين المناضلين الممانعين يحسون بالإحباط وبلا جدوى الصمود الثقافي كما كانوا يسمونه. كما ساهمت فيه بالطبع أحزاب سياسية استعملت المثقفين لأغراضها المحدودة الأفق، وكذلك الصحافة التي غيرت اتجاهها وضيقت من المساحات التي كانت تخصصها للثقافة بشكل عام. 

لذا نجد اليوم عددا من المثقفين استطابوا هذه الوضعية  وعددا آخر يحس أن القطار فاته ويتفرج مع المتفرجين. 

 

 لماذا كل هذا العنف وحملات التكفير والتخوين التي تواجه المثقفين المدافعين عن الحريات الفردية والجماعية؟

 لضعف الحجج عند التقليدانيين، لذا فهو يجيش الدهماء لإسكات الأصوات التي تسبب لهم هدرا في الكتلة الناخبة التي يقايضون بها مناصب في البرلمان أو في الحكومة. لو كانت لديهم القدرة على المحاججة لألفوا كتبا أو أنجزوا أفلاما أو أخرجوا مسرحيات، لكنهم لا يستطيعون لذلك سبُلا، لذا يجيبون بالسيف.

 

تبدو شرسا في الدفاع عن الحق في الاختلاف وحرية التعبير، لكنك عنيف وإقصائي في ردود فعلك اتجاه التيار المحافظ (تنعته بالظلامي والمتخلف والدهماء…)؟

 إذا انتبهت، فإن هذا السجل من المفردات لا أستعمله إلا عندما يتعلق الأمر بجماعة ترد بالعنف ولا ترد بالحوار، وأستعمله بالخصوص للتعبير عن جماعة بدون وجه وبدون موقف وإنما تسيّر بأمر مجهول وبالتيليكوموند. هذا السواد من الناس الذين لا تجمعهم إلا الرغبة في إشباع غريزة الدم، هي الدهماء التي أقصد.. أما الظلاميين فلا أتذكر أنني استعملتها. 

 

 أظن أني قرأتها في أحد تصريحاتك الصحفية؟

 لا أذكر، أو ربما هي تأويل شخصي لناقل التصريح.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي