أصدر الكاتب المغربي الطاهر بنجلون كتابا جديدا موسوما بـ: «الإسلام الذي يخيف»، يتكون من 223 صفحة من القطع الصغير، يحاول فيه أن يشرح أن الإسلام لم يكن أبدا مبشرا بالجريمة والقتل.
في هذا الحوار، لا يجد بنجلون تفسيرا منطقيا ومقنعا يجعل شابا عاش وتربى في الغرب يذهب للجهاد في الشرق الأوسط. وفي السياق ذاته عبر عن اعتقاده أن الربيع العربي لازال مستمرا، وسيواصل طريقه بعد القضاء على الإرهاب. كما يشير إلى أن المغرب وتونس هما البلدان اللذان يمثلان الأرضية الخصبة للتغيير في العالم العربي.
كيف تولدت لديك فكرة تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوانا قاطعا: «الإسلام الذي يخيف»؟ وما هي النقطة التي أفاضت الكأس لكتابته؟
كانت صدمة هجمات «شارلي إيبدو» مهمة بالنسبة إلى العالم برمته، وبالنسبة إلي شخصيا، لأنه كان لابد من فهم ما حدث، وشرح لماذا قرر هؤلاء الشباب الفرنسيون- من أصول مهاجرة- يرتكبون هذه الجرائم. أحاول فقط، فهم ما يمكن فهمه. في الوقت نفسه، عَلِمنا أنهم قضوا فترات تدريب باليمن، في الشرق الأوسط. وعليه، فهذا الاعتداء حدث في إطار الجهاد.
في كل مرة يُستعمل فيها الإسلام بطريقة خاطئة، لذا وجب شرح من جديد أن كل ما يقع، لا علاقة له البتة مع قيم وتعاليم الديانة الإسلامية.
ما هو الإسلام الذي لا يخيف؟
لم يبشر الإسلام، أبدا، بالجريمة والانتحار، ولا الجهاد يدعو إلى الذهاب لقتل المؤمن أو غير المؤمن من ديانات مختلفة. المعنى الحقيقي للجهاد في الإسلام هو الجهد الذي يجب أن يقوم به كل واحد منا من أجل قبول الحياة ومِحَنها. لكن، في الآن ذاته، كان هناك جهاد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، في القرن السابع، لكن، المشكلة هي أن هؤلاء الأشخاص يعتقدون أنهم مازالوا يعيشون في القرن السابع وألا شيء تغير، وأن التاريخ هو نفسه. إنهم مخطئون كليا.
في الكتاب استعملتم طفلة –ابنتك- كمحاورة، هل كان هذا ضروري لتسهيل عملية الإقناع؟
أجل، لأن الأطفال، وحتى المراهقين، يحتاجون إلى الفهم، لأنه من حيث المبدأ، لم تتكون لديهم بعد الأحكام المسبقة. وعليه، فالأطفال على استعداد دائم للفهم. لكن في المقابل من الصعب تغيير وجهة نظر الكبار. مثلا شخص أربعيني وعنصري سيبقى كذلك، حتى يوافيه الأجل. على عكس الطفل، فإذا شرحت له الأشياء ممكن أن يغير تصرفاته وطريقة فهمه للأشياء.
من لديهم الكثير من الأحكام المسبقة: الدول العربية تجاه الثقافة الغربية، خاصة، أم العكس؟
من الصعب تغيير الأحكام المسبقة لدى جميع الأطراف، لأن الأحكام المسبقة تتمتع بقوة راسخة وثابتة في العقلية. لذلك من الصعب تغييرها لأن معظم الأشخاص يفضلون التفسيرات السهلة والمعروفة. يرغبون في أن يشرح لهم كل شيء بسهولة، لهذا يفضلون أن يبقوا حبيسي الأحكام المسبقة. بدون شك أن الأحكام المسبقة مشكلة إضافية تعيق فهم ما يحدث في محيطنا.
باعتبارك مثقفا عربيا متشبعا بالثقافة الغربية، هل لديك الشجاعة الكافية للكلام؟
أنا لم أغير مبادئي وقيمي. التحدث والإجابة ضروريان. إذ من غير الممكن التزام الصمت عندما تحدث فظاعات في العالم. هذا هو واجب كل إنسان. وواجب الكاتب أيضا هو الكتابة ورد الفعل.
ما هو أحلك وقت في حياتك؟ هل خشيت، في وقت من الأوقات، على سلامتك وحياتك؟
من الصعب الحديث مع المتعصبين. ومن المستحيل الحديث أو الحوار أو تغيير الأشياء معهم، لأن المتعصب لديه اليقين، لديه تفكير مغلق، ولا يقبل الحوار أو الشك. أواجه صعوبات جمة في الحديث مع الطلبة الإسلاميين لأنهم لا يفقهون شيئا في خطاباتي، ولا هم لديهم الرغبة في فهمها، ولا تغيير الأفكار التي يعتبرونها حقيقة مطلقة.
هل منعت من التدريس أو إلقاء محاضرات في بلد ما؟
أتحدث في المغرب، وفي البلدان المنفتحة على الحوار. غير أنه لا يمكنني القيام بذلك، في مصر أو سوريا أو العراق. من الخطير جدا الحديث في بلد فيه قتلة يقترفون جرائم لأبسط الأمور وأقل حدة من الكلام.
هل الشيء نفسه يمكن قوله عن اليمين في أوروبا؟
الفرق هو أنه في أوروبا هناك عادة الحديث والحوار. هناك نقاشات في التلفزيون، في الإذاعة وفي الصحافة. عندما أتحدث إلى أحد المنتمين إلى اليمين من الجبهة الوطنية فالأمر صعب، تقريبا كما لو أنك تتحدث إلى متعصبين إسلاميين.
هل تعتقد أن دور الصحافة الحرة أساسي في مواجه التعصب؟
بالطبع، دور الصحافة مهم، لكن المشكلة هي أنه على الصحافة الحذر أكثر من عدم ممارسة ما يسمى بازدواجية المعايير.
ألا تعتقد، في ظل ما آلت إليه الأوضاع في البلدان العربية، أن الربيع العربي فشل أو أنه حلم انكسر؟
لم ينته الربيع العربي بعد. تونس البلد العربي الوحيد الذي لديه دستور متقدم يتلاءم وحق المساواة بين الجنسين في العالم العربي والإسلامي. الربيع مستمر، ولنقول إن الأمور ستتطور عندما يتم القضاء على الإرهاب.
سبق وتحدثت عن المرأة في المجتمعات العربية، هل المساواة ممكنة؟
سيتغير كل شيء رويدا رويدا. لا أتحدث عن الدول الخليجية لأنها منغلقة على نفسها كليا: فهي لا ترغب في تغيير وضعية المرأة. أنا أتحدث عن الدول المغاربية التي فيها أمل: مثل تونس والمغرب خاصة. هناك يتم ترسيخ دولة الحق والقانون شيئا فشيئا، كما أن وضعية المرأة تتغير، خصوصا وأن هذه الوضعية هي التي تحدد مستوى حضارة أي بلد. فعندما نريد أن نقيس تقدم بلد ما، علينا العودة إلى طريقة تعامله مع النساء.
أفهم من كلامكم أن الأرض المغاربية ستكون التربة التي ستحدث التغيير.
من الممكن، لأن الدول المغاربية قريبة من أوروبا. ولأن وضعيتها كمستعمرات سابقة يمكن أن تكون مفتاحا للحوار والتفاهم مع الآخر. لكن في المقابل الأمر صعب في الخليج.
من الذي يجعل شابا ولد وتربى في أحضان الغرب يختار الانضمام إلى الجماعات المتطرفة؟
لغز. ليس لدي تفسير. بالنسبة إليّ هو لغز غير مفهوم. لا أفهم كيف أن شابا تلقى تربية جيدة، وليس بمعدم، ولديه وظيفة، وعائلة تحبه، يختار تغيير مواقفه في 24 ساعة منتقلا من الأبيض إلى الأسود، بدعوى القيام بالجهاد. أعجز أن أجد فهما وتفسيرا عقلانيا لذلك. إذ من المستحيل تفسير ذلك.
هل يمكن أن تتخيل المستقبل؟ هل ترى حلا لصراع الغرب والشرق في الأفق أم أنك متشائم؟
أنا لا متفائل ولا متشائم، أنا واضح وموضوعي. أعتقد أن الأمر مرتبط بالعالم الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية، وكذا بروسيا لأنها القوى التي لديها مصالح كثيرة حاليا في هذه اللعبة، بالإضافة إلى الصعود الإيراني كبلد يريد التأثير في العالم الإسلامي. ما أتحسر عليه هو أن الأمم المتحدة لا تصلح لشيء، فهي غير نافعة. نعم، هي موجودة، لكنها لا تحل المشاكل. المطروح الآن هو القيام بإصلاحات في منظمة الأمم المتحدة، لأنه من غير الممكن الاستمرار في صرف آلاف الملايين من الدولارات في لا شيء.
كمثقف عربي هل تشعر بأنك وحيد في هذه المعركة؟
أعتقد بأن مجموعة من المثقفين يفكرون بالطريقة نفسها التي أفكر بها. لكن ليست هناك كلمة جماعية مُوحّدة.
عن «ABC»