الضريس.. حكاية «بدوي» أمسك بعصا السلطة

15 نوفمبر 2013 - 01:02

 كبير شرطة المملكة، الشرقي الضريس، صار وزيرا منتدبا لدى وزير الداخلية السابق امحند العنصر. الخبر ورغم وقعه المفاجئ ساعتها، إلا أن له بوادر في مسار الرجل. فهذا القادم من منطقة بني عمير قرب مدينة الفقيه بنصالح، والذي تعود أصوله إلى قبيلة العروي الصحراوية، أبصر النور عام 1955 بإقليم بني ملال. هناك حيث ترعرع وسط أسرة متواضعة، لكنه لم يتردد في مغادرة البلاد نحو بلاد قرطاج، حيث دشن مساره الدراسي في مجال الحقوق لمدة عام واحد، عاد بعده ليلج الجامعة ذاتها التي سيدرس فيها ولي العهد سيدي محمد؛ كلية الحقوق بالعاصمة الإدارية.

تخرج الشرقي الضريس حاملا للإجازة في العلوم السياسية، وتشرب خلال سنواتها الأربع مبادئ القانون الدستوري، وقواعد القانون الإداري، ما أهله لولوج المدرسة الإدارية لتكوين الأطر بالقنيطرة، ومنها التحق بدهاليز أم الوزارات كمجند في إطار الخدمة المدنية، في ظرف انتقالي من تاريخ المملكة الحديث، تزامن مع اندلاع الحرب في الصحراء وتدشين ما يُعرف بالانتقال الديمقراطي.

الكفاءة التي أبداها الرجل في دار اليوطي عجلت بتعيينه عام 1977 متصرفا مساعدا في وزارة الداخلية، وسرعان ما تمت ترقيته ليصبح متصرفا، إلى أن وجد نفسه قائدا ملحقا بالإدارة المركزية سنة 1988، ثم كاتبا عاما لعمالة، ملحقا بالإدارة المركزية، على عهد الرجل القوي لأم الوزارات حينها، ابن الشاوية إدريس البصري، لكن هذا الأخير لم يكن ليتركه في منصب عامل الحوز، الذي عين فيه عام 1988، أكثر من ثمانية أشهر، حيث عاد لاستدعائه إلى الإدارة المركزية، فبدا حينها مثل لاعب كرة قدم يجلس هادئا في دكة الاحتياط، مستعدا لملء الفراغات وسد الثغرات. لكن عيون محيط ولي العهد سيدي محمد، المقبل على تولي زمام البلاد، رصدت الرجل وجعلته في لائحة أوراقها الرابحة، خاصة أن تجربته الطويلة في مكاتب مصالح الشؤون العامة مكنته من فرصة الاحتكاك المبكر برجال مثل ياسين المنصوري وحفيظ بنهاشم ومحيي الدين أمزازي وفؤاد عالي الهمة.

ثمرة هذا المسار المهني تجلت في تعيينه متم العام 1999، بعيد تولي محمد السادس حكم البلاد، عاملا مديرا للشؤون العامة بوزارة الداخلية، في إطار الحركة الإدارية الأولى في «العهد الجديد»، ثم أصبح عاملا مديرا لرجال السلطة عام 2003، فواليا بالنيابة على ولاية تطوان سنة 2005، وفي يونيو من ذلك العام، سوف يرحل جنوبا ليصبح واليا على العيون.

رحيله نحو الصحراء كان فأل خير، وكان أولى فرص الرجل لإظهار قدراته على إسداء الخدمات، رغم أن هذا التعيين تزامن مع فترة حرجة تخللتها مظاهرات واحتجاجات دامية، تداخل فيها الاجتماعي بالسياسي، لكن «فرصة عمر» الشرقي الضريس كانت الزيارة الملكية إلى عاصمة الصحراء، والتي عاد منها أصدقاء الملك راضين عن أداء الوالي وتمكنه من إنجاح الزيارة، مستندا في ذلك إلى تجربته الطويلة في تعقب خطوات محمد السادس منذ تربعه على العرش، من خلال مرافقته في كل جولاته الداخلية على طول السنوات الخمس الأولى من حكمه؛ من موقعه كمسؤول عن التنقلات الأمنية بين المدن، حيث كان يستبق موعد الزيارات الملكية لمعاينة الموقع وتنسيق عمل المصالح الأمنية المحلية، وتوجيه مصالح العمالات والولايات نحو ترتيب الملفات المرتقب عرضها على أنظار الملك، وتحديد الأولويات.

بإيقاع سريع ووتيرة مرتفعة، كما هي عادة القرارات الحاسمة في أعلى هرم السلطات الأمنية التي لا تحتمل الانتظار والتشويق، جرى كل شيء يوم الأربعاء 13 شتنبر من عام 2006. اتصال هاتفي من الديوان الملكي بالشرقي الضريس، والي ولاية العيون وعامل عمالتها، يطالبه بالالتحاق فورا بمدينة الدار البيضاء، حيث سيجد هناك الملك محمد السادس في انتظاره حاملا ظهير تعيينه مديرا عاما للأمن الوطني.

لم تكن أهمية النبأ نابعة من شخصية المسؤول الجديد ولا هي كانت إحدى خطوات محيط الملك الماضية في إزاحة رجالات عهد الملك الراحل الحسن الثاني؛ بل إن الأضواء الكاشفة أصرت، رغم حصول التغيير في قمة المؤسسة الأمنية، على تعقب الرجل الذي حكم عليه هذا القرار بمغادرتها، رجل برتبة جنرال يدعى حميدو العنيكري، كان على القادم من عاصمة الصحراء خلافته وتدبير إرثه الثقيل.

فكان من أولى قرارات الشرقي الضريس بعد توليه مسؤولية الأمن بالمملكة، إصدار مذكرة في 16 أكتوبر 2006، تقضي بتصفية أحد رموز عهد الجنرال، والمتمثل في المجموعات الحضرية للأمن (كرواتيا)؛ في إشارة واضحة إلى أن الرجل جاء حاملا لرسالة واضحة مفادها التغيير، تتوافق وموجة الاستياء العميق في أوساط الرأي العام من تجاوزات تلك المجموعات، فكانت خطوة أولية وناجحة للرفع من أسهم المدير الجديد وإلباسه ثوبا، من المشروعية.

ثم تلا ذلك قرار بإعادة الاعتبار إلى بعض العمداء والمسؤولين الأمنيين الموقوفين أو المهمشين، دون الإقدام على خلخلة المعاقل الأساسية لرجالات الجنرال العنيكري. فيما كان تغيير المسؤول عن الأمن الملكي، محمد مهراد، وتعويضه بإبراهيم أوسيرو، أشبه بالعثرة أو التردد في تدبير غضبة ملكية، حيث سرعان ما تم التراجع عن القرار في أقل من يومين.

كما قام الضريس، في يناير 2007، بتشكيل خلية من ستة ولاة أمن، مكلفة بإعادة هيكلة الإدارة العامة للأمن الوطني، وتطوير أداء مجموعة من المديريات، خاصة أداء مواردها البشرية. وكانت من أبرز مهام الخلية، تعزيز مديرية الاستعلامات العامة ومراقبة الحدود، التي خبر الشرقي الضريس كواليسها، بعناصر جديدة استقدمها من الشرطة القضائية. وقد تم تعزيز شرطة الحدود وسد الثغرات التي تتسرب منها المخدرات والهجرة السرية، والعمل على فك ارتباط مديرية التكوين بمديرية الموارد البشرية، في أجواء صاخبة ميزها توالي قضايا وملفات فساد وتجاوزات بعض المسؤولين الأمنيين. وبحلول صيف العام 2007، أصدر الضريس قرارا بالعودة إلى العمل بنظام 1981، وإلغاء النظام الجديد الذي استحدثه الجنرال العنيكري، أي العودة إلى العمل بسلطة رؤساء الأمن الإقليمي، وإعادة ولاة الأمن إلى مهمتهم التنسيقية، بينما قام بتعويض المجموعات الحضرية للأمن، باستدعاء الوحدات الخفيفة للتدخل السريع، التابعة للجيش.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي