الهجرة السرية.. الداخلية تترافع في الداخل والخارج

09 نوفمبر 2018 - 20:31

في الوقت الذي دقت فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، ناقوس الخطر بخصوص ارتفاع عدد المهاجرين السريين القتلى في « مقبرة المتوسط »، وتزايد تدفقات المهاجرين في الطريق الغربية للمتوسط منذ يناير الماضي؛ كشف عبدالوافي لفتيت، وزير الداخلية، أن الأجهزة الأمنية تواصل التصدي لشبكات التهريب والاتجار في البشر، خصوصا وأنها أصبحت تستعمل وسائل جد متطورة في نقل المهاجرين غير الشرعيين نحو الضفة الأخرى، كالزوارق النفاثة والزوارق المطاطية، بالإضافة إلى الدراجات المائية، مع الاستعمال المغرض للوسائل الرقمية الجديدة.

بين السيادة وإجهاض الأحلام

لفتيت، الذي كان يتحدث، يوم أول أمس، أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، أوضح أن المجهودات التي يبذلها المغرب في مكافحة الهجرة السرية مكنت إلى غاية متم شهر شتنبر من السنة الجارية من تحقيق نتائج إيجابية، تمثلت في إفشال حوالي 68 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية، وتفكيك 122 شبكة إجرامية تنشط في ميدان الهجرة غير الشرعية. وأضاف، أيضا، أنه منذ سنة 2002 تم تفكيك أزيد من 3300 شبكة إجرامية وحجز حوالي 2000 قارب تستعمل في نقل المهاجرين غير الشرعيين.

وفي ظل الانتقادات الحادة التي يتعرض لها المغرب من قبل المنظمات غير الحكومية والحمعيات الحقوقية المحلية والوطنية والإقليمية والدولية بسبب ترحيل مهاجرين إفريقيا جنوب الصحراء من شمال المغرب، إلى مدن وسط وجنوبه أو على بلدانهم الأصلية، أو قبوله تسلم المهاجرين السريين المغاربة وغيرهم ممن يصلون إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين أو الضفة الأخرى؛ حاول لفتيت إبراز أن كل ما تقوم به السلطات الأمنية يدخل في إطار القانون وبتنسيق مع منظمة الهجرة الدولية، وشرح ذلك قائلا: « عملت وزارة الداخلية على تقوية برنامج العودة الطوعية عبر التوقيع مع المنظمة الدولية للهجرة على عدة اتفاقيات، يتم بموجبها إعادة وبشكل طوعي المهاجرين الموجودين فوق التراب المغربي بشكل غير قانوني إلى بلدانهم الأصلية، وذلك في ظروف تحترم حقوقهم وكرامتهم، حيث بلغ عدد المستفيدين من هذا البرنامج ما يناهز 26 ألف مهاجر منذ سنة 2002 ».

وبينما كان المهتمون بقضايا الهجرة ينتظرون أن يقدم وزير الداخلية بعض الأرقام والإحصائيات في شأن تقديم توضيحات بخصوص الحديث عن أن أغلب المهاجرين الأفارقة الذين سويت وضعيتهم منذ سنة 2014 لا يرغبون البقاء في المغرب، وينتظرون الفرص المواتية للهجرة إلى الفردوس الأوروبي، أعاد الأخير التأكيد على تسوية الوضعية الإدارية لما يناهز 50 ألف مهاجر خلال المرحلتين الأولى والثانية، أي حوالي 85 في المائة من مجموع الطلبات المقدمة من طرف مهاجرين أجانب من 113 جنسية. وأردف أن التجديد الأول لبطاقة إقامة المهاجرين، الذين استفادوا من عملية التسوية، قد حدد في ثلاث سنوات، شريطة عدم ارتكاب هؤلاء لأي عمل مخالف للقوانين الجــــاري بها العمل.

نهاية الحلم

على صعيد متصل،  تشير آخر الأرقام إلى ما يقارب 105 آلاف مهاجر سري من نقاط مختلفة من الساحل الشمالي للبحر المتوسط إلى أوروبا منذ بداية العام إلى حدود الساعة، مع تسجيل أكثر من 2000 ضحية بين مفقود أو قتيل، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. غير أن المصدر ذاته، أوضح أن هذه الأعداد هي أقل من مثيلاتها في الفترة نفسها من عام 2017، والتي وصل خلالها حوالي 148 ألف شخص بحرا إلى أوروبا، ومصرع  نحو 3000 مهاجر. وبين المصدر عينه قائلا: « شهد شهر شتنبر المنصرم مصرع شخص بين كل ثمانية عبروا البحر. وهذا يرجع في جانب كبير منه إلى الانخفاض الكبير في عمليات البحث والقدرة على البحث ».

أما في ما يخص الطريق الغربية للمتوسط (من المغرب والجزائر إلى إسبانيا)، سجل تقرير لمنظمة الهجرة الدولية وصول أكثر من 47 ألف شخص على متن قوارب وزوارق متداعية إلى إسبانيا منذ يناير الماضي حتى 30 أكتوبر المنصرم . كما ثم تسجيل ما يقرب من 600 حالة وفاة خلال الفترة نفسها.

هذا، ولازالت فواجع الهجرة السرية مستمرة في مياه بحر « البوران » ومضيق جبل طارق بعد كشف خفر السواحل الإسباني مصرع، على الأقل، 17 مهاجرا يوم الاثنين الماضي أثناء محاولتهم العبور بحرا من شمال إفريقيا إلى إسبانيا، فيما ثم إنقاذ أكثر من 100 آخرين. المصدر أوضح أنه رصد زورقين في غرب البحر المتوسط بين شبه جزيرة إيبيريا والمغرب والجزائر وعليهما 80 من الأحياء و13 متوفين. وقال إنهم نقلوا إلى مدينة ميليلية المحتلة. كما عثر خفر السواحل على أربع جثث وأنقذ 22 شخصا في المحيط الأطلسي قبالة مدينة قادس بجنوب إسبانيا.

الداخلية: إسبانيا سلمتنا 7850 حرّاكا مغربيا

ويلاحظ، كذلك، أنه في الوقت التي تتحفظ فيها السلطات الإسبانية عن تقديم العدد الإجمالي للمهاجرين المغاربة غير النظاميين، الذين رحلوا إلى الرباط منذ يناير 2017، خوفا من انتقادات المنظمات المحلية والإقليمية والدولية التي تطالب بإسقاط اتفاقية الترحيل الموقع بين المملكتين سنة 1992؛ اختارت الحكومة المغربية الحلول مكان نظيرتها الإسبانية، وتأكيد أن عدد المرحلين يقدر بالآلاف، أسوة بعدد الحراكة الذين يعدون، أيضا، بالآلاف.

خالد الزروالي، مدير الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية برتبة وال، أحرج في حوار مع صحيفة « إلباييس » الإسبانية، يوم الاثنين الماضي، وزارة الداخلية الإسبانية، كاشفا أنها رحلت إلى المملكة 7850 مهاجرا سريا مغربيا منذ يناير 2017، في إطار الاتفاقية الثنائية لترحيل المهاجرين السريين الموقعة بين البلدين سنة 1992؛ لكن الزروالي تجنب، في المقابل، الكشف عن عدد المهاجرين السريين المغاربة الذين وصلوا إلى إسبانيا منذ يناير 2017، والذين قدرتهم تقارير أوروبية وإسبانية بما يزيد عن 10600 حرّاك.

وأوضح الزروالي لمحاوره أن إسبانيا أعادت منذ يناير الماضي إلى نهاية أكتوبر المنصرم 3400 حرّاك مغربي إلى المملكة، فيما رحلت 4450 آخرين سنة 2017؛ في المقابل، وصل إلى إسبانيا منذ يناير الماضي أكثر من 6433 حراكا مغربيا إلى إسبانيا، مقارنة مع الـ4594 حرّاكا سنة 2017، حسب تقارير إسبانية. الأرقام السابقة تفيد بأن إسبانيا رحلت إلى المملكة 50 في المائة من الحرّاكة منذ يناير الماضي.

 

الرباط لبروكسيل: 140 مليارا لن تعالج مشكلة الهجرة

وبخصوص الدعم الإضافي الذي سيقدمه الاتحاد الأوروبي إلى المغرب، والذي سيبلغ لأول مرة 140 مليون يورو، أكد الزروالي « أنه بداية جيدة، وصائبة، ولكنها غير كافية »، معللا ذلك بكون « تكلفة أجهزتنا الأمنية تتجاوز بكثير إجراء 140 مليون أورو ».

كما رفض، ضمنيا، الاتهامات التي توجهها بعض الجهات الإسبانية والأوروبية للمغرب حول استغلاله الهجرة السرية للضغط على أوروبا في ذروة التدفقات الكبيرة، بالتأكيد على أن المغرب تمكن ما بين 2004 و2014 من تخفيض وصول المهاجرين السريين إلى إسبانيا بـ93 في المائة. وأضاف قائلا: « قمنا بذلك لوحدنا ولم نطلب على الإطلاق أي مقابل لذلك. واليوم، مع تدفق الهجرة صوب المملكة، وفي إطار المسؤوليات المشتركة، تقدم الاتحاد الأوروبي بعرضٍ، والذي رحبنا به، لكننا نخوض مع الاتحاد الأوروبي منطق الاستمرارية. نريد أن تكون المساعدة دائمة. 140 مليون أورو لن تعالج المشكلة. وأعتقد أن أصدقاءنا الأوروبيين يفهمون هذا ». وردا على المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية التي انتقدت ترحيل الأجهزة الأمنية أكثر من 7000 مهاجر إفريقي من الشمال إلى مدن وسط وجنوب المملكة، اعترف الزروالي بترحيلهم، معللا ذلك برغبة السلطات في حمايتهم من شبكات التهريب والاتجار في البشر، وفي هذا الصدد قال: « إن الهدف هو إبعادهم من منطقة تحرك شبكات الهجرة السرية »، شارحا: « عندما نصل إلى شقة بطنجة، ونجد فيها ما بين 50 و60 مهاجرا معهم قارب، ومحرك، وسترات النجاة.. نعرف أنهم لا يقومون بالسياحة »، قبل أن يبين أن الترحيل إلى الجنوب « ليس بالشيء الجديد، على عكس ما يعتقده الكثيرون. كنا نقوم به دوما ».  وعن جدوى ترحيلهم مادام المرحلون يعودون إلى الشمال عاجلا أم آجلا، نفى الزروالي هاته الراوية بالقول: « هذه قراءة تبسيطية. مؤشر العائدين أقل من 20 في المائة ». هذه الخلاصة تفندها العديد من التقارير وشهادات المهاجرين أنفسهم الذين يؤكدون أنهم سبق ترحيلهم وعادوا إلى الشمال.

 

بين الحقيقة والخيال

كما هي العادة، رفض الزروالي الإقرار بأن الفقر والهشاشة وضيق الأفق هو الذي يدفع الشباب المغاربة وغيرهم إلى ركوب مقبرة المتوسط من أجل بلوغ الفردوس الأوروبي، متهما، بدل ذلك، « التكنولوجية »، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على مساعدة المهاجرين في مياه المتوسط. وفي هذا أوضح: « أولا، التكنولوجيات الجديدة تساعد الذين يصلون إلى أوروبا على إرسال صور (إلى ذويهم ورفاقهم) وهذا يشجع الآخرين »، وبروز « الفانتوم »، القارب الشبح؛ علاوة على « الرغبة » في الهجرة التي خلقها « تأثير » عمليات تسوية وضعية المهاجرين في أوروبا لدى المرشحين الجدد. وأضاف سببا آخر: « هناك أسطول من قوارب المنظمات غير الحكومية في البحر المتوسط التي بدأت تنادي: تعالوا، تعالوا، تعالوا ». قبل أن يعود ليوضح أن هذه المنظمات فيها التي تساعد المهاجرين بنبل، والتي تقوم بذلك بحسن نية دون أن تشعر أنها تسقط في المحظور. والسبب الأخير الذي تحدث عنه الزروالي رفضه بعض النشطاء في مجال الهجر في اتصال مع « أخبار اليوم »، واعتبروه « اتهاما مباشرا للمنظمة غير الحكومية بالتواطؤ مع من يقفون وراء الهجرة السرية ».

ويبقى الرد المثير للجدل وغير المفهوم للزروالي، هو أن وزارة الداخلية فتحت تحقيقا بخصوص الفيديوهات التي تشجع الشباب المغاربة على الهجرة، لكن لم تتوصل إلى أي خلاصات إلى حدود الساعة؛ قبل أن يقلل من إمكانية تورط أباطرة تهريب المخدرات بين البلدين في تهجير الشباب المغاربة، كما ذهبت إلى ذلك مصادر أمنية إسبانية، بالتأكيد قائلا: « مهربو المخدرات لا يتصرفون عادة بهذه الطريقة ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي