هكذا صرح ضيف على أمواج إحدى الإذاعات الخاصة بالدار البيضاء. ولما استغرب الصحافي هذه الدعوة إلى حل الأحزاب والبرلمان والحكومة، وأراد أن يفحم المتدخل، قال له: «ومن سيسير البلاد والشؤون العامة للدولة إذا استغنينا عن المؤسسات؟». الضيف كان جاهزا وقال له: «هل تظن أن الدولة تُسير من قبل الحكومة؟ الحل موجود: صاحب الجلالة يسير البلاد وشؤونها بمساعدة الكتاب العامين للوزارات والموظفين الكبار… ومريضنا ما عندو باس».
هذا هو ملخص الحوار الإذاعي الذي انتهى بهذا الحل، والغريب أنني لم أسمع أحدا من المتدخلين فيما بعد، وهم كُثر، يرد على هذا الرأي، ويقول إن هذا معناه «إلغاء شيء اسمه الديمقراطية»، أو إن «حل الأحزاب والحكومة والبرلمان وإلغاء الانتخابات له معنى واحد هو: الاستبداد المطلق»… عندما تفكر في كلام هذا الضيف الذي يدعو إلى إلغاء مظاهر الديمقراطية الهشة أصلا في المملكة، تتساءل مع نفسك عن الدوافع التي تحرك صاحب هذا الرأي، ونجدها دوافع تستحق الاهتمام، حيث يظهر هذا التنظير البدائي للاستبداد كنتيجة منطقية لمقدمات عديدة تقود بعض المغاربة إلى الكفر بالديمقراطية التي لا تنتج أشياء ملموسة تفيد حياة المغربي، أمام واقع يبدو أنه لا يتغير، إلى الأحسن على الأقل.
ما معنى أن يستغرق تعديل حكومي طفيف وسطحي أكثر من 10 أسابيع، مع العلم بأن «الأحرار» حزب ليس له برنامج ولا رؤية ولا نخب قادرة على امتلاك قيمة مضافة إلى أية حكومة. «الأحرار» مثل «الشناقة» في سوق الخرفان، يدخلون في الصباح إلى سوق المزايدات، فيشترون هنا ويبيعون هناك… بلا رأسمال ولا مجهود ولا عمل. كائنات طفيلية تعيش على أعطاب التجربة الديمقراطية التي يطالب صاحبنا بإلغائها من الأصل.
ما معنى أن تصدر «قفة» من أحزاب «الكارتون» بيانات تدين الصحافي علي أنوزلا قبل أن توجه النيابة العامة إليه أي اتهام، في محاولة لإظهار الولاء والطاعة للسلطة.
الدولة إذن، غير محتاجة، مع هذه الأحزاب، إلى محاكم ووزارة عدل ونيابة وقضاء ومرافعات. يكفي أن تعطي الإشارة لهذه الأحزاب حتى تخرج لإعطاء تفويض غير مشروط للسلطة بقطع رأس أي خصم أو عدو لها. فلماذا لا يكفر البعض بالديمقراطية التي لا يعرفون عنها غير ما يرون أمامهم من مسرحيات هزلية ومن نخب سياسية تلعب أدوار الكومبارس المملة.
عندما يخرج رئيس الحكومة يقول: «إننا نساعد جلالة الملك، وإن أمير المؤمنين هو رئيسي الفعلي»، فلماذا لا يطرح عليه «صديقنا أعلاه» السؤال: «ومن أنت حتى تساعد الملك؟ الملك يستطيع أن يجد أشخاصا آخرين أفضل من بنكيران لمساعدته». إذا لم تكن الحكومة تتمتع بشرعية ديمقراطية ومشروعية تمثيلية، وإذا كانت هي نفسها زاهدة في مصدر قوتها هذه، فلماذا لا يطالب مواطن بتنصيب «حكومة الكتاب العامين للوزارة برئاسة الملك»؟
إن الصورة التي يسوقها الإعلام الرسمي، وفي مقدمته التلفزة، والإخراج الذي يعطى للمشاريع الكبرى التي يقف وراءها القصر، وتقاعس الحكومة عن العمل المنتج والفعال الذي يلمس الناس أثره في حياتهم… كلها عوامل تدفع المواطنين إلى طرح السؤال: ماذا نفعل بهذه المؤسسات التي لا تنتج شيئا؟ وإذا ما رميناها من النافذة ماذا سيقع؟ إن نظام الاقتراع الذي «يبلقن» الحياة السياسية، ويكافئ الأحزاب المصطنعة التي لا تعبر عن أية قوة مجتمعية، ولا عن أي توجه إيديولوجي أو برنامجي، معناه في المحصلة النهائية أننا نزرع ألغاما متفجرة في قلب أي تجربة للتحول الديمقراطي في البلاد.
الديمقراطية بالتعريف هي دولة الأحزاب، لكن أية أحزاب؟