فيلم ليس جديدًا

25 يناير 2014 - 16:55

 وحسب تعبيره، فإنه في كل صباح يتأكد إليه مما يسمع ويقرأ أن الفيلم المصري قديم، وأنه رآه بأم عينيه قبل عدة سنوات في موريتانيا. في رده على تساؤلي روى القصة التالية:

في عام 2005 شهدت موريتانيا انقلابا على الرئيس معاوية ولد الطايع الذي كان قد أمضى 21 عاما في السلطة، لا يذكر له الناس فيها سوى أنه كان حاكما مستبدا وشديد الولاء للأمريكان، لدرجة أنه أعلن الاعتراف بإسرائيل، لكن الانقلاب الذي قاده عقيد بالجيش (ولد محمد فال) شكل مجلسا عسكريا لإدارة البلد، وتعهد بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب خلال عامين. وبالفعل، أجريت في عام 2007 الانتخابات الديمقراطية لأول مرة في تاريخ موريتانيا التي حصلت على استقلالها عام 1960، تنافس على المنصب 19 مرشحا فاز منهم في الجولة الثانية ولد الشيخ عبدالله، الذي ينتسب إلى أسرة معروفة بالعلم الدينى، إلا أنه تخصص في الاقتصاد، الأمر الذي رشحه لأن يكون وزيرا في الحكومة وخبيرا دوليا في مجاله. وإلى جانب رصيده العائلي وخبرته العلمية، فإنه حظي بتأييد بعض أعضاء المجلس العسكري الذي يدير البلد، وكان في مقدمة هؤلاء، العقيد محمد ولد عبدالعزيز قائد الحرس الرئاسي، وكان ذلك سببا في توثيق العلاقة بين الرجلين. وبعد تنصيبه في السابع من أبريل عام 2007 كأول رئيس مدني منتخب، ازدادت تلك العلاقة وثوقا. حيث اقترب العقيد محمد ولد عبدالعزيز أكثر من الرئيس، الذي اطمأن إليه ورقّاه إلى رتبة جنرال، وهي أعلى رتبة في الجيش الموريتاني. كما عينه رئيسا لأركان الحرس الجمهوري وخوَّله كافة الصلاحيات المتعلقة بإدارة الجيش، في حين انصرف الرئيس لتدبير الشئون المدنية.

حين باشر الرئيس الموريتاني مهام منصبه، فإنه اتبع سياسة الانفتاح على مختلف القوى السياسية في البلاد، بما في ذلك حزب التجمع الوطني للإصلاح (تواصل) المعروف بتوجهه الإسلامي، وحزب اتحاد قوى التقدم اليساري. الأمر الذي دفعه إلى إشراكهم في الحكومة، إلا أن العسكريين عارضوا سياسته وتحفظوا على الخطوات التي اتخذها. ولم يكتفوا بذلك، وإنما بدؤوا يتحركون لتشجيع معارضيه على نقد خطواته، واستطاعوا إحداث تنسيق مع شيوخ العشائر والقبائل الممثلين في البرلمان وقاموا بتحريضهم ضده. وبعد مضي عام على توليه المنصب، أدرك الرئيس ولد الشيخ أن «الجنرال» محمد ولد عبدالعزيز يقود التحالف بين العسكر وبين شيوخ القبائل في البرلمان فأصدر مرسوما بإقالته من منصبه. إلا أن الجنرال الذي كان قد سيطر على الجيش ورتب أموره مع بعض أعضاء البرلمان، أطاح بالرئيس المنتخب بعد ساعات من إصداره مرسوم الإقالة (في شهر غشت 2008)، وشكل الجنرال ولد عبدالعزيز مع رفيق له هو الجنرال محمود ولد الغزواني الذي كان مديرا للأمن الوطني مجلسا عسكريا لإدارة البلد، ضم 11 ضابطا أطلق عليه المجلس الأعلى للدولة.

لم ينته الأمر عند ذلك الحد، فقد بدا لكثيرين أن الجنرال ولد عبدالعزيز مدعوم من جانب المخابرات الفرنسية. ثم إنه ندد بالرئيس السابق الذي اتهمه بأنه كان ضعيفا أمام الإرهاب الأصولي، بعد مد جسوره مع الحركة الإسلامية الممثلة في حزب «تواصل»، ولكي يكتسب التأييد الشعبى، فإنه ألغى اعتراف بلاده بإسرائيل وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. إلا أن انقلابه قوبل بالرفض في أوساط المثقفين الموريتانيين الذين شكلوا جبهة للدفاع عن الديمقراطية ومقاومة إدارته العسكرية للبلد. في الوقت ذاته، فإن الدول المجاورة لم تعترف بالانقلاب، وعقد اجتماع في العاصمة السنغالية داكار شاركت فيه الأمم المتحدة، تمت فيه الدعوة إلى إنهاء الحكم العسكري وتشكيل حكومة وحدة وطنية في موريتانيا، وفي مواجهة تلك الدعوات، انطلقت أصوات أخرى في موريتانيا ــ قبلية وعشائرية ــ حثت الجنرال على ترشيح نفسه للرئاسة بدعوى أن البلاد بحاجة إلى رجل قوى يلملم شتاتها ويقودها إلى بر الأمان. ونظم أنصاره حملة مناشدات في ذلك الاتجاه انتهت بإعلان الرجل خلع زيه العسكري وترشح لرئاسة الجمهورية بعد عام من انقلابه على الرئيس ولد سيدي الشيخ. وفي الانتخابات التى أجريت في 18 يوليوز عام 2009، فاز بنسبة 52.58٪ من الأصوات، لكن المعارضة اتهمته بتزوير النتيجة وعدم اعترافها بها. وهو ما فعله رئيس اللجنة العليا للانتخابات الذي استقال من منصبه احتجاجا على التلاعب في فرز الأصوات وإعلان النتيجة. إلا أنه لم يأبه بذلك، اعتمادا على تأييد الجيش له، وتم تنصيبه رسميا في الخامس من غشت فى العام ذاته (2009). ومنذ ذلك الحين وحتى الآن وهو قابض على السلطة في موريتانيا.

حين سألني صاحبي: أليس هذا هو الفيلم المعروض في مصر الآن، قلت إن الفيلم الموريتانى انتهى، لكنه في مصر لم ينته.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي