معمرون تجاوزوا الـ110 أعوام يقاومون جسديا ومعنويا داخل دور رعاية في فرنسا

11 فبراير 2022 - 07:00

تتمنى الراهبة أندريه، وهي من أكبر المعمرات في العالم، في عيد ميلادها الـ 118 أن « تموت بسرعة »… لكنها تترك باب غرفتها في دار للمسنين في جنوب فرنسا مفتوحا بشكل دائم في حال فكر أحدهم في زيارتها والاطمئنان عليها.

وتمضي أندريه معظم وقتها في التفكير والصلاة والنوم، جالسة على كرسيها المتحرك ومغمضة عينيها اللتين لم تعد تبصر بهما.

أما نهارها داخل دار الرعاية الواقع في مدينة تولون على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، فيبدأ باكرا، إذ يساعدها مقدمو الرعاية على النهوض عند السابعة صباحا والجلوس إلى الطاولة لتناول الفطور، ثم يصطحبونها إلى الكنيسة لتصلي.

وتعتبر لوسيل راندون التي كانت راهبة لأكثر من 40 عاما، أن عدم قدرتها على التحرك بمفردها لتلبية حاجاتها أمر « مريع ».

وتعرب عن سعادتها عندما يرافقها شخص ويبقى معها كما يفعل ديفيد تافيلا الذي أصبح كذلك ناطقا باسمها، يهتم بالرد على طلبات مقد مة من صحافيين من العالم أجمع لإجراء مقابلات، ويتلقى رسائل موجهة لها فضلا عن علب من الشوكولا.

وأرسل لها إيمانويل ماكرون، وهو الرئيس الفرنسي الـ18 الذي عايشته، بطاقة تمنيات للعام 2022 مكتوبة بخط اليد، لأن لوسيل المولودة في 11 فبراير 1904 في أليس بمنطقة غار هي عميدة سن الفرنسيين والأوربيين، ونائبة عميدة السن في العالم بعد اليابانية كاني تاناكا البالغة 119 عاما .

ولا تمثل هذه المعطيات أرقاما نهائية، إذ سبق أن تغيرت أرقام قاعدة البيانات الدولية حول طول العمر (IDL) بفعل دخول أشخاص أكبر سنا إليها بعد التعر ف عليهم من خلال موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

وعندما يتعلق الأمر بمتوسط العمر المتوقع، تذكر بلدان ومناطق تضم عددا كبيرا من المعمرين في العالم، أبرزها اليابان و »المناطق الزرقاء » المعزولة في سردينيا واليونان وكوستاريكا.

ورغم أن فرنسا لا تظهر بشكل واضح في هذه اللائحة، أمضت جان كالمان، وهي الشخص الذي عاش أطول عمر في تاريخ البشرية، حياتها في منطقة بروفانس، وتوفيت عن 122 عاما في آرل عام 1997.

ويعيش في جنوب فرنسا كذلك عميد السن الجديد المحتمل للفرنسيين أندريه بوات، وهو من الرجال المعمرين الفائقين (من تجاوزت أعمارهم الـ110 أعوام) القلائل.

ولا يزال الرجل البالغ 111 عاما يعيش داخل منزله في نيس، لكنه يفضل عدم إجراء مقابلات صحافية.

ويشير المعهد الفرنسي للإحصاء إلى أن فرنسا تضم حاليا في المجموع نحو ثلاثين ألف معمر وحوالى أربعين تزيد أعمارهم عن 110 أعوام. وفي العام 2015 سجل وجود نصف مليون معمر في سن مائة عام وما فوق في العالم كله، وفق بيانات الأمم المتحدة، ومن الممكن أن يصل العدد إلى 25 مليونا عام 2100.

تستيقظ إرمين سوبيون البالغة 110 أعوام من قيلولة على كرسيها المتحرك عند مدخل مطعم دار الرعاية الذي تعيش فيه والواقع في قرية بانون وسط الهضاب المزروعة بشجر السرو والصنوبر في منطقة آلبدو أوت بروفانس.

ينبض وجهها الجميل بالحياة مع ابتسامة عريضة وعينين تحدقان بمن يتحدث إليها. ولا تعاني سوبيون من مشاكل صحية بل تواجه عجزا جسديا وصمما يعزلها عن العالم.

ولم يمثل طول العمر هدفا لها، وكذلك لأختها إميليان البالغة مائة وسنتين.

ولا تعاني كذلك الراهبة أندريه من مشاكل صحية باستثناء تصلب في العضلات والمفاصل بسبب قلة حركتها، ويتطلب وضعها الصحي علاجات يومية قليلة، ما يشكل « أحد أسرار طول عمرها »، وفق ما تعتبر طبيبتها جنفياف أغاي دريغيز.

ويوضح أنها تخطت بسهولة فيروس كورونا الذي جعلها متعبة قليلا، مضيفا أنها « تنجو من الأمراض كلها » « وعندما نتحدث معها تقول لنا +بكل الأحوال، لقد اجتزت الإنفلونزا الإسبانية+ ».

ولاحظ متخصصون في المجال الطبي أن المعمرين الذين ولدوا قبل وباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، قاوموا كوفيد-19 بشكل أفضل ممن ولدوا بعد جائحة 1918.

وفي منطقة فالرياس المجاورة، تعيش ألين بلان، وهي مدرسة سابقة تبلغ 110 أعوام وتزورها ابنتها مونيك (76 عاما) بشكل يومي تقريبا .

ورغم تمتع كبار السن هؤلاء بقدرة على الصمود، إلا أنهم كانوا شاهدين على رحيل عدد كبير من أحبائهم، ولم يعد لديهم أي شخص يشاركون معه ذكرياتهم.

ولا يعتبر الموت موضوعا محظورا لدى المعمرات، إذ يتحدثن عنه بشكل يومي.

وتشعر الراهبة أندريه أنها مستعدة لمواجهة الموت، وتقول، « تمضي طوال يومك بمفردك ومع ألمك، الأمر ليس ممتعا « .

ولم يتوصل العلم بعد لتحديد السبب الرئيسي وراء هذا العمر المديد.

ويقول الأخصائي في علم السكان المتخصص في الشيخوخة جان-ماري روبين، « لا نملك معلومات مؤكدة بل فرضيات »، مضيفا أن « طول العمر يتأثر إيجابا بالثروة الاقتصادية وبالعيش داخل مجتمعات تسودها الديمقراطية وحتى الديمقراطية الاجتماعية، وبعوامل غذائية تشمل حميتين غذائيين رئيسيتين هما اليابانية (الأسماك والخضروات) وحمية البحر الأبيض المتوسط « .

ويؤكد أن « طول العمر لا قيمة له من دون العيش ضمن ظروف جيدة ».

وتؤثر كذلك في طول العمر معايير خاصة بكل فرد تتمثل بوجود جينات معينة أو بغيابها.

وترى الأستاذة في علم النفس الخاص بالشيخوخة في جامعة لوزان وفي مركز « لايفز » الألماني دانيالا س.جوب، أن « كبار السن يمثلون دليلا على صمود هائل أمام ظروف قاسية يعيشون فيها »، مشيرة إلى أن التفاؤل يؤثر إيجابا في الجهاز المناعي.

وتوصلت الباحثة من خلال دراسات أجرتها على معمرين ألمان وأمريكيين، إلى سمات مشتركة تجمع هؤلاء الأشخاص، وتتمثل في أنهم منفتحون، وجذابون، ويتفاعلون اجتماعيا، ولديهم شغف حول أمور عدة وهدف معين في الحياة، كما أنهم يطورون استراتيجيات للتكيف، فضلا عن أناقة تطغى على مظهرهم.

كلمات دلالية

دور رعاية فرنسا معمرون
شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي