مغربية عالقة في مخيم الهول تطالب بـ"الترحيل" إلى بلادها وتتمسك بـ"البراءة من التطرف" (حوار)

12 فبراير 2024 - 19:00

في هذا الحوار مع « اليوم 24″، قررت آمنة هداية الله (اسم مستعار)، أن تبوح بتفاصيل مثيرة من حياتها، وحياة زوجها الهالك، ومعاناتها مع أطفالها لتسرد لنا حكاية تفاصيل رحلة الموت نحو « ديار داعش ».

تكشف آمنة في الحوار، أن زوجها أقنعها بمرافقته إلى أرض الجهاد، بعدما غرر به تنظيم الدولة، ولأنها ملزمة باتباعه قسرا -شرعا وواقعا-، رافقته في رحلة كلها معاناة، وقعا فيها ضحية انبهاره بخطاب التطرف كما العديد من الشباب، قبل أن يلقى حتفه في معارك « القتال والجهاد »، ولتجد نفسها وحيدة، آثرت الخروج من أراضي « داعش » بأي شكل رغم المعاناة، حتى يتسنى لها تربية أبنائها وإنقاذهم من وصم « القنابل الموقوتة » الذي يلاحقهم ويهدد سلامتهم.

تقول بأسى كبير : »لقد غرر بأزواجنا وأقنعونا بالمجيء معهم، وها نحن نعيش التشرد بالمخيمات التي لا تحتوي على أي شيء إنساني ».

في حوارها المثير، تحكي آمنة قصة مؤلمة لنساء مغربيات عالقات في مخيمات قوات سوريا الديمقراطية التي تعرف باسم « قسد » في مخيم الهول بسوريا، يواجهن معاناة شديدة، ومصيرا مجهولا يحيط بأطفالهن، حيث لا أمل لها في الحياة سوى الرجوع لبلادها، وتحقيق حلم إتمام مسار أبنائها الدراسي، الذي بدأته آمنة هداية الله مع طفليها عمر ومحمد، على الرغم من منع مليشيات « قسد » عنهم الهواتف، إلا أنها تحرص إلى جانب نساء مغربيات عالقات، على تدريس أطفالها عبر الأنترنيت، وتستخدم مناهج مغربية وتتابع الامتحانات التي يتم نشرها عبر المجموعات التعليمية.

وتحرص آمنة على دراسة أبنائها حتى يكون مستواهم أفضل، رافضة أن يتم وصف أطفالها بـ »القنابل الموقوتة » لداعش، لأن معظم أطفال المغرب العالقين بمخيم الهول، تحكي آمنة، يكافحون ليتعلموا بجد، أملا في رجوعهم إلى بلدهم، في يوم من الأيام، فهم أطفال لهم أحلام مشروعة، يريدون تحقيقها بعيدا عن التطرف والتشدد والإرهاب، وفق تعبيرها.

فيما يلي نص الحوار:

أنت من النساء المغربيات العالقات في مخيم الهول بسوريا… ماهي قصة التحاقك رفقة زوجك بتنظيم داعش وكيف تم استقطابه؟

في ظلال عيش رغد، ظهرت الحرب في سوريا، وأصبح حديثنا اليومي وهمنا وشغلنا الشاغل، هو ماذا يحدث فيها؟

صباح مساء، كان زوجي يتابع اليوتيوب وخاصة عند إعلان « الخلافة الإسلامية » بسوريا، اقتنع أنه يجب علينا الهجرة إلى سوريا…

كل يوم تصدر فيديوهات، بوجوب ضرورة التحاقنا بسوريا حتى فقد النوم ليلا وفقد شهيته أيضا…

في بداية الأمر كان الموضوع يصول ويجول في ذهنه، أنه يجب عليه الهجرة هو فحسب، سرعان ما تغيرت الفكرة، أنه من الأفضل لي أنا أيضا أن أذهب معه من خلال تواصله مع الذين سبقوه…

كيف أقنعك زوجك بمرافقته؟

أقنعني، أنه في حال إذا بقيت بالمغرب فلن أجد من يعولني أنا وأبنائي، خصوصا أهلي حالتهم المادية ضعيفة جدا، وفي الأول والأخير… يجب علي طاعته وفق العادات والتقاليد.

وفي كل يوم يتواصل فيه مع سوريا، كانوا يقنعونه بالإسراع وأن الطريق جاهز…

كيف غادرتم المغرب؟

غادرنا المغرب مباشرة إلى الوجهة الأولى تركيا، كونها على حدود سوريا، وتم استقبالنا من طرف شباب تركيين وسلمنا إلى مهربين تركيين، الذين سيقومون بتهريبنا إلى سوريا.

كل هذا كان يتم خفية عن السلطات التركية، وليس كما تدعي بعض وسائل الإعلام، أن تركيا لها يد مع التنظيم، وأكبر دليل إذا تم كشف أمرنا أو أمر أي أحد منا، يتم زجه بالسجن ومتابعته طبقا للقانون التركي.

أيضا المهرب يهربنا عن طريق أراضي خالية ونركض ثم نرجع، ونخاف من العسكر التركي… لهذا كل ما يروج أن تركيا لها يد في مساعدتنا لا أساس له من الصحة، والحقيقة أن مواطنين تركيين يساعدوننا مقابل المال فقط.

كيف عشتم داخل سوريا؟

عشنا في سوريا لمدة سنتين بين رعب وخوف ونزوحات إلى أن تم قصف زوجي بالطيران وتوفي، بعد ذلك بشهرين، خرجت من أراضي التنظيم لكن للأسف تم احتجازي في المخيم.

هل تحكي لنا المزيد عن تفاصيل الرحلة إلى ديار تنظيم الدولة؟

الوصول إلى ديار تنظيم الدولة لا يكون عن طريق السلطات التركية، بل على يد مهربين تركيين أو على يد سوريين مقيمين بتركيا بتنسيق مع تنظيم الدولة، ويتم استقبالنا في مضافة الحدود هناك، وفصلنا عن أزواجنا، بحيث توجد مضافة للرجال ومضافة للنساء.

نمكث في مضافة الحدود أياما قليلة حتى يتم نقلنا إلى مضافة مدينة الرقة، وهنا يتم أخذ الرجال إلى المعسكرات، وتبقى الزوجة في المضافة في انتظار خروج زوجها من المعسكر، وإذا كانت تعرف أحد الأصدقاء يأتي لأخذها من المضافة فتمكث معه.

كيف يتم إسناد المهمات داخل تنظيم الدولة؟

يتم فرز الزوج حسب قدراته ودراسته. فكما نعلم أن هناك عدة دواوين مختلفة ومتعددة الاختصاصات أو يذهب إلى الصحراء للقتال.

كنت ربة بيت فقط، كما كنت بالمغرب، محدودة العلاقات مع الناس، ولأنني كنت ماكثة في البيت، فمواجهتي مع الشعب بصفة عامة كانت قليلة، كانت معاناتنا أكثر من القصف والنزوحات من مكان إلى مكان.

كيف غادرت أراضي تنظيم الدولة في سوريا؟

توفي زوجي فقررت الخروج من أراضي تنظيم الدولة، لهذا لم أعش حصار الرقة ولا حصار الباغوز.

كيف هي أجواء العيش داخل مخيم الهول وكيف يتسنى لك رعاية أطفالك؟

أوضاع المخيم صعبة جدا من جميع النواحي، فكوني لدي أطفال أعاني جدا في رعايتهم، والإشراف على تربيتهم بشكل مضبوط، بسبب اختلاف الجنسيات واختلاف الأفكار.

أنا لا أريد أن يلعب أطفالي بالتراب والوحل بعد المطر، وببقايا الخيم من حديد وبقايا قماش الخيم البالية.

المنظر يوجع القلب هنا في مخيم الهول، أطفال مشردون بلا مأوى، ومع كل هذا لا أقبل أن أرى أطفالي في هذه الحالة، أحاول توفير ألعاب وإشغالهم بكرة القدم قدر المستطاع أو ذهابهم إلى ملعب « منظمة إنقاذ الطفل ».

أجد صعوبة في تعليمهم، فكما تعلمون ليس لدينا مدارس وأيضا ممنوع علينا من طرف الأكراد، أن نكون معلمات وأيضا هنا الهواتف ممنوعة، لكن برغم كل هذه الصعوبات التي نواجهها لدينا إصرار كبير على تعليم أبنائنا، أملا في رجوعنا إلى بلادنا لكي يندمجوا بكل سهولة مع تلاميذ وأطفال الشعب المغربي.

أطفالنا لديهم أحلام، وينتظرون رجوعهم للمغرب بفارغ الصبر، لكي يحققونها عند العودة.

ابني »عمر » من مواليد 2009  يدرس بجد وأنا حريصة عليه بالرغم من خوفه من أن يقتاده العساكر  إلى المركز، يحرم نفسه من اللعب مع الآخرين، ويدرس خفية بسبب دوريات العساكر.

أحيانا يدرس بعد صلاة الفجر، مباشرة وأحيانا بعد الظهر وأحيانا بعد صلاة العصر، يدرس على حسب الوضع، فهو في الحقيقة كأنه يلعب لعبة « الغميضة » مع العساكر الكردية المراقبة للمخيم.

وأخوه « محمد  » هو أيضا يدرس بجد، كثير الحديث معي ويسألني، كيف هي البيوت؟! وكيف شكل غسالة الأواني؟! وكيف يمكن أن يكون سطح البنايات؟! وكيف يمكن أن أستحم على صوت الرشاش؟! وكيف… وكيف… وكيف؟ أسئلته لي تجعل الفؤاد يبكي دما.

حين جلوسك مع « محمد » ستلاحظ اجتهاده في الدراسة وحرصه على أن يحصل دائما على المرتبة الأولى، أيضا يتحدث دائما أنه مظلوم ولا يعرف شيئا عن العالم الخارجي ودائما يفكر كيف سيكون مستقبله.

فحين نقرأ عن هذه الشخصيات من الأطفال تتغير رؤيتنا اتجاه أطفال مخيم الهول، وأن هناك العديد من الأطفال المغاربة لديهم أحلام وينتظرون الترحيل إلى وطنهم الأم.

كيف تقضين وقتك داخل مخيم الهول؟

المخيم يعني القعود وأنت محاطة بمصير مجهول!! لهذا كنت أستغل وقتي في متابعة الدراسة، كدراسة اللغة الإنجليزية واجتهادي في اللغة الفرنسية ومساعدتي أطفال المخيم في تعليمهم. أقضي معظم وقتي مع أطفالي وتعليمهم وتطوير مستواي الدراسي أيضا.

الإنترنت نعمة عظيمة لمن يعرف استغلالها لصالحه، فقديما السجين لا يستطيع المطالعة أو القراءة إلا في كتب من ورق، أما الآن نستطيع عبر كتب pdf ومشاهدة فيديوهات لأساتذة متميزين وعبر صفحات المجموعات التعليمية نطور أنفسنا نحو الأفضل.

تحدثي لنا عن الصعوبات التي تواجهكن كمغربيات عالقات داخل مخيم الهول؟

معاناتنا بالمخيم لا تعد ولا تحصى. فهناك معاناة من ناحية المعيشة والمناخ… فمثلا البرد ومياه الأمطار تدخل على الخيم فيتبلل كل ماهو موجود داخل الخيمة، نحاول قدر المستطاع الاستعداد للشتاء من تجهيز للخيم وتغطيتها لكن مع شدة العواصف، الخيم لا تتحمل وقد تتكسر ثم تقع حينها فوق رؤوسنا، تعاني الأسرة بشدة والله المستعان.

وهناك معاناة من جهة بعض المنحرفات اللواتي يقمن بإرهاب الأخوات هنا من ضرب بالمطرقات والبواري والسكاكين.

هذا أعظم خطر علينا وعلى حياة أبنائنا، فنحن هنا دائما ملتزمات بالصمت، ولا نستطيع البوح أننا نريد الرجوع إلى بلادنا. وهذا أعظم خطر نعيشه.

ماهي مطالبكم للسلطات كعالقات مغربيات في مخيم الهول؟

أتكلم باسم كل مغربية عالقة بمخيم الهول، نطالب من جميع المسؤولين، في كل من الديوان الملكي ووزارتي الخارجية والداخلية بتعجيل ترحيلنا إلى بلدنا، فأبناؤنا ضاعوا بمخيمات مليشيات « قسد » بدون سكن، وبدون مدرسة، وبدون أمن.

كل ما يعرفه طفل مخيم الهول هو أنه إذا أصبح عمرة 12 سنة، سيتم أخذه من أمه وسيتم رميه بالمركز. نؤكد طلبنا برجوعنا إلى المغرب، من كل أب أو أخ غيور على بناته وأخواته.

هل تسمح قوات « قسد » لوسائل الإعلام بزيارتكن في مخيم الهول؟

أنا كأسيرة في مخيم الهول، كلما أشاهد فديوهات الصحافيين الذين تتم الموافقة على دخولهم إلى مخيم الهول أرى هدفهم فقط ترويع العالم من نسائه وأطفاله.

يتم التقاط أي صورة من أي قسم ومن أي مخيم، سواء كان قسم العراقيين أو قسم السوريين أو قسم المهاجرات، ويتم مزج صور مخيم الروج مع مخيم الهول والكلام والعبارات غير مطابقة لِما هو معروض، والمشاهد بطبيعة الحال لن ينتبه لها أحد، لأنه لا أحد يعرف المخيمات كما نعرفها نحن ولا أقسامها، هذا من جهة أولى.

من جهة ثانية، هدف معظم الإعلاميين هو تكرار الكلمات التي حفظناها باتهام أبنائنا بالقنابل الموقوتة التي لا أصل لها في الواقع.

وهنا أتحدث عن الأطفال المغاربة تحديدا، لن ترى في أي فيديو طفلا مغربيا يتحدث عن العنف، أو امرأة مغربية تردد شعارات تدل على أنها إرهابية، بل العكس، كلما نعلم أن في المخيم صحافة نلزم خيامنا لكي لا نظهر مع نساء أو أطفال متشددات، أو إذا واجهنا الصحافة نقدم أنفسنا ونؤكد رغبتنا في رجعونا إلى بلدنا المغرب.

كيف تفسرين هذا الإصرار على وصف أطفالكن بـ »القنابل الموقوتة » لداعش؟

بالنسبة لإصرار البعض على اتهام أطفال مخيم الهول بـ »القنابل الموقوتة »، ليكن بعلم الجميع أن معظم أطفال المغرب العالقين بمخيم الهول يكافحون لأجل تعليمهم أملا لرجوعهم إلى بلدهم، ليتم إدماجهم بسهولة في المدارس مع أطفال الشعب المغربي.

وأحيطكم علما أننا هنا بالمخيم، وبالرغم من منع المليشيات عنا الهواتف، إلا أننا ندرس عبر الأنترنيت بكتب pdf، ونستخدم مناهج مغربية، ونتابع الامتحانات التي يتم نشرها عبر المجموعات التعليمية، ونحرص على دراسة أبنائنا حتى يكون مستواهم أفضل، ودائما أضرب لكم مثالا بـ »عمر » و »محمد ».

أحرص أشد الحرص بعدم اختلاطهم مع أطفال المتشددين أو الأطفال الذين لا يرغبون بالدراسة، أطفالنا لديهم أحلام بأن يصبحوا من أكبر الأطباء والمهندسين، ولديهم أيضاً تحد في حياتهم بأن يبرهنوا للعالم أنهم الأفضل والأحسن في أفكارهم ومستواياتهم.

ولديهم أيضا رغبة كبيرة بأن يثبتوا للعالم أن هدفهم هو النجاح والسعي إلى مستقبل مشرق مليئ بالأهداف البناءة.

فقولوا لي بالله عليكم؟ هل من يؤمن بهذه الأحلام وتلكم الأهداف، سيكون متطرفا وقنبلة موقوتة كما يدعون؟ لهذا أسأل الله أن ييسر عودتنا في أقرب وقت إلى بلادنا.

من خلال الحديث معكم، أريد أن يفهم العالم، خاصة المجتمع المغربي وجميع المسؤولين، أننا ننتظر الترحيل بفارغ الصبر، وأننا بريئات من أي تشدد أو تطرف.

لقد غرر بأزواجنا وأقنعونا هم بالمجيء معهم، وها نحن نعيش التشرد بالمخيمات التي لا تحتوي على أي شيء إنساني.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي