-->

ما الغاية من تخوين 
الريف مرة أخرى؟

11 يوليو 2018 - 12:14

أثار انتباهي، في جزء كبير مما يدور من نقاشات وحوارات، أن هناك محاولة قوية لتوجيه الرأي العام في المغرب إلى تجاوز سؤال « من المسؤول، أو من يتحمل المسؤولية، عن التوترات الاجتماعية الناجمة عن فشل سياسة الوعود بتحسين الوضع الاجتماعي وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، بما في ذلك المغرب المقصي من التنمية منذ الاستقلال. مما أدى إلى فقدان الأمل في تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم، والعدالة الاجتماعية، وتطبيق القانون على الجميع »؟
فمنذ أن لجأت جهات معلومة، وقد يكون جزء منها غير معلوم، إلى اتهام نشطاء حراك الريف، ومعهم ساكنة منطقتهم، بالتآمر على الدولة والاعتداء على قوات الأمن، وعلى الممتلكات العامة والخاصة…إلخ، بُدئ في توجيه الرأي العام المغربي إلى استقبال كتابات، وتصريحات، ونقاشات، وتداول أخبار تشير إلى أن أخطارا تهدد المغرب ووحدته الترابية، لن تقل عن الأخطار التي تعانيها دول في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.، وذلك في حالة إذا سمح لاستمرار الاحتجاجات في الريف، وفي غيره من مناطق المغرب الأخرى.

تمت محاولات ومحاولات لإقناع المغاربة بأن مطالب سكان الريف ليست كما يزعم المحتجون، فهي ليست ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وثقافية كما يدعون، لأن مناطق كثيرة في المغرب تعيش أوضاعا اجتماعية واقتصادية أسوأ من أوضاع الريف ولم تخرج ساكنتها إلى الشارع لتتظاهر، أو تحتج على الدولة، باعتبار الفقر في المغرب ظاهرة بنيوية مُتعايش معها منذ زمن طويل من ساكنة المغرب. وتم اللجوء في الوقت نفسه إلى نشر صور وتقارير تتحدث عن رفاهية منطقة الريف مقارنة مع مناطق مغربية أخري مشابهة تنمويا للريف. تتحدث مثلا عن رفاهية مساكن الريفيين في قراهم وبواديهم قبل المراكز الحضرية والمدن. ويُشار بذلك إلى أن هذه الرفاهية تدل على أن الريفيين بخير اقتصاديا ومعيشيا. وتتجاهل تلك التقارير الحديث عن التقاليد المحددة والمحكمة في أساس إعداد المسكن العائلي عند الإنسان الريفي مهما يكن مستواه الاقتصادي والمعيشي. وينطبق الأمر نفسه على مجالات أخرى يتميز بها الريفيون كرفضهم لكل أنواع المهانة والذل.

وتشير تلك التقارير في اتجاه تثبيت ما أعلنه الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب له في يناير 1984 من كون الريفيين لا يعانون العوز الاقتصادي، فهم إما مهاجرون إلى أوروبا، وإما أنهم مهربون ويتاجرون في الممنوعات المخالفة للقانون. ويبدو أن هذه الصورة رُوج لها باستمرار عن الريفيين من قبل من تزعجهم وحدة الوطن وتآخي مكونات المجتمع المغربي.

وما يؤسف له أن أحزابا لاتزال تروج لتلك الصورة في تلقيناتها الحزبية لمريديها، كما تروج لها وسائل إعلامية معروفة بخطابها الحاقد على الريف لأسباب تخص أصحابها ومن يمولها، وتسعى جاهدة إلى إشاعة الفتنة في الوطن الواحد، لأنها لا تستطيع أن تنتعش مشاريعها إلا في المياه القذرة، وفي مناخ التوجس والتخوين وإقحام السلطة القضائية في تخوين المطالبين بحقوقهم في وطنهم.

تقرر تقديم نشطاء حراك الريف أمام القضاء، لكن ليس بتهمة مطالبتهم بحقوقهم في وطنهم، بل بالعودة إلى تهمة جاهزة قديمة تعود إلى زمن قيام ساكنة الريف بالمطالبة بتحرير الوطن من الذل الاستعماري. وتعود ثانيا، إلى رفض الخطابي لاستقلال المغرب الناقص من صحرائه وأطرافه الأخرى. وتعود ثالثا، إلى قيادة ولي العهد مولاي الحسن بن محمد الخامس مع كولونيل فرنسا محمد أوفقير، ومارشال إسبانيا محمد مزيان، وبسند فرنسي مباشر، هجوما مسلحا ضد الريف سنة 1958 يوم طالب السكان بأبسط حقوقهم في دولتهم « المستقلة ».
نعم، فقد كيّفت النيابة العامة احتجاجات نشطاء حراك الريف، في سنتي 2016 و2017، تكييفا جنائيا قاعدته الانفصال والتآمر على أمن الدولة. واستندت في تكييفها على تصريح رئيس الحكومة وقادة أحزاب الأغلبية الحاكمة في تصريح موقع يوم 14 ماي 2017، حيث لجؤوا فيه إلى التهم نفسها التي لجأ إليها قائد الاحتلال الفرنسي ومقيم فرنسا العام بالمغرب المارشال ليوطي سنة 1925، ولجأ إليها علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد سنة 1958. أما الملك الراحل الحسن الثاني، فقد زاد عن ذلك سنة 1984 حين نعت ساكنة كل المنطقة التي كانت محتلة من طرف إسبانيا، أو ما كان يطلق عليه « المغرب الإسباني »، بـ « الأوباش »

فهل اختلفت أوصاف الملك الراحل عن أوصاف السلطان مولاي يوسف سنة 1926؟

وهل اختلفت أحكام القضاء المغربي سنة 2018 على نشطاء الحراك عن أحكام سنة 1959الموجهة ضد الذين خرجوا، يومذاك، مطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم في الوطن؟ وهل هناك فعلا فرق بين زمنين؟

ومن يطلع على مرافعة النائب العام سنة 2018 بشأن التهم الموجهة لنشطاء الحراك، هل سيكتشف فرقا في الموضوع بينها وبين مرافعة النيابة العامة سنة 1959؟

– وهل عندما تتكرر الأفعال نفسها والتجارب ذاتها يمكن أن ننتظر نتائج مختلفة؟

– وهل يمكن أن « يتكرم » هؤلاء المتحاملون على سكان الريف ومنطقتهم، ولو مرة واحدة، بتوضيح مراميهم من ذلك لكل المغاربة؟

إن دولة المواطنة، يا سادة، لا يمكن أن تُبنى على الدسائس والضغائن وحق القوة؟

علي الإدريسي

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي