هكذا رتب علماء سوريون الشأن الديني المغربي

28 أكتوبر 2013 - 13:58

اليوم وبنظرة بسيطة على الجامعة المغربية لا تكاد تخلو كلية من أستاذ أو أكثر تتلمذوا على يد علماء سوريين، جاءوا إلى المغرب هربا من نظام البعث الشمولي، فأكرم نظام الحسن الثاني وفادتهم، وأطلق أيديهم في تنفيذ مشاريعهم التعليمية العالية، التي صنعت مشهدا دينيا جديدا، كانت بنية العلماء التقليديين المغاربة عاجزة عن بلورته، والقاسم المشترك بين هؤلاء أنهم كانوا موالين لحركة الإخوان المسلمين العالمية.

في هذا الخاص اليوم24، تطرح العديد من الأسئلة، كيف تم تأسيس شعبة الدراسات الإسلامية بالمغرب، من هم علماء سوريا الذين سيطروا على الدراسات الدينية الإسلامية في مغرب الثمانينات، ماهي أدوارهم، ماهي تأثيراتهم، كيف استطاعوا تفريخ جيل من الأساتذة المشبعين بقيم الإسلام الاخواني..

الحسن الثاني يغير القانون والجامعة

في لقاء غير رسمي كما يروي مصدر مطلع لاليوم24، "جمع الحسن الثاني في نهاية السبعينيات رجالات العلوم الدينية، وبث فيهم نداء من أجل تحصين الهوية السياسية المغربية باعتباره ضرورة أساسية، وبشرهم بإعطاء دور جديد للعلماء كفاعلين دينين أساسيين وحاملين لأفكار ومشاريع جديدة، لا مجرد منفدين أو مسيرين للعبادات والمعاملات الشرعية.

 هذا النداء الذي استبشر به العلماء التقليديون المغاربة لم يكن المراد منه بعث وإحياء النموذج الإسلامي المغربي الوسطي والمعتدل، بل كان الهدف منه أشياء أخرى ستبدأ في التجلي مع تأسيس شعبة جديدة على الجامعة المغربية، سنة 1980 إنها شعبة الدراسات الإسلامية، التي أسسها الأستاذ محمد بلبشير، الشعبة المستعارة من الشرق الإسلامي، والتي طرحت حين إنشائها أكثر من سؤال، أهمها ما جدوى شعبة الدراسات الإسلامية في بلد به جامعة القرويين

الجواب سيأتي سنة بعد ذلك بصدور الظهير الشريف الذي ينظم جامعة القرويين 8/4/1981، فمن خلاله ساءت الأمور كثيرا بالنسبة لوضع العلماء إذ عمل هذا الظهير على حصر دور الجامعة بشكل كبير، وبالتالي تحييد وزن ومكانة العلماء، الذين تحولوا إلى مجرد موظفين دينيين يمارسون عملهم دون تكليفهم بأي مهمات خارج الوظيفة، بعيدا عن دورهم الحقيقي في تدبير الشأن العام للبلاد.

الأستاذ محمد بلبشير يحكي في حديث مع أخبار اليوم عن هذه المرحلة وعن أسباب إنشاء شعبة الدراسات الإسلامية، " في سنة 1969 وعلى هامش أول قمة عربية سيحتضنها المغرب، دعا الحسن الثاني إلى مؤتمر عالمي لعلماء المسلمين، وكان ذلك بالتزامن مع المؤتمر حيث سيتمخض ذلك الاجتماع عن تأسيس رابطة الجامعات الإسلامية، وخلال هذا اللقاء كان العالم التونسي الفاضل بن عاشور رئيس جامعة الزيتونة بتونس يشكو من تعنت بورقيبة معه، ورفضه لمشروع تقدم به بن عاشور يتلخص في تأسيس كلية للفكر والحضارة الإسلامية، وكنت آنذاك اشتغل في فريق المرحوم محمد الفاسي الذي كان وزيرا للثقافة والتعليم الأصيل، فتقدمت من بن عاشور وطلبت منه اطلاعي على المشروع فربما استطيع تطبيق نموذج منه في المغرب.."

بعد مجيء الاستقلالي عز الدين العراقي الى وزارة التربية الوطنية، سيصبح المشروع جاهزا، يقول بلبشير عن الموافقة على المشروع، " أرسل العراقي مذكرة إلى عميد الجامعة يأمره فيها بفتح شعبة الدراسات الإسلامية، حسب تصوري الذي وضعت، لكن نفس المذكرة كانت تحمل أمر إغلاق شعبة الفلسفة، وهو الأمر الذي لم أكن أعلمه ولم أكن لأوافق عليه، لقد خدعت لأن الأمر ظهر وكأننا نحارب الفلسفة."

مباشرة بعد تأسيس شعبة الدراسات الإسلامية، سيطرح مشكل التأطير العلمي والبيداغوجي للأساتذة، فتم اللجوء إلى نظام خاص سمي حينها بـ "تكوين المكونين"، وهو نظام يقتضي إجراء الطلبة الحاصلين على الإجازة سنة من التكوين ثم يلتحقون بالمدرجات لممارسة التعليم العالي، هؤلاء الأساتذة شكلوا الجيل الأول من أساتذة الدراسات الإسلامية، وسط ذهول الكثير من الأساتذة الذين امضوا سنوات طويلة من أجل الحصول على منصب أستاذ التعليم العالي، كانت فترة من التخبط وكانت هناك توصيات من أجل إنجاح المشروع، يحكي احد أساتذة التعليم العالي لأخبار اليوم، ووصل الدفع بالشعبة الجديدة والمجهادة من أجل إنجاحها، إلى الحد الذي جعل إدارات بعض الكليات تمتنع عن تسجيل حاملي الباكالوريا في الشعب الأخرى، وبالتالي الدفع بالطلبة إلى التسجيل في شعبة الدراسات الإسلامية، يواصل نفس المصدر

 

السوريون قادة التغيير  

في منتصف السبعينات من القرن الماضي دخل شاب سوري قوي البنية بنظارات طبية، إلى مبنى كلية أصول الدين بتطوان، وطلب مقابلة عميدها، المرحوم العلامة محمد حدو أمزيان، خلال هذا اللقاء قال الطالب الذي يسمى فاروق، إنه يحمل دكتوراه في الفقه المالكي، وإنه نظرا لظروف مطاردته من قبل النظام السوري البعثي، لم يتمكن من جلب شواهده معه من دمشق، وإنه مستعد لإجراء امتحان من أجل إجازته في العلوم الشرعية، اقتنع العميد بكلام الطالب، وطلب إحضار أحد شيوخ المعهد الديني العالي الذي أصبح يحمل إسم كلية أصول الدين، لم يكن هذا الشيخ سوى العلامة أمحاند الورياغلي، وهو أحد كبار علماء المالكية في المغرب والعالم العربي، جلس العالم قبالة الشاب السوري، وقال له ماذا تعرف في المالكية، فأجاب الشاب أعرف الموطأ كاملا، فقال الشيخ المغربي، إبدأ، لم تمض دقائق حتى بدأ فاروق بالتلعثم أمام امحاند الورياغلي، ولم يستطع إكمال باب واحد من الموطأ، حينها قال الشيخ عليك أن تدرس أولا لكي تكون أستاذا في كلية أصول الدين..

هذه الحكاية التي رواها لأخبار اليوم أحد أساتذة كلية أصول الدين، وهو لازال إلى اليوم يعمل بها، تلخص أول احتكاك لأحد ثلاثة رجال سوريين أرسوا دعائم التعليم الديني الجديد في المغرب بعدما كان شأنا خاصا بالدولة وبجامعة القرويين العريقة، فاروق حمادة فاروق النبهان وبهاء الدين الأميري، ليس صدفة أن يقوم الأول بهندسة سير شعبة الدراسات الإسلامية، والثاني سيكلف بإدارة دار الحديث الحسنية، بينما الثاني سيقوم بمهام عديدة، ساعده فيها اشتغاله سابقا بالسلك الديبلوماسي، فضلا عن مهامه كأستاذ لكرسي "الإسلام والتيارات المعاصرة" في "دار الحديث الحسنية" بالرباط، واستمر أستاذاً في الدراسات العليا والدكتوراه خمسة عشر عاماً، كما درّس مادة "الحضارة الإسلامية" في جامعة محمد الخامس.

وبالرجوع إلى سيرته الذاتية الرسمية، نجد أن "الدكتور فاروق حمادة"، حامل لعدد من الشهادات العليا، أغلبها في المغرب، وعدا الإجازة في القانون التي حصل عليها سنة 1971 من دمشق، فالماجستير والدكتوراه حصل عليهما الرجل من دار الحديث الحسنية، التي يديرها مواطنه فاروق النبهان، حيث يوافق حصوله على الدكتوراه، سنة 1978 أول سنة دراسية يدير فيها فاروق النبهان دار الحديث الحسنية.

مصدر مقرب من فاروق حمادة يتحدث عن بدايات الرجل، " طبعا كان فاروق حمادة مرحبا به، فهو يحكي أنه جاء بعد مضايقات تعرض لها من طرف النظام السوري، ولكنه كان بين الفينة والأخرى، يقول للمقربين إن عنده دلائل على أن علال الفاسي كان من الإخوان المسلمين". 

من ناحية أخرى كانت دار الحديث الحسنية، التي أدارها لسنوات طويلة سوري آخر، لم يكن سوى فاروق النبهان، مختبرا لتخريج عدد من الشباب القادر على مقارعة شباب التيارات السياسية الإسلامية الناشئة. وهكذا بينما كان النبهان يشرف على وضع المقررات والموافقة على الأطروحات التي تتلاءم وخط المؤسسة، كان فاروق حمادة مكلفا بضبط التلقي والتكوين العلمي والفقهي لهؤلاء الشباب بما يخول لهم قيادة جيلهم. أحد خريجي هذه الدار وهو أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب القنيطرة، يحكي عن هذا الدور،"كان الدكتور فاروق يتوفر على إمكانيات تنظيمية وتواصلية هائلة تمكنه من تتبع كل الطلبة والأساتذة، وكان يبذل مجهودا مضاعفا في التنقل بين المدن وعقد لقاءات، تشبه اللقاءات الحزبية والتنظيمية، يتم فيها التوجيه وتبادل المعلومات".

اليوم فاروق حمادة يشغل منصب المستشار الديني بديوان الشيخ محمد بن زايد ولي العهد بأبوظبي ، بدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي نفس الآن حاصل على الجنسية المغربية، نظرا للخدمات الجليلة التي قدمها للمغرب، يقول عميد جامعي سابق، " كان فاروق حمادة يصر على التمغرب أكثر من غيره، وإبراز ولائه للعرش العلوي، في كل محاضرة أو لقاء يدعا إليه".

 

بهاء الدين الأميري الأديب الداعية

بالرجوع إلى قوائم القيادات التاريخية لحركة الإخوان المسلمين عبر العالم، يطالعنا اسم الشاعر والديبلوماسي وخريج السوربون عمر بهاء الدين الأميري، في سنة 1947 سيكتب عنه الإمام حسن البنا "شاعر مطبوع ومؤمن مجاهد".  

اضطهاده من قبل النظام السوري سيؤدي به إلى الابتعاد إلى أقصى العالم العربي، حيث سيستدعى إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلاميّة بكليّة الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس، ثم أستاذاً لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنية، وقسم الدراسات الإسلاميّة والعليا في جامعة الرباط، والقرويين

الأميري سيتفاعل بشكل ايجابي مع قضية الصحراء المغربية، وسيكتب نصوصا شعرية وقصائد في مغربية الصحراء، فيما بعد سينخرط رفقة زملائه السوريين في الكتابة على صفحات بعض الجرائد والمجلات المغربية، عن شرعية البيعة في الصحراء، وأسسها الشرعية والفقهية..

في واجهة أخرى سيتكلف الأميري بالعمل في الأوساط الثقافية، سيحاول الأميري تأسيس فرع لرابطة الأدب الإسلامي، في المغرب، وقد قال مجايلوه ل أخبار اليوم، "كان يبدي دوما انزعاجا شديدا من مؤسسة اتحاد كتاب المغرب، وهيمنتها على المشهد الثقافي والأدبي.."

لكن أهم ما يمكن تسجيله في سيرة الشاعر الإخواني، هو انتماء ابنته للشبيبة الإسلامية بالمغرب بشكل منتظم على عهد عبد الكريم مطيع، وهو الأمر الذي لم يكن الأميري يثيره أو يتحدث عنه، وفي خضم الصراعات بين أجنحة الشبيبة الإسلامية سيتهمها فريق مطيع بالتجسس لصالح أبيها المقرب من البلاط..       

شارك المقال

شارك برأيك
التالي