يُنتظر أن تتفجر في القريب فضيحة جديدة في « تامسنا »، شبيهة بقضية مشروع « باديس » في الحسيمة، التي يُحاكم فيها مسؤولون سابقون في صندوق الإيداع والتدبير. الملف أحيل، مؤخرا، على وزارة العدل بعد انتهاء كل من مفتشيتي وزارة الداخلية والإسكان، من إنجاز بحث معمق بتعليمات ملكية في اختلالات تتعلق بتفويت شركة العمران لأراضي في مدينة « تامسنا » لكل من شركتي « جنرال كونتراكتور »، الفرنسية، وشركة « هداية » الماليزية، وما نتج عنه من عجز الشركتين عن الوفاء بالتزاماتهما بسبب عدم توفرهما على القدرة المالية، ما عرّض حقوق المئات من المواطنين، الذين قدموا تسبيقات للشركتين، للضياع.
مصادر من وزارة السكنى كشفت أن ملف هذه القضية تفجر منذ 2009، ووصلت الشكايات بشأنه من الضحايا إلى الديوان الملكي. فبخصوص شركة جنرال كونتراكتور، فقد دخلت إلى مشروع تامسنا، عبر اتفاقية لإنجاز مشروع على ثلاث مراحل، وهي مشاريع « هبة1، وهبة2 وهبة3 وهبة4 وهبة5 ». وتمكّنت الشركة من إنجاز هبة1، فقط، وتسويقه، لكنها لم تنجز هبة2 وهبة3 وهبة4، فيما عرف مشروع هبة 5 تعثرا وكان وراء المشكل الكبير للشركة.
كان يقتضي المشروع أن تنجز الشركة 1816 شقة من النوع المتوسط، وفعلا شرعت في البناء منجزة 25 في المائة منه، وبالموازاة مع ذلك بدأت الشركة في تلقي تسبيقات من الزبناء بلغ عددهم 685 شخصا، قبل أن تُوقف الشركة الأشغال سنة 2009 بدعوى وجود صعوبات مالية.
وفي هذا السياق، يقول مصدر مطلع: « إن الزبناء المتضررون وجدوا أنفسهم في وضعية صعبة، ما جعلهم ينشئون جمعية، كما قاموا بتوجيه شكايات إلى كل الأطراف بما فيها وزارة الإسكان ». من جهتها، لم تنجح الوساطات التي قامت بها الوزارة مع الشركة، حيث وصل الملف إلى القضاء، إذ طالبت شركة العمران من المحكمة إلغاء الاتفاقية التي تربطها بجنرال كونتراكتور، وحصلت على حكم قضائي في مارس 2015، يقضي بإلغاء الاتفاقية التي تربط العمران بالشركة، وباسترجاع العمران لمشاريع هبة2 و3 و4. ويضيف مصدر مطلع أن شركة العمران تمكنت من استعادة حتى مشروع هبة5، الذي بلغت فيه الأشغال 25 في المائة، حيث تنوي العمران إجراء خبرة تقنية للتأكد من سلامة البناء قبل الشروع في إتمام الأشغال قريبا، وإتمام البيع مع المتضررين. في المقابل، فإن الزبناء لازالوا يُلاحقون الشركة الفرنسية أمام القضاء المغربي.
أما بخصوص الملف الثاني، فيتعلق بشركة « هداية » الماليزية، وهي الأخرى ربطتها اتفاقية مع شركة العمران، لإنجاز شطرين في تامسنا. الأول يتعلق ببناء 586 شقة، تم الانتهاء من بنائها سنة 2010، حيث أدى الزبناء الثمن كاملا، لكنهم لم يتسلموها إلى اليوم، بسبب مشاكل مالية للشركة، جعلت بنك القرض العقاري والسياحي يسجل حجزا على المشروع بسبب مديونية الشركة له بمبلغ 65 مليون درهم. المشكل الذي طرح بخصوص هذا الملف هو أن المتضررين باتوا يخشون، أن يلجأ البنك إلى بيع المشروع في المزاد العلني من أجل تحصيل مستحقاته على الشركة الماليزية. ورغم تدخلات كثيرة، من أجل منح آجال للشركة للأداء إلا أن هذه الأخيرة لم تف بالتزاماتها.
أمام تعقد هذا الملف، يقول مصدر مطلع، « لم يكن بإمكان العمران أن تستعيد الأرض لأن هناك حجزا على العقار من طرف البنك »، ولهذا، فإن الملف لازال عالقا، في وقت يجري فيه تداول حلول مقترحة، منها الحصول على حصة الشركة الماليزية نفسها في مشروع آخر تبنيه في مكناس هو عبارة عن مركب جامعي لتسوية مشاكلها مع البنك.
أما الشطر الثاني، فيعرف هو الآخر عدة تعقيدات، والذي يتعلق ببناء 1840 شقة. ويكمن المشكل بكون الشركة، التي تعاني من مشاكل مالية، شرعت في الحصول على تسبيقات من الزبناء رغم أنها لم تنجز سوى 12 في المائة من الأشغال. وفي 2011 توقفت الأشغال، لكن التسويق استمر، وقد بلغ عدد المواطنين الضحايا الذين أعطوا تسبيقات للشركة 548 زبونا. هنا حاولت شركة العمران اللجوء إلى حيازة الأرض، كما فعلت مع شركة جنرال كونراكتور، لكنها لم تتمكن من ذلك لأن بنود الاتفاقية التي تربطها مع الشركة الماليزية تنص على أنه في حالة وجود خلافات حول تنفيذ الاتفاقية، فإنه يتم اللجوء إلى الغرفة التجارية بباريس، باعتبار أن الشركة أجنبية. ويضيق مصدر مطلع، أن مسطرة التحكيم توجد، حاليا، في أشواطها النهائية، حيث من المنتظر أن يصدر قرار التحكيم في مايو المقبل، إذ طلبت العمران استرجاع الأرض لتتولى إنجاز المشروع بنفسها. لكن المشكل، يقول المصدر، إن مسؤولي الشركة الماليزية اختفوا، « ولم يعد هناك أي مخاطب لهم في الرباط ».
هذه الاختلالات التي حققت فيها مفتشيتا الداخلية والإسكان، وأحيل ملفها على وزارة العدل مؤخرا، تثير كثيرا من التساؤلات، منها: كيف أمكن إبرام اتفاقيات لتفويت أراض لهاتين الشركتين لإنجاز مشاريع كبيرة دون التأكد من سلامة وضعيتهما المالية؟ ومن هم الأشخاص المسؤولون داخل الإدارة عمّا وقع من ضرر للمئات من المواطنين الذين ينتظرون تسلم شققهم منذ سنوات. مصادر أكدت أن « القضاء سيكشف عن كل تفاصيل الملف والمتورطين فيه ».