يرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية الحالية، غير جادة في إيجاد أي حلول سياسية للقضية الفلسطينية، وأنها تسعى لاستنساخ سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، القائمة على « تحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي ».
وأنهى نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي مبعوث الإدارة الأمريكية هادي عمرو مؤخرا، جولة في الشرق الأوسط، شملت أراضي السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأردن. ويعتقد خبراء، أن هادي لم يأت بمبادرات لحل سياسي، بل أعاد استنساخ حلول اقتصادية سعت إليها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ضمن ما عرف بـ « صفقة القرن ».
وكان بيان صحفي لمتحدث باسم السفارة الأمريكية، ذكر الأسبوع الماضي، أن زيارة عمرو تمت ( بين 13 و18 مارس الجاري) من « أجل البناء على رؤية الرئيس بايدن لدفع تدابير متساوية للحرية والأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين على حدٍ سواء ». وأضاف أن عمرو يعمل أيضا على « تقليل التوترات » و »تنفيذ خطوات اقتصادية محددة من شأنها تحسين ظروف الحياة ».
وفي السياق نفسه، كانت وحدة الشؤون الفلسطينية بالقنصلية الأمريكية في القدس أعلنت الخميس الماضي أن « نقاشا مثمرا جرى بين عمرو وقادة من قطاع الأعمال إسرائيليين وفلسطينيين ». وتابعت الوحدة في تغريدة لها « إن دفع عجلة التنمية الاقتصادية والتحسينات الملموسة على المدى القريب وما بعده، هما المفتاح لضمان إجراءات متساوية من الحرية والأمن والازدهار للجميع ».
والتقى عمرو خلال زيارته مسؤولين فلسطينيين بمدينة رام الله، بينهم رئيس الوزراء محمد اشتية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، مجدي الخالدي، ومتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة.
وشكى المسؤولون الفلسطينيون خلال اللقاء الاعتداءات الإسرائيلية، وشددوا على ضرورة أن تكون هناك إرادة سياسية لدعم الفلسطينيين وتنفيذ التعهدات، لا سيما فيما يخص إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس للحفاظ على حل الدولتين، بالإضافة إلى الحاجة إلى حوار سياسي بين الطرفين الأمريكي والفلسطيني، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية.
تقليص التوتر
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أبو يوسف، قال في تعليقه على زيارة عمرو، إن الإدارة الأمريكية تحاول اتخاذ خطوات « لبناء الثقة وتقليص حدة الصراع ». وأضاف
« لا جديد في الموقف الأمريكي، سوى التصريحات اللفظية عن إعادة فتح القنصلية في القدس وفتح مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن ».
وكانت إدارة ترامب أغلقت عام 2018 مكتب تمثيل منظمة التحرير، كما أغلقت عام 2019 قنصليتها في القدس الشرقية، وجعلتها قسما في السفارة الأمريكية بعد نقلها من تل أبيب إلى القدس. كما توقفت المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني منذ أبريل/ نيسان 2014، جراء رفض تل أبيب وقف الاستيطان، والإفراج عن معتقلين قدامى، وتنصلها من خيار حل الدولتين.
لكن بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية، بإيجاد سبيل لإعادة فتح ممثلية منظمة التحرير بواشنطن في حال انتخابه رئيسا، واستئناف الدعم الاقتصادي والأمني للفلسطينيين.
كما تحدث عن ضرورة الضغط على إسرائيل لمنعها من اتخاذ خطوات أحادية الجانب قد تجعل حل الدولتين مستحيلا.
ويرى أبو يوسف، أن الإدارة الأمريكية تكرر ما حاولت سابقتها تنفيذه بواسطة « صفقة القرن »، حيث إنها « تدْعم الاحتلال على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وتحميه من المساءلة على جرائمه المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني ».
وفي ظل غياب أي مبادرة سياسية، يشير أبو يوسف إلى « أهمية تنفيذ ما تم اتخاذه من قرارات في اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير (9 فبراير الماضي)، واجتماع اللجنة التنفيذية (17 فبراير) واجتماع القيادة الفلسطينية (9 مارس)، سواء في العلاقة مع الإدارة الأمريكية أو الاحتلال، أو فتح حوار وطني شامل لاستعادة الوحدة الوطنية وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني.
وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير، قرر تعليق الاعتراف بإسرائيل، وإنهاء التزامات السلطة الفلسطينية بكافة الاتفاقيات معها لحين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
لا دولة ولا اتفاق أوسلو
من جهته، أوضح عضو المجلس التشريعي السابق حسن خريشة، أن سياسة إسرائيل والولايات المتحدة في التعامل مع الفلسطينيين، تنص على عدم إنهاء الاحتلال ورفض حل الدولتين، وحل الدولة الواحدة، ووقف العمل باتفاق أوسلو الذي أُنشأت السلطة الفلسطينية على أساسه.
وقال خريشة لوكالة « الأناضول »، إن تل أبيب وواشنطن تسعيان لاستمرار الوضع الحالي، بما فيه التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، دون تحقيق أي طموح سياسي، ودون إنهاء الاحتلال. وأضاف أن « سقف الجهود والتحركات السياسية هو محاولة إيجاد تنمية اقتصادية، لتحقيق تعايش بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، ليصبح التعايش طبيعيا ».
وفي ظل غياب أي أفق لحل سياسي، يقول خريشة: « الخيارات مفتوحة: تطبيق قرارات المجلس المركزي، وقف العلاقة مع الاحتلال وعلى رأسها التنسيق الأمني، والانفكاك من التبعية الاقتصادية »، مشيرا إلى أن « هادي عمرو كان واضحا في لقاءاته في رام الله: الاستمرار في الموضوع الاقتصادي، دون أن يأتي على ذكر وعود الإدارة الأمريكية ».
ويتفق المحلل السياسي خالد عمايرة، مع أبو يوسف وخريشة في أن واشنطن استعارت جزءا كبيرا من الأسلوب الذي اتبعته إدارة ترامب في التعامل مع الصراع « الذي يتمثل أساسا في إدارة الأزمة، وليس حل الصراع ». وانتقد استمرار القيادة الفلسطينية في اتخاذ نفس الخطوات في التعامل مع الأحداث، وعدم « تعديل خياراتها نحو مسار التسوية السياسية ».
ويرى عاميرة، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان مرحلة التراجع التي وصلت إليها السلطة الفلسطينية، « ولذلك جرى مؤخرا دفع 259 مليون دولار منها 40 مليون دولار للأجهزة الأمنية ».