السياسة البريطانية تسأل وتُسأل: من أين لك هذا المال الروسي؟

25 مارس 2022 - 01:00

يتكرر منذ أعوام عدة الجدل بشأن حضور المال الروسي في الساحة السياسية البريطانية، من التبرعات الضخمة، إلى مباريات في كرة المضرب مع وزراء بارزين، وصولا إلى الترشيحات لألقاب شرفية، لكن غزو موسكو لأوكرانيا عزز المطالب بتنقية موارد الأحزاب.

ويقول بيل براودر، الناشط المناهض للفساد الذي كان سابقا مستثمرا بارزا في روسيا، إن مسألة التمويل هذه لا تقتصر على طرف دون غيره في بريطانيا.

ويوضح “على مدى الأعوام العشرين الماضية، نمت (هذه المسألة) على طرفي الطيف السياسي” في المملكة المتحدة.

وأورد تقرير للجنة إن “العديد من أفراد النخبة الروسية الذين تجمعهم صلة وثيقة بـ(الرئيس فلاديمير) بوتين، تم كشف انخراطهم مع منظمات خيرية و/أو سياسية في المملكة المتحدة”.

وحذر تقرير اللجنة من أن الصلات مع المنظمات تضع المتمولين “في موقع يتيح لهم مساعدة روسيا في التأثير” على ما يجري داخل المملكة المتحدة.

وانتقدت اللجنة فشل الحكومة البريطانية في التحقيق بشأن تدخل سياسي محتمل لهؤلاء، خصوصا خلال الاستفتاء المثير للجدل عام 2016 الذي أفضى إلى خروج المملكة من الاتحاد الأوربي، أو ما يعرف بـ”بريكست”.

وجد حزب المحافظين وزعيمه رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي رفض الدعوات لفتح تحقيق في طريقة نجاحه بـ”بريكست”، نفسيهما تحت المجهر.

فقد وجه حزب العمال، أبرز أطراف المعارضة، الاتهام إلى المحافظين بالحصول على ما يناهز ملياري جنيه استرليني (2,6 مليون دولار أمريكي) من متبرعين روس أثرياء منذ وصول جونسون إلى السلطة في العام 2019.

وتشمل قائمة المتبرعين ألكسندر تيميركو، وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الروسية ومدير في شركة “يوكوس” الروسية العملاقة للطاقة، ولوبوف تشرنوخين التي سبق لزوجها فلاديمير أن كان من ضمن حكومة بوتين.

وتصنف الصحافة البريطانية لوبوف تشرنوخين على أنها أكبر المتبرعين في تاريخ حزب المحافظين، ومنحته أكثر من مليوني جنيه منذ العام 2012.

ومن أبرز هذه التقديمات، دفع تشرنوخين عشرات الآلاف من الجنيهات خلال حفل جمع تبرعات للحزب، لخوض مباراة في كرة المضرب مع رئيس الوزراء في حينه ديفيد كاميرون أو جونسون نفسه.

كما شاركت في أمسية مع تيريزا ماي التي خلفت كاميرون في رئاسة الوزراء، ووزيرة الخارجية الحالية ليز تراس.

وطالب حزب العمال باستقالة بن إليوت الذي يتشارك رئاسة حزب المحافظين ويتولى مسؤولية جمع التبرعات لصالحه، على خلفية صلاته بأثرياء روس من خلال شركة خاصة تعود ملكيتها إليه.

كما يواجه جونسون انتقادات على خلفية تعيينه في مجلس اللوردات، صديقه يفغيني ليبيديف الذي كان والده ألكسندر عنصرا في جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق “كي جي بي”.

وبحسب صحيفة “صنداي تايمز”، حضر جونسون أثناء فترة توليه منصب وزير الخارجية، حفلات عدة في فيلا يملكها يفغيني ليبيديف في توسكانا الإيطالية.

ونفى ليبيديف الابن الذي يحمل الجنسيتين الروسية والبريطانية، ويملك صحيفتي “لندن إيفنينغ ستاندرد” و”ذا اندبندنت”، أن يكون أداة في يد موسكو، علما بأنه أدان غزو أوكرانيا، مثله مثل ألكسندر تيميركو.

ويشدد حزب المحافظين على أن كل التبرعات المالية التي يحصل عليها موثقة، قانونية، ومصدرها حصرا أشخاص يحملون الجنسية البريطانية.

وردا على الاتهامات التي طالتهم، انتقد المحافظون خصمهم العمالي واتهموه بـ”الهرطقة” على خلفية أنه تلقى تبرعات بقيمة مليون جنيه استرليني من أشخاص ذوي أصول روسية.

واضطر بيتر غولدسميث، المدعي العام في عهد رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، إلى أخذ إجازة طويلة من عضوية مجلس اللوردات بعد تقارير عن موافقة مكتبه للمحاماة على توكيلات من زبائن أجانب بينهم الحكومة الروسية.

كما استقال اللورد المحافظ غريغ بايكر من منصبه كرئيس لشركة “إي أن+” العملاقة للتعدين، وأكبر مساهميها أوليغ دريباسكا الذي بات من ضمن المتمولين الروس المشمولين بالعقوبات الغربية على خلفية غزو أوكرانيا.

وأوردت لجنة الاستخبارات والأمن إن “عددا من أعضاء مجلس اللوردات لديهم ارتباطات بروسيا أو يعملون مباشرة مع شركات روسية عملاقة مرتبطة بالدولة الروسية”، مشيرة إلى أن “هذه الروابط يجب أن تخضع للتدقيق بعناية نظرا لاحتمال أن تستغلها الدولة الروسية”.

وقال دانيال واينر، مدير برنامج الانتخابات والحكومة في مركز برينان للعدالة، إن “كون المتبرع روسيا لا يعني أنه يدعم فلاديمير بوتين”.

الا أنه استدرك قائلا “لكن في بلد مثل روسيا حيث حتى القطاع الخاص يتداخل مع الحكومة، لا يمكن لشخص أن يصبح من الأوليغارشيين من دون دعم الكرملين”.

من جهته، لم يترك براودر مكانا للشك: بالنسبة إليه، روسيا تشكل “تهديدا للأمن القومي” البريطاني.

وأوضح “يجب التدقيق في التبرعات السابقة مع قدر كبير من الشك، ولا يجب قبول أي تبرعات مستقبلية من الروس أو أي شخص على ارتباط بالديكتاتورية”.

واعتبر أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع الحكومة البريطانية لمحاولة تعقب “المال القذر” في السياسة والأعمال.

وأضاف “أرغم فلاديمير بوتين الجميع على الإدراك أن هذه مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى البلاد”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي