-->

صلاح الدين مــزوار..اللاعــب البديل

25 مايو 2018 - 03:08

وزير عدة مرات ومدبّر ورئيس سابق لحزب سياسي، لكنه في ذلك كله ظل وفيا لرياضة شبابه، كرة السلة. مراوغ كبير همّه الأكبر وضع الكرة في السلة بغض النظر عن الفريق الذي يحمل ألوانه.

يقول إنه كان يساريا في بداياته، ورغم أن جل رهاناته السياسية آلت إلى الفشل، إلا أن خروجه من موقع لا يتم إلا لكي يلتحق بآخر.

لا يطيل الجلوس في دكة الاحتياط، فقد يحدث أن ينزع قميص فريقه قبل أن ينهي هذا الأخير مباراته، ليلعب مباراة أخرى بألوان مختلفة.

طموحات من « يسخنون » كتفيه لا حدود لها، ففي 2011 كان هناك من يرى فيه الرجل القادر على شغل منصب رئيس الحكومة الذي أتى به الربيع العربي إلى دستور المملكة.

فشل مزوار وهو على رأس تحالف ثماني غير متجانس، لكنه سرعان ما عاد ليرتدي بذلة اللاعب الرسمي ويدخل حكومة بنكيران وزيرا للخارجية في 2013، كما لو أن مبررات رفض التحالف معه في 2011 قد اختفت.

قبل ذلك، كان مزوار أحد أوائل وزراء حكومة عباس الفاسي المطالبين بفتح أكثر الملفات حساسية وحسما، كان عليه أن يحمل مشروع ميزانية 2008 الذي تركه الاتحادي فتح الله والعلو فوق مكتبه موروثا عن حكومة إدريس جطو، ويدافع عنه أمام النواب الجدد غير المستأنسين بمقاعدهم.

كاد حينها يحدث أكبر الأزمات التاريخية المتعلقة بميزانية المملكة وهو يرى الفريق الاتحادي يمتنع عن التصويت، والمعارضة الإسلامية تصعد لهجتها ضد فصول مشروعه الذي أعفى الشركات الكبرى من جزء من ضرائبها.

كانت تلك لحظة دخول مزوار مرحلة جديدة في مسار مسؤولياته الرسمية، حيث خرج من وزارة التجارة التي كان يحملها مع جطو ليصبح « العلاف الكبير »، أي وزير المالية مع عباس الفاسي.

حينها في 2008، وخارج بناية البرلمان، كانت الهدنة التي أعلنها المحتجون والعاطلون إبان الانتخابات قد تحولت إلى هدوء يسبق العاصفة ويهدد باشتعال الشارع وتكرار ما عرفته مدينة صفرو حينها من مواجهات وتخريب.

لكن الرجل كان يدافع عن مشروعه بكل ثقة، وفي جيبه ورقة دعم
 ملكي قادرة على إخراس نواب الأحزاب وفرقهم، فيما فريق الأصالة والمعاصرة على استعداد لإكمال الأغلبية.

فكان أن انتزع مزوار مصادقة البرلمانيين الجدد بمجلس النواب والقدامى بمجلس المستشارين، أو جزء منهم على الأقل، الذي تحمل « عناء » حضور جلسات التصويت ورفع اليد.

يوصف بأنه ليبرالي تقنوقراطي فلم يجد صعوبة في الوفاء لميزانية ورثها عن سلفه الاشتراكي، تماما مثلما سيعمد إلى سحب آخر ميزانية في عهد حكومة الفاسي من البرلمان قبيل انتخابات 25 نونبر 2011، دون علم ولا إذن رئيسه.

رياضة أخرى ستثبت الأيام أن الوزراء المنتسبين إلى حمامة التكنوقراط يتقنونها، حين سحب أخنوش صندوقا استراتيجيا من رئيسه عبد الإله بنكيران.

تولى مزوار منذ 2008 توزيع أموال المملكة بين وزراء أغلبهم يحملون ألوان أحزاب سياسية أمطرت ناخبيها بوعود بملايين مناصب الشغل ومعدلات نمو قياسية.

كان المشهد مثيرا وصلاح الدين مزوار ينتقل من مقر وزارة الصناعة والتجارة إلى مقر وزارة المالية، وقمة الإثارة تجلت لحظة تبادل التحية، حيث كان الوزير الاتحادي يجهد نفسه لبلوغ وجه خلفه العملاق، والذي كان أطول وزراء حكومة جطو طولا، ليصبح أكبرهم قيمة وسلطة مالية في حكومة الفاسي.

ليعلن في بداية سنته المالية الأولى عزمه توفير 16 ألف منصب شغل في القطاع العمومي، وتخصيص 22 مليار درهم لدعم المواد الأساسية، لتجعله الأقدار على رأس الحزب الذي سيتولى مع حكومة بنكيران حذف دعم صندوق المقاصة عن المحروقات، وفتح المجال أمام أرباح لا محدودة لشركات يملك عرابه عزيز أخنوش أكبرها.

التحاق صلاح الدين مزوار بفصيلة الوزراء كان مع التعديل الحكومي لحكومة إدريس جطو عام 2004، حيث كان صانع الأحذية يحتفظ به في دكة الاحتياط ليمنحه الرسمية في قطاع الصناعة والتجارة، لمعرفته بخبرة وحنكة الرجل في التدبير والتسيير، ويعوض بالتالي رشيد الطالبي العلمي. علاقة مزوار بعالم المقاولة قديمة إذن، لكن من بوابة التعيين والدعم الفوقيين.

هو الحاصل على شهادة عليا من جامعة فونتينبلو الفرنسية، ثم على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الاقتصادية من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل بفرنسا؛ بعد أن كان قد نال دبلوم السلك العالي في التدبير من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء.

هذا المسار التكويني كان قد أطل عليه صلاح الدين من فوق هضاب العاصمة الإسماعيلية، هناك حيث رأى النور في أحد أيام سنة 1953.

لكنه مزج مساره الأكاديمي هذا بخبرة ميدانية طويلة بدأها بمهمة بالقسم الإداري في وكالتي توزيع الماء والكهرباء بالرباط وطنجة حيث قاد المصالح الإدارية لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يتبعها بالتدبير المالي لمقاولة فرنسية تونسية، ويلتحق بمكتب استغلال الموانئ حيث وضع لبنات مديرية العمل الاجتماعي، وتولى إدارة نادي الرجاء البيضاوي المحتضن من طرف المكتب قرابة ثلاث سنوات.

في مستهل عقد التسعينيات، التحق مزوار بمجموعة إسبانية تنشط في قطاع النسيج وسرعان ما عين مديرا لأحد فروعها بمدينة سطات، قبل أن يصبح مديرا تجاريا للمجموعة في المغرب وإفريقيا والشرق الأوسط.

فكانت تلك بوابة الرجل على الأسواق الدولية والامتداد العالمي للمقاولات الصناعية، عشية إنشاء منظمة التجارة العالمية.

تقلد صلاح الدين مزوار حقيبة الصناعة والتجارة في حكومة جطو، وكان ذلك بمثابة الاستعانة بخدمات إطفائي بعد أن لفحت نيران المنافسة الدولية وانحسار الأسواق بقطاع النسيج المغربي، وكان وحده قادرا على الإيمان بقدرة الصناعة المحلية على الصمود وتجديد قدراتها من خلال أقلمة عرضها مع متطلبات الأسواق الدولية، ليصبح القطاع إحدى القاطرات التي تجر قافلة الاقتصاد المحلي وتنعش سوق الشغل وجلب العملة الصعبة، بعد أن كانت تجربته على رأس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة منذ 2002، قد قادته إلى إقناع زملائه بتقليص التكاليف لمواجهة الاكتساح الصيني.

عند تعيينه وزيرا في التعديل الحكومي الذي عرفته حكومة جطو عام 2004، كما لو أن قدره يحتم عليه دخول الحكومات في منتصف ولايتها، وجدت وزيرة الرياضة حينها، نوال المتوكل، في زميلها وزير المالية خير مؤنس في جوقة الوزراء، حيث أخبرت نواب البرلمان في إحدى الجلسات العمومية للبرلمان، أنها ليست البطلة الرياضية الوحيدة في الحكومة الجديدة، وأن زميلها مزوار بدوره يحتفظ برصيد رياضي من ممارسته رياضة كرة السلة في نادي الرجاء البيضاوي وعلى صعيد دولي.

لياقة بدنية ورشاقة في المراوغة وتصيد الفرص لوضع الكرة في السلة، أهلت الرجل ليسجل بكل مهارة ضد المتحزبين في « حكومات صاحب الجلالة » وينتزع منهم حقائب استراتيجية مثل الاقتصاد والمالية مع عباس الفاسي والخارجية مع بنكيران.

وهو بذلك بقي ذلك اللاعب البديل المستعد لتعزيز حزب التكنوقراط المقربين إلى قلب الماسكين بزمام الأمور.

لكن طول قامته، وعيناه المتطلعتان دوما نحو الأعلى جعلاه لا يكتفي بذلك، حيث التحق بحركة « كل الديمقراطيين »، الحركة النواة لما كان يراد له أن يكون حزب الفديك الجديد.

من مشروع صديق الملك إلى حضن وزير الفلاحة المقرب من الملك، ظل مزوار ذلك اللاعب البديل الذي يستدعى من دكة الاحتياط لمباغثة اللاعبين الرسميين في عز المباريات، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل رئيس حزب الأحرار بين عشية وضحاها، إلى الـ »باطرون » الأول بدون انتماء سياسي، في مقابل منح مقعده على رأس الحزب، لأخنوش الذي كان إلى غاية صيف 2016 معتزلا للسياسة.

تمرير هذا المقعد بين مزوار وأخنوش جرى تبريره حينها بفشل وزير الخارجية السابق في انتخابات 7 أكتوبر 2016، تماما مثلما جرى تبرير عدم تحالفه مع بنكيران في 2011 بفشله في انتخابات تلك السنة والتقاط إشارة الناخبين.

إقرار بالفشل لم يكن يوما مانعا لعودة مزوار من مواقع أكبر، كما هو الحال اليوم مع رئاسته الاتحاد العام لمقاولات المغرب.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ع الجوهري منذ 5 سنوات

لن بعمر كثيرا على رأس الباطرونا لأن من أتوا به سينتهي سحرهم عما قريب

مصطفى علاوي منذ 5 سنوات

والذي كان أطول وزراء جطو قامة..... و ليس طولا

التالي