المثلية الجنسية آتية .. فبأي وعي ينبغي التعامل معها؟

28 يونيو 2022 - 23:18

فيما دول مثل المغرب لم تتفاعل بأي شكل ظاهر كأنها تستقبل نسيم هواء عليل، قامت دول أخرى بردود فعل مختلفة ضد زحف المثلية الجنسية. وفيما ينادي حقوقيون بالتعامل بمنطق “دعه يُمَثَّل كما يشاء فذلك حقه”، ترتفع أصوات من كل جانب لتعلن ظهور علامات الساعة، وتنعي البشرية في يأس مرير.

في هذا المقال سنكتفي بمعالجة منطق المواقف الرافضة للمثلية الجنسية التي تزحف بخطى متسارعة سنة عن سنة، تاركين لمن يناصرها ويدعو إليها حقه في أن “يمثل كيف يشاء”.

الرافضون للمثلية الجنسية اسما وشكلا ومضمونا، المشترك الأساسي بينهم أمران، الأول أن مواقفهم يحكمها منطق رد الفعل. والثاني، أنهم لا يدركون طبيعة ما يواجهونه إدراكا مناسبا. والخلاصة أن جعجعتهم لن تنتج طحينا، إن لم تكن بالعكس عاملا فاعلا في ديناميكية توسع ظاهرة المثلية الجنسية.

المثلية الجنسية يلخصها كثيرون في طبيعة العلاقات الجنسية بين أشخاصها أو في بعض التظاهرات المتعلقة بها، لذلك فاهتمامهم موجه نحو حالات يكون فيها أشخاص بعينهم هم الفاعلون، وجهودهم تصرف في مطاردة ألوان “قوس قزح” المثلية.

وهذا القصور في إدراك طبيعة الظاهرة يعتبر أحد أهم العوائق والنقائص التي تصدر عنها ردود الفعل المقاومة لمد المثلية.

المثلية الجنسية منظومة عالمية متكاملة، تستمد شرعيتها من المواثيق الدولية ومن تنامي الاعتراف الدولي بها، وتستمد قوتها من الدعم الذي توفره الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الانسان، والدول المعترفة بها، ومن تنافس برامج أقوى الأحزاب السياسية في الدول الغربية، وتتمتع بسند إعلامي قوي، كان آخر موجاته إعلان شركة والت ديزني عن (خطتها التسويقية بناء على مخطط لتحويل وإنتاج نحو 50% من الشخصيات الكارتونية التي تظهر في أفلام ومسلسلات الكارتون الخاصة بها بنهاية عام 2022 إلى شخصيات مثلية الجنس)، وانخراط شركات عملاقة مثل نتفليكس في إنتاج وترويج الأفلام المشجعة للمثلية والمدافعة عنها، وخاصة الموجهة للأطفال. ناهيك عن الدراما السنيمائية المتوجهة عموما نحو التطبيع مع الظاهرة، هذا إضافة إلى جهود دول كثيرة، بشكل رسمي أو بشكل صامت، في إحداث تكييفات في مناهجها الدراسية والتربوية لتنشئة أجيال المستقبل على التطبيع مع الظاهرة.

ما سبق مجرد عناوين تختصر الإطار الداعم للمثلية الجنسية، والاستثمار في تهيئة الأجيال المقبلة من خلال استهداف الأطفال.

وإذا أضفنا له أننا أمام حركة اجتماعية لها تاريخها النضالي الذي يلهمها الاستمرار في التضحية من أجل ما تراه حقوقا، ولها منظماتها الخاصة، وإعلامها وأنشطتها، وتتواجد في العديد من الدول، ولها نشطاء في معظم دول العالم الذين يتطلعون إلى إنشاء حركات محلية قوية، سندرك أننا أمام قوة عالمية صاعدة وزاحفة.

قد يستغرب البعض إن قلنا إن المثلية، كما هو الشأن بجميع القضايا التي تدخل دائرة حقوق الإنسان أمميا، هي ركيزة من ركائز إيديولوجية النظام العالمي الجديد، وقد يتطلب تغيير وضعها تغيير موازين القوى في العالم، والتي أصبحت اليوم بيد الغرب.

قد يتسرع البعض إلى القول، استنكارا، وهل نستسلم؟

إن الأمر لا يتعلق في حقيقته بما سيقرره كل شخص، بل بما يمكن أن يفعلوه مجتمعين ويحقق ما يريدون بأفق دولي واسع.

قد يصدم البعض إذا قلنا إنه في التقدير، ستنشر المثلية في العالم وستصبح أمرا “عاديا” في كل المجتمعات. وسيترافع البعض بالخصوصية الثقافية والدينية، وسيجادل آخرون بمواقفهم الشخصية، وشحنتهم العاطفية.

لكن دعونا نتأمل، باختصار، في أمر شبيه بالمثلية الجنسية، كيف كان وكيف أصبح.

قبل أربعة عقود تقريبا، كانت جميع دول العالم الإسلامي ترفض اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، سيداو، رفضا قاطعا. وبالرجوع إلى تحفظات الدول الإسلامية نجدها في شبه إجماع على أن الأمر يتعلق باتفاقية تتناقض مع الشريعة الإسلامية في كثير من موادها، وعرفت الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي معارك مجتمعية ضارية، بين المناهضين للاتفاقية والمساندين لها، ويتذكر الجميع “المسيرة المليونية” للإسلاميين بالدار البيضاء سنة 2000، ضد مشروع “خطة إدماج المرأة في التنمية” الحكومية التي استلهمت مبادئ سيداو.

لكن شيئا فشيئا توسعت دائرة الدول المصادقة على الاتفاقية، وتوسعت دائرة المواد التي ترفع عنها تلك الدول تحفظاتها بشكل تدريجي، وظهر جيل جديد من الدساتير وقوانين الأحوال الشخصية التي تصالحت مع الاتفاقية، …

واليوم جميع دول العالم الإسلامي صادقت على الاتفاقية باستثناء دولة إيران والسودان (صادقت عليها 190 دولة من أصل 195). والمغرب رفع جميع تحفظاته عليها، باستثناء تصريح يتعلق بالمادة الثانية، خاصة وأن له علاقة بوراثة العرش وبمسألة الإرث. ولم تعد للحديث عن الاتفاقية أية حساسية، بل اجتهد الإسلاميون أنفسهم في التمكين لها، ونُذَكر على سبيل المثال بمصادقة البرلمان بالإجماع في يوليوز 2015 على البروتوكول الاختياري المرفق بالاتفاقية في عز قيادة الحزب الإسلامي للحكومة وتزعمه الأغلبية البرلمانية، بعد أن أمضى في أرشيف مجلس النواب قرابة 46 سنة (تم إيداعه في مكتب المجلس بتاريخ 31 دجنبر 1969).

لقد فقد العداء للاتفاقية جميع مقوماته، رغم أنها، أي الاتفاقية، لم تتغير، كما لم تتغير الشريعة الإسلامية التي رفعت في وجهها، لكن تغيرت المواقف نتيجة منطق التمكين للمواثيق الدولية، فهو يعمل ببعد استراتيجي وحضاري، ويراهن على التراكم المتدرج عبر الوقت، وعلى صناعة القابلية لذلك التدرج عبر مختلف الآليات، وعلى الإصرار الضاغط في الدفع نحو تحقيق الأهداف.

ونفس المنهجية خضعت لها قضايا أخرى مثل ما يتعلق بالطفل.

إنه نفس الامتحان، لكن الرافضين لا يدركون طبيعته، ويعيدون نفس “الأخطاء” الاستراتيجية التي ارتكبوها، ليس في قضية سيداو فقط، ولك في كل القضايا التي تهم مجتمعاتهم ولها نفس الطبيعة الدولية مثل قضية فلسطين.

إن التاريخ لا يعيد نفسه أبدا، لكن الناس تعيد نفس الأخطاء لتصوغ تاريخا جديدا في قضايا متشابهة.

يكفي أن نتفحص الساحة في كل الدولة إسلامية، لنكتشف أن الأرضية جاهزة للتطبيع مع المثلية الجنسية، وقضايا أخرى من طبيعتها، مثل ما يتعلق بالإرث، والعلاقات الرضائية، والإجهاض، والأكل العلني في رمضان، …

فعلى سبيل المثال، في المغرب موضوع المثلية كسر حواجز كثيرة، وأصبح موضوع نقاش عمومي وهذا في حد ذاته مكسب رفع عنها طابع الطابو، وأصبح لديها من يرافع عنها في إطار الحريات الفردية. وخطوط تحرير معظم وسائل الاعلام ليس لها موقف رافض من المثلية الجنسية، وتغلب المقاربة الحقوقية، والمجتمع المدني الحقوقي يناضل في القضية بشكل قوي مستندا إلى المواثيق الدولية، والأحزاب السياسية، باستثناء حزب الإسلاميين، ليست لها مواقف رافضة، وهي اليوم تغض الطرف، وتنوء بنفسها اليوم عن الدخول في أي نقاش وفي التقدير فهي جاهزة للتطبيع مع القضية، والسلطات تدبر الملف بشكل لا يسمح له بإحداث ضجة، فالدولة حساسة للنقد الحقوقي في مثل هذه الأمور، لذلك لم تقم السلطات بأي شيء لما روجت المصاحف التي تحمل الألوان المثلية في سنة 2017، كما سمحت بترويج فيلم الرسوم المتحركة “لايت يير”  (Lightyear)  الموجَّه للأطفال، الذي رفضته بعض الدول الإسلامية والغربية، وتمنع الزيجات المثلية لأن الدستور لم يعترف بعد بمثل هذه الزيجات…

نفس الصورة التي في المغرب نجدها بمستويات متفاوتة في جميع دول العالم الإسلامي.

ولن يعدم الإسلاميون أنفسهم “اجتهادات” تحميهم في مسايرة قيم المثلية التي أصبحت تكسب مكانة في قياس تحضر النخبة، وسيكتشفون فيها ما اكتشفوه مما صالحهم مع اتفاقية سيداو.

سيسأل البعض: وما الحل؟

في التقدير ليس هناك حل بالمعنى التقليدي لمفهوم كلمة الحل، فالمثلية آتية وفق ما سبق بيانه، والتعويل على الدولة في ضل ضعف المجتمع ومواجهتها بالخطب والمواعظ في ظل ما ستتعرض له من ضغوطات لا قبل لها بها، رهان غير كافي، إن لم يكن رهانا فاشلا.

وهذا يعني أننا أمام “مشكلة حضارية” لا تهم قضية المثلية وحدها، ولا يتعلق حلها بمواقف الأشخاص والدول، بل بتغيير شبكة العلاقات في مستويات أعلى تستند إلى موازين القوى العالمية.

لا مانع من أن يعتبر البعض هذا مبالغة، لكن في التقدير هذه هي حقيقة كل قضايا الهوية والقيم، ومن بينها قضية المثلية الجنسية اليوم، التي تدبرها الأمم المتحدة وتخضع لمنطقها. فإلى أن تستعيد المحافظة الدينية والأخلاقية زمام قيادة العالم من جديد، ستضل المثلية الجنسية تزحف وتزحف حتى تقتحم جميع المجتمعات، وتتحول فيها إلى ظاهرة “طبيعية” بعد أن كانت ظاهرة منبوذة.

ألم تكن المجتمعات الغربية محافظة مثل مجتمعاتنا في يوم من الأيام؟ فنحن نسير خلفهم في نفس الطريق، وهذا لا يعني الاستسلام، بل فقط يطرح سؤال: بأي وعي؟

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التالي
hoki88 link slot gacor situs slot thailand link slot thailand m77casino link slot link slot gacor jonitogel depo 10k slot thailand psgslot rtp slot gacor slot thailand gacor wajik777 gudangtoto gudangtoto gengtoto m77casino daftar allototo slot thailand slot thailand https://smktangeranglobal.sch.id/ congtogel gacor ladangtoto gacor ladangtoto2 mw68 daftar gacor m77 slot gacor gacor131 gacor link slot gacor thailand hoki88 ladangtoto dan ladangtoto2 gacor slot gacor situs togel 100 perak slot anti rungkat mawartoto gacor ladangtoto gacor88 gacor sv388 sabung ayam online gacor131 daftar gacor 131 akun pro pg soft allototo daftar situs slot depo 10k allototo togel depo 10k ladangtoto mas77toto ladangtoto ladangtoto gacor ladangtoto2 ladangtoto daftar toto 176 slot gacor hari ini slot hongkong slot777 https://gacor131.supfen.com/ https://ladangtoto.supfen.com/ slot paling gacor gacor131 Dan Gacor88 link slot kakek merah slot https://dewasloto.tagtoyota.co.id/ slot gacor maxwin slot thailand slot vietnam gacor88 mw68 login gacor ladangtoto daftar ladangtoto2 mw68 daftar gacor dewaslot daftar gacor slot777 jonitogel link slot kakek merah slot 4d ladangtoto gacor88 gacor88 togel jepang https://bet-togel.tagtoyota.co.id/ gacor77 daftar https://ladangtoto.tagtoyota.co.id/ link slot mahjong tergacor https://akun-pro-hawaii.tagtoyota.co.id/ togel jepan gacor88 link slot ladangtoto slot depo 10k gacor berita138 mas77toto daftar slot dana slot mahjong daftar m77 daftar ladangtoto daftar mw68slot daftar mw68slot daftar mw68 mw68slot daftar ladangtoto daftar slot anti rungkat daftar mas77toto daftar m77 daftar m77 daftar slot deposit 5000 daftar allototo daftar mas77toto daftar mw68slot daftar mw68 daftar mas77toto daftar mas77toto daftar mas77 mas77toto daftar mas77toto daftar mas77toto daftar mas77toto daftar ladangtoto daftar ladangtoto2 akun pro hawaii gacor bandar slot gampang maxwin gacor88 daftar gacor ladangtoto dan ladangtoto2 gacor m77casino gacor ibu4d login disini jonitogel gacor88 login gacor slot deposit 5000 ibu4d gacor ibu4d daftar allototo daftar 66kbet daftar 66k.one 66kone daftar gacor 66kbet daftar 66k bet kakek merah gacor slot thailand gacor slot server thailand gacor situs77 daftar m77 pptoto pptoto pptoto mw68 mw68 gacor slot maxwin slot depo 10k ladangtoto mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 mw68 ladangtoto java303 slot88 link slot orangtuaslot mantra88 top1toto ladangtoto slot anti rungkat mw68slot slot thailand gacor88 ladangtoto2 slot depo 5k gacor131 pptoto jonitogel slot thailand gacor88 ladangtoto gacor88 bom29toto ladangtoto gacor88 slot thailand gacor88 pptoto slot mahjong ways slot dana slot bank jago slot gopay ladangtoto slot77 gacor88 gacor131 gacor88 pptoto mas77toto ying77 ladangtoto2 ladangtoto ladangtoto mahjong ways 2 slot depo 10k dewaslot gacor88 gacor88 gacor88 kakek merah slot mw68 mw68 joker123 slot1000 slot depo 10k slot thailand sv388 sabung ayam online wajikslot gacor88 12shio gacor88 slot77 akun pro hawaii situs togel bet 100 perak gacor88 ladangtoto slot triofus m77casino gengtoto mw68 link gacor88 bandar slot gacor joker123 ladangtoto sdtoto congtogel panutantoto slot mahjong ways gacor303 gacor88 slot depo 10k slot thailand slot dana 5000 slot2000 gacor88 ladangtoto dragon77 gacor 12shio gacor slot hongkong gacor joker123 gacor slot gacor udintogel gacor slot depo 10k mawartoto gacor pastijp petir388 slot2000 ladangtoto slot77 mamislot oyuki88 instaslot88 jonitogel gacor slot mahjong ways gacor osiris4d gacor osiris4d gacor osiris4d gacor osiris4d gacor inatogel hometogel raja88 dragon77 slot303 gacor303 hoki88 ladangtoto pastijp mas77toto slot777 sv388 qqcuan slot maxwin slot linkaja gacor88 udintogel hoki88 mas77toto slot mahjong situs bet togel slot kamboja gudangtoto m77 slot m77 slot gudangtoto situs togel slot hongkong slot gopay slot ovo rtp slot hometogel jnetoto slot dana lapak zeus garuda303 pptoto pg slot lunatogel sv388 omutogel deposit 5000 Hometogel slot depo 10k mas77toto slot depo 10k gacor88 sensational linetogel inatogel joker123 slot cimb slot maybank ladangtoto slot permata gacor88 pg slot toto slot slot88 petir388 slot77 slot server russia toto slot gacor88 ladangtoto gacor88 dragon77 petir388 uang77 hoki88 slot77 slot88 kudabet98 toto 176 ladangtoto2 ladangtoto pptoto slot777 ladangtoto slot mahjong slot ovo slot taiwan slot thailand ladangtoto slot bsi ladangtoto slot maxwin